وراء الأحداث

صفعة أممية للغطرسة الأمريكية؟!/عبد الحميد عبدوس

لم تثن لغة التهديد والوعيد والتطاول التي استخدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسفيرته في الامم المتحدة نيكي هيلي، وممثل الكيان الصهيوني المغتصب، أغلبية دول العالم من الوقوف إلى جانب الشرعية الاممية والانتصار للحق وإعادة الاعتبار للقانون الدولي، وكانت الجلسة الاستثنائية للأمم المتحدة يوم الخميس 21 ديسمبر 2017 الخاصة بالتصويت على قرار أممي يرفض تغيير وضع القدس، ويدعو الدول إلى عدم نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس، بمثابة صفعة مدوية وجهتها أغلب دول العالم للغطرسة الأمريكية، وللتهديدات الوقحة التي وجهها الرئيس الامريكي لأعضاء الامم المتحدة، بقطع المساعدات والمعونات المالية التي تقدّمها بلاده عن أي دولة ستصوت ضد قراره بشأن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد صوتت 128 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة (بأغلبية الثلثين)،.بينما صوتت 9 دول ضد القرار، في حين امتنعت 35 دولة عن التصويت.

قبل ذلك كانت السفيرة الأمريكية نيكي هيلي قد أبلغت ممثلي الدول في الأمم المتحدة أن الرئيس ترامب سيتعامل مع انعقاد الاجتماع الطارئ للجمعية العامة ” كمسألة شخصية” . مؤكدة إن التصويت على قرار يدين اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل يمثل “إهانة لن ننساها أبدا” واعتبرت الامم المتحدة مكانا معاديا لإسرائيل، ومع ذلك وجه أكثر من ثلثي أعضاء الامم المتحدة إهانة كبيرة للطاغية دونالد ترامب الذي فشلت سياسته الابتزازية وضغوطه غير المسبوقة في شراء ذمم الدول الحرة .

وإذا كان المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة الذي صب جام غضبه على المنظمة الأممية، قد أعتبر الدول المصوتة على القرار مجرد دمى تحركها دولة فلسطين، فإن وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان حمل الجزائر مسؤولية توجيه أعضاء الأمم المتحدة في تصويتهم بالأغلبية الساحقة على مشروع القرار التركي اليمني بشأن الإبقاء على وضع مدينة القدس المحتلة دون تغيير.

وكتب في تغريدة على حسابه بموقع تويتر: “لنتذكر جميعا أنها الأمم المتحدة ذاتها التي وصفها سفيرنا الأول فيها آبا إيبان بأن الجزائر لو تقدمت بمشروع قرار يقول إن الأرض مسطحة وأن إسرائيل هي المسؤولة عن ذلك لحصل هذا القرار على 164صوتا مقابل 13 معترضا و26 يمتنعون عن التصويت”.

أما رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فقد اظهر كعادته استهتاره بالشرعية الدولية ورفض بلاده الانصياع للإرادة الأممية بخصوص وضع القدس الشريف فقد صرح قائلا: “في اسرائيل نرفض هذا القرار للأمم المتحدة ونتعامل بارتياح حيال العدد الكبير من الدول التي لم تصوت تأييدا لهذا القرار”.

ولعل من بين الدول التي عبر رئيس حكومة الكيان الصهيوني عن ارتياحه لرفضها القرار الاممي أو لامتناعها عن التصويت عليه، ونالت كذلك ثناء المندوبة الامريكية في الامم المتحدة نيكي هيلي، التي اعتبرت الموقف المتهافت لتلك الدول بمثابة الوقوف في صفها، دول تنتمي شكليا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فقد صوتت دولة التوغو، وهي دولة عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي ضد قرار الجمعية العامة، كما امتنعت بعض الدول في ذات المنظمة، وهي البنين والكاميرون و أوغندا عن التصويت ضد قرار دونالد ترامب الذي اتخذه في السادس من الشهر الجاري باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، هذا الموقف يطرح بلا شك اسئلة جدية عن مدى مصداقية انتماء مثل هذه الدول لمنظمة المؤتمر الإسلامي وهي تتنكر جهارا لمعظم أهداف هذه المنظمة التي يحددها ميثاق المنظمة في:

1- تعزيز التضامن الإسلامي بين الدول الأعضاء.

2- دعم التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.

3- دعم كفاح جميع الشعوب الإسلامية لصيانة كرامتها واستقلالها وحقوقها الوطنية.

4- حماية الأماكن المقدسة.

5- دعم كفاح الشعب الفلسطيني ومعاونته لاستعادة حقوقه المشروعة وتحرير الأراضي المحتلة.

وفي مقابل ذلك عبّرت تركيا التي ساهمت في تقديم مشروع القرار، عن رفضها لتهديد أمريكا للدول التي ستصوت لمصلحة مشروع القرار.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنهم: “يسمون الولايات المتحدة مهد الديمقراطية.. مهد الديمقراطية يبحث عن شراء الإرادة بالدولار في العالم”. وأضاف موجها حديثه إلى ترامب: “لا يمكنكم شراء الإرادة الديمقراطية لتركيا بدولاراتكم”.

كما اعتبر وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو أن قرار ترامب بشأن القدس: “اعتداء مروع على كافة القيم العالمية” وأكد أن بلاده “لن تترك القدس وحيدة أبداً، والشعب الفلسطيني لن يبقى وحيداً ..” جدد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم الجمعة الماضي(22ديسمبر 2017) بباريس أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عدم قبول الفلسطينيين بأية خطة تقدمها الولايات المتحدة الامريكية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ب لأنها: “لم تعد وسيطا نزيها في عملية السلام”، وكان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قد قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل جلسة التصويت على القرار الاممي يوم الخميس 21 ديسمبر 2017: إن “قرار ترامب (بشأن القدس) يخدم الطبيعة الاستعمارية لإسرائيل وقوي التطرف في العالم”.

بدوره قال مندوب اليمن بصفتها رئيس الدورة الحالية للمجموعة العربية للأمم المتحدة، لدى الأمم المتحدة، خالد اليماني، إن قرار ترامب “يهدد السلم ويزعزع الاستقرار بالشرق الأوسط”

ولعل النجاح الوحيد الذي احرزه الطاغية الأحمق دونالد ترامب من خلال قراره المتعصب للمصالح الصهيونية والمنحاز للعدوان الاسرائيلي هو جعل الولايات المتحدة الامريكية دولة معزولة ومهمشة القرار ومنبوذة من اغلب المجتمع الدولي، واستفز المشاعر الفلسطينية لإطلاق هدير انتفاضة جديدة، وجعل الوحدة الفلسطينية اقرب إلى التحقق من ذي قبل.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com