كلمة حق

هل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي ينهض بالاقتصاد؟

أ د. عمار طالبي/

إذا ساء التصرف الذي تقوم به النخبة السياسية في بلد ما، فأدى ذلك إلى الحاجة للتنمية، فإنها بدل أن تحسن إدارة ما لديها من إمكانات وتلجأ إلى استثمار الطاقة الاجتماعية، وتعمل جهدها في تحسين أداة هذه الإمكانات، وتلك الطاقة الاجتماعية فإنها تتوجه إلى صندوق النقدي الدولي، لينقذها مما تعانيه من الحاجة والضائقة، أو إلى البنك الدولي.
ولهاتين المؤسستين شروط تجعل هذه السياسة أو تلك تعيد ثمراتها إليهما لتسترجع مما سمحت به من مبالغ مالية تستعمل في الاستيراد، ويستمر الأمر، وغالبا ما يؤدي إلى انهيار اقتصاد تلك الدولة ولا تستطيع أن تنمي اقتصادها بتلك السياسة الاقتراضية.
وقد وقعت تجارب كثيرة في دول لجأت إلى القرض من إحدى هاتين المؤسستين اللتين تتحكم فيهما الولايات المتحدة الأمريكية، التي وحدها لها الحق في الاعتراض (الفيتو) على أي تصرف لا يكون في صالحها، وتأتي الدول الغربية التي لا تسمح بالقرض إلا إذا ضمنت مصالحها فهي بمثابة رجل الإطفاء الذي يبقي على الدمار ولا يعيد ما احترق ولا يبنيه، ولذلك بقيت قارة إفريقيا لحد اليوم مرتهنة وفشلت في أية تنمية اعتمدت على القرض الدولي، وكذلك الأمر بالنسبة للدول العربية التي أخذت بسياسة القرض مثل مصر وغيرها.
ونرى تركيا هذه الأيام تحاول أن تعتمد على نفسها وعلى سياسة نقدية تحفظ لها عملتها وتؤدي إلى الاستثمار وإلى التنمية، ولذلك تجد معارضة غربية وخصومة تعمل لإفشالها، وعدم الخروج من قبضة الاقتصاد الأوروبي والأمريكي.
أما تونس فإنها لجأت هذه المدة إلى مؤسسة الصندوق النقد الدولي، ولا يزيدها ذلك إلا انهيارا في الاقتصاد، وفشلا في التنمية، لما أصاب النخبة من سوء التصرف، والفساد المالي.
إنه لا تقوم قائمة أية دولة في هذا الجانب إلا إذا قضي على الفساد، فإن التصرف وإدارة المال إذا دخل الفساد إليها، فلا تنفع شفاعة صندوق النقد ولا البنك الدولي، وبرهنت عدة تجارب معاصرة على هذا.
إن ماليزيا مثلا أدركت هذا الأمر، واستطاعت هي وبعض دول جنوب شرقا آسيا أن تحتفظ بما يكفي من العملة الأجنبية، ومنعت الفساد المالي، والفساد السياسي، فكان ذلك قد حفظ لها تنمية وتصنيعا وتخلصت من الفساد، والاعتماد على غيرها، وأصبحت دولة صناعية إنتاجية.
والجزائر اليوم تعاني من التضخم، وتعاني عملتها من الانخفاض، بالنسبة للدولار والأورو، والحمد لله لم تلجأ لحد اليوم إلى هذا الفخ الذي وقعت فيه عدة دول، فلم يجدها ذلك، ولم يؤد إلى نفع وإنقاذ.
ولعل الاتجاه اليوم في الجزائر إلى عدم الاعتماد على المحروقات وحدها سبيل من التنمية الصحيحة في الزراعة، والصناعة، والاعتماد على الانتاج لا على مجرد الاستيراد الذي كلفها، ما كلفها أثناء الوفرة النقدية، الأمر الذي أنساها عواقب ذلك، وذهبت تلك الثروة هدرا، وزادها الفساد انحدارا ودمارا، ولعل القضاء على الفساد يجري مجراه، والاعتماد على الاستثمار الاجتماعي والامكانات الذاتية وما أكثرها وأغناها إذا أحسن التصرف فيها وإدارتها تؤدي إلى التنمية المستدامة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com