روبورتاج

قصر الداي “دار السلطان” يؤرخ لحادثة المروحة

روبورتاج: فاطمة طاهي/

 

يضم حي القصبة الأثري في مدينة الجزائر العاصمة العديد من المعالم المعمارية والتراثية التي تشهد على عظمة حكم الدايات بالجزائر. “قلعة الجزائر” التي أطلق عليها كذلك اسم “قصر الداي” ثم “دار السلطان” وفيما بعد مقر السلطة، واحد من المعالم الأثرية التي تزخر بها مدينة الجزائر القديمة، ومن أكبر قصورها التي بناها العثمانيون ليكون مقرا لهم ومقرا لاستقبال ضيوف الداي وبايات الجزائر، معمار إسلامي شاهد على دخول المستعمر الفرنسي إلى الجزائر سنة 1830 وقبل ذلك بعد حادثة المروحة سنة 1827م التي وقعت بداخله بين الداي حسين والقنصل الفرنسي.

قصر الداي حسين .. الموقع والتأسيس


يقع قصر الداي المعروف أيضا بدار السلطان أو قلعة الجزائر في الزاوية الشمالية الشرقية للقصبة، حيث تم بناؤه في عام 1516م بأمر من عروج بربروس، وقد تم تحويل الحكم إليه الذي كان في قصر الجنينة بأمر من الداي علي خوجة وذلك في سنة 1817م.
هذا ويظم القصر جناح الداي وأهله، والممر السري للسلطان، وجناح الجيش الانكشاري، والذي يوجد به حمّامان ومسجد كبير، وكذا دار البارود التي يُصنع داخلها البارود، كما يوجد به قصر البايات، الذي كان يقصده بيلك وهران وقسنطينة والتيطري، المدية، لتسليم الضرائب، علما أن خلال الفترة العثمانية كانت القلعة محاطة بسبع بطاريات، كانت تُستعمل للمراقبة.
يقع قصر “الداي حسين” والذي يطلق عليه كذلك تسمية “قلعة الجزائر” في الحي العثماني العتيق في القصبة بعاصمة الجزائر، حيث بُني في النصف الثاني من القرن الـ16، ليكون مقراً لإقامة آخر دايات أو حكام الجزائر الذي يدعى الداي حسين الذي سكن فيه إبان الفترة العثمانية في البلاد، وبني مقابله المسجد المقابل له حاليا وهو جامع البراني.
بناء القلعة من قبل القائدين التركيين الأخوين: عروج وخير الدين برباروس
تقول مصادر تاريخية بأنّ قلعة القصبة، التي تتربّع على مساحة هكتار ونصف وتقع على علو 118 متراً عن سطح البحر، قد تم بناؤها من قبل القائدين التركيين الأخوين عروج وخير الدين برباروس، وقد كانت في البداية عبارة عن ثكنة تضم مدفعين، ثم قرر الداي علي خوجة في عهده تحويل مقرّ ديوانه من “قصر الجنينة” إليها وذلك سنة 1816، بسبب الاضطرابات التي عرفتها مدينة الجزائر في أواخر الحكم العثماني، والتي تسبّب فيها الجيش الانكشاري، حيث عمت حالة من الفوضى وجرى اغتيال العديد من الدايات.
وقد استمر وضع القلعة في فترة الداي حسين الذي اتخذها مركزا للحكم السياسي والاقتصادي والمالي للجزائر.
القصر مقر لإقامة آخر دايات الجزائر


يعد القصر مقرا لإقامة آخر دايات الجزائر، حيث عرف عدة تحولات فبعد بنائه خلال النصف الثاني للقرن 16، احتفظ خلال القرنين 17 و18 بوظيفته العسكرية كما كان مقرا لمجلس الديوان. وقد كانت مجموعة من جيش الانكشارية تحرس القصر، ومع بداية القرن 19 قام الداي علي خوجة ببناء قصر له لحمايته من ثورة الشعب، هذا حسب بعض المصادر.
ويتميز قصر السلطان بجمال عمرانه مثله مثل باقي القصور والمساجد العثمانية التي خلدها العثمانيون، كما يعتبر واحدا من أهم المباني داخل القصبة يتخلله قصران ومسجدان وقاعات لديوان الحكم ومخزن لملح البارود، تحيط بساحته المستطيلة أربعة أجنحة مكونة من ثلاثة طوابق تضمّ شققا ومطابخ وحمامات. يتجلّى في طرازه المعماري الفريد في الجزائر، امتزاج التأثيرات المعمارية الأندلسية والتركية والفارسية والأوروبية. وتبدو التقنية المستخدمة في الخزف التونسي من إبداع الحرفيّين الموريسكيين الذين غادروا الأندلس إلى تونس في القرن 15 على ما يقول متخصّصون.
قلعة الجزائر .. من أكبر معالم مدينة الجزائر القديمة


تقدر مساحة القلعة بـ4500 متر مربع، وامتزج تشييدها بين الطراز المعماري الأندلسي والتركي والفارسي والأوروبي، كما أن الناظر لمبانيها سيشعر بتلك اللمسة الموظفة للموريسكيين، الذين غادروا الأندلس إلى تونس في القرن 15 وذلك من خلال الخزف التونسي، حسب المصادر التاريخية.
يمكن الدخول إلى القصر عبر مدخلين رئيسيين. واحد يؤدي إلى الساحة عبر باب مغطى بقبو، أما الثاني فيربط الطريق بباب متعرج المدخل وهو ما يحفظ الحياة الخاصة لساكني القصر، هذه التقنية التي كانت شائعة في العهود القديمة، تستعمل في العمارة السكنية والعسكرية، يؤدي المدخل إلى قاعة وسطى مزينة بنافورة من الرخام وجناح خشبي صغير يُعرف بجناح “حادثة المروحة”، بالإضافة إلى مطابخ وحمام، وجناح “الحريم”، وقاعة ديوان الحكم، ومخزنا للأسلحة، وبقبة نصف دائرية زينت جدرانها بالزليج والصباغات.
كما نجد قصر الداي غرب السقيفة التي تعتبر همزة وصل بين القصبة والمدينة، يحده من الشرق الجناح الصيفي ومسجد الجيش، ومن الجنوب مخازن المطابخ ومسجد الداي وحمامات قصر الداي، ويعتبر هذا القصر أكبر مباني القصبة، لما حواه من مبان سياسية وإدارية ومالية للدولة الجزائرية كانت تناقش بطابقه الأرضي لقاعة الديوان وفي الوجه المقابل للمدخل المؤدي إلى هذا الصحن نجد بيت “ضرب العملة”.
بناؤه بأجود مواد البناء القادمة من إيطاليا وإسبانيا
تم بناء القصر بأجود مواد البناء حيث تم تزيين جدرانه بمربعات خزفية مستمدة من تشكيلات نباتية وزهرية تحاكي جماليات الفن الإيطالي، وقد جلبت خاصة من تونس وإيطاليا وهولندا وإسبانيا، كما صنعت أبوابه ونوافذه المنقوشة من الحطب العتيق.
دار الداي حسين وحادثة المروحة


يرتبط تاريخ القصر بفترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، فالقصر الذي أقام فيه الداي حسين 12 سنة، شهد في 1827 ما سُمي بـ “حادثة المروحة” التي اتخذتها فرنسا ذريعة لاحتلال الجزائر، حين استقبل الداي القنصل الفرنسي شارل دوفال وطالبه بتسديد الديون المترتبة على فرنسا، يقول المؤرّخون إن دوفال تصرّف بطريقة “غير لائقة”، فطرده الداي ملوحا بمروحته، فأرسل الملك شارل العاشر جيوشه إلى الشواطئ الجزائرية، بحجة “استرجاع شرفه المهدور” وخلال الفترة الاستعمارية قام الجنرال دوبورمون بتحويل القصر إلى مقر لإقامته. هذا وقد تم تقسيم القصبة إلى قسمين من خلال وضع طريق، كما تم عزلها عن باقي المباني المجاورة.
منظمة “اليونيسكو” تصنف القصر ضمن قائمة التراث العالمي


صُنفت القلعة كمعلم تاريخي سنة 1887م وأصبحت تراثا إنسانيا ضمن قائمة التراث العالمي المحمي سنة 1992 وذلك من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو”.
قلعة عثمانية دافعت عن الإسلام والمسلمين


حسب المصادر التاريخية، كانت دار السلطان عبارة عن بطارية أنشأها “عروج بن يعقوب المدعو بربروس” لما استدعاه شيوخ الجزائر لكي ينقذهم من الأسبان بعد أن قاموا ببناء قلعة وراء المنارة، إذ يوجد هناك قلعة بها 44 مدفعا و200 عسكري إسباني. ونظرا للاستفزازات الإسبانية، طلب شيوخ الجزائر من “سليم تومي” الذي كان محافظ الجزائر آنذاك أن يحضروا الإخوة بربروس “خير الدين ويعقوب الذي يدعى عروج”، واللذين كانا في جيجل وكانا قد أنقذاها من المسيحيين الذين أرادوا استعمارها فطارت شهرتهم في محاربة النصرانية في البحر الأبيض المتوسط وفي الجزائر، لذا قرر الشيوخ أن الخلاص سيكون على يد الإخوة بربروس فذهبوا إليهما في جيجل. وفعلا وافقا وحضر “عروج” لوحده وبدأ يهاجمهم ويوجه ضربات للقلعة، لكن من دون نتيجة.
وفي سنة 1516 انتبه إلى المكان العالي “مكان القلعة” وقرر تصميم بطارية بـ06 مدافع قبالة البحر لكي يحمي البلاد. ولما أنشأ هذه البطارية قام ببناء بيوت تقليدية للجنود الذين يقومون على البطارية والذين أطلق عليهم تسمية “البشطابجية”، حيث كل مدفع يحرص عليه ست جنود. ثم تم أيضا توفير بعض المرافق فقرر بناء مسجد “ياني شاري”. وبعد ما توفي “سليم بن تومي” أصبح “علي خوجة” هو الذي يجلب كنز مدينة الجزائر الذي كان يحضره من رياس البحر كغنيمة، وبسبب الاضطرابات التي كانت تشهدها القصبة السفلى من قبل بعض العصابات قرر “علي خوجة”، أخذ الكنز إلى القلعة ووضعه على ثلاث غرف “غرفة للذهب”، “غرفة للفضة”، “غرفة للمجوهرات”.
وفي سنة 1817 استقر في القلعة الداي “علي خوجة” حيث مكث فيها عاما ثم توفي بالطاعون، وخلفه الخزناجي “حسين” ليكون آخر دايات الجزائر. وحسب الكاتب والمؤرخ “محمد بن مدور” في كتابه الذي حمل عنوان: “اكتشاف البهجة ما بين 1516 و1830” أنه: “قبل إنشاء القلعة كان هناك برج يعود للفترة الرومانية. القلعة الحربية المتعالية تقع على علو 118.80 متر على سطح البحر، لتتحول سنة 1818 إلى إقامة رسمية، استقر فيها آخر دايات الجزائر “الداي حسين” الذي عمر فيها أمدا طويلا امتد إلى 12 سنة. القلعة التي تتربع على مساحة إجمالية تقدر بأكثر من 10500م2، وتضم بين جنباتها قصر البايات (قسنطينة، التيطري، وهران)، la poudrière الخاصة بحفظ الغنائم، جناح epouvantail ، جناح المروحة، جامع القصبة “البراني” وحدائق الطرب تتزين بأجمل الأشجار والنباتات، ويسكنها أنواع نادرة من الطيور وبها في طابق سفلي إسطبلات لحيوانات متنوعة”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com