رأي

التربية وتطويع سلوك الطفل بين الأسرة والـمدرســة

د. خالد شنون */

تعنى التربية لغويا بتبليغ الشيء الى كماله، وفي النشء تهتم التربية بالسلوك والتعلم والخبرة والمحيط بأبعاده المتكاملة بل وتصحح وتعدل السلوك وتطوره وتعمل على تجويده (من الجودة في مجال التربية المقصودة في المدارس) بما يتماشى وقيم واتجاهات المجتمع، حيث حضيت التربية باهتمام العلماء والمفكرين منذ عصور ما قبل التاريخ، أين بحثت الأمم عن وسيلة لتحقيق التفاهم والتعايش الضروري للحياة، ولم تجد من سبيل غير التربية لتحقيق هذا الهدف، وحينها أوكلت المهمة حسب أبعاد التربية وتنوع جوانبها الى مؤسسات التنشئة الاجتماعية لاحتضان تطبيقاتها، والعلماء والمفكرين لتقديم الأفكار حولها بداية من معناها ومقاصدها، الى عناصرها الى أهدافها بين النظرية والتطبيق، فتكونت المذاهب والخلفيات المعرفية والاجتماعية والتكنولوجية لتناول موضوع التربية، خاصة ما تعلق بالأسرة كخلية أولى لتطور سلوك الطفل في مجاله البيولوجي والسلوكي الحركي، وكذا المدرسة كأكبر مؤسسة تربوية أوكلت لها مهمة تربية النشء وفق مناهج مطورة ومحسنة، تعمل على تحقيق ما عجزت عنه الأسرة وهنا تبدوا مهمة المدرسة في تعليم القراءة والكتابة والحساب ومختلف العلوم الموضوعية، حيث لا يمكن أن يتحقق هذا في الأسر على وجه العموم.
و يعني هذا أن الأسرة مهمتها في التربية غير المقصودة والمدرسة في التربية المقصودة ذات الابعاد المنهجية والطرائق والاستراتيجيات القابلة للتحقيق والتنفيذ بشكل مقصود، وهنا نجد أن الأدوار متكاملة في أصلها بين الأسرة والمدرسة، رغم أن المدرسة طورت اهدافها في احتواء التلاميذ الى توحيد ودمج التصورات والخلفيات المعرفية والاجتماعية المكتسبة في الأسر كما تصحح وتعدل وتشخص اضطرابات وصعوبات التعلم لدى النشء إذ نجد النضج والسلامة الصحية والنفسية لدى الطفل إضافة الى الدافعية والممارسة شرطا لحدوث التعلم النظامي في المدرسة، ولا يمكن ان يتحقق التعلم إلا بوجود هذه العناصر الثلاث، ويشار الى أن التداخل والتكامل بين الأسرة والمدرسة له حدود معينة، فلا يحق للأب مثلا ان يبالغ في طلب تفسير عن المناهج وأهداف التعليم في المدرسة إلا في حدود معينة، بل ضروري ان يشارك من باب احتياجات المدرسة في التلميذ ومكتسباته القبلية الآتية من البيت والأسرة، مشاركة في ضرورة تكييف البيئة الأسرية للاندماج في مشروع المؤسسة التربوية، وضروري هنا توضيح أن مخرجات المدرسة يقومها المدرس والقائمين على المناهج، لا الأولياء وفق نمطية الأرقام المحصلة في الامتحانات، حيث يشار في هذه الخطوة الى ضرورة الانتباه بأن النقطة المحصلة في الاختبارات وقراءتها ثراءة منهجية وعلمية تربوية، تتطلب توفر أهل الاختصاص والأجدر أن تكون نتائج التحصيل صادقة، هدفها تصحيح الوضعيات التعليمية والتعلمية، بل وتقويم المعلم في إدارته للصف مع المتعلمين، وكذا تحقق الكفاءة لدى المتعلم، وعليه فإن أدوار المربي تختلف بين الأسرة والمدرسة حيث محورية القطب التعلمي المتمثلة في التلميذ، أضحت اليوم تعنى بالمعلم والمتعلم، و تعتبر هذه الثنائية صلب إهتمام المشروع التربوي الناجح، مشروع يضع خلفية في شكل خارطة لتدخلات كل عنصر من القائمين على تربية الطفل وتدريب مواهبه وصقل خبراته بالكفاءات اللازمة لكل مرحلة عمرية ومستوى تعليمي.
اليوم بات على منظوماتنا التربوية تقنين هذا التداخل بين المربين وتوضيح الأدوار حتى يتسنى للنشء بناء تعلمات متكاملة بين الأسرة والمدرسة، تعلمات ترقى برضا الطفل أو المتعلم في المدرسة والأسرة معا، وتحقق تصورات غير متناقضة تصورات حي المرجع في بناء تعلمات سواء في الأسرة او في المدرسة تتميز بالتكامل، وتتبنى مفهوما موحدا يتماشى والتصورات المتجددة حول المتعلم و المعلم، حيث يعنى هذا المفهوم بالانطلاق من الاحتياجات التعليمية للمتعلم وفق مقاربة بناء للمعرفة لا تلقي لها فحسب ، وهي تصورات راقية قد يتوفق المتعلم من خلالها في تحقيق تحصيل وكفاءات ذات مستوى عالي حيث لم يعد الزمن الحاضر يعنى بالنمطية وتجزئة المعرفة، عكس ما أضحى يعنى بالبناء والتركيز على شخصية المتعلم في بناء المعرفة وتحقيق الابداع والابتكار في شكل مشروع متعلم يرقى بتعلمه الذاتي كإستراتيجية في ظل العولمة وتحديات غزارة المعرفة…
* جامعة الجزائر 2 أبو القاسم سعد الله

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com