الأستاذ الشيخ حســن رمضان فحلة (رحمه الله) رجــــل العلم والإصــــــلاح والدعــــــــوة

يكتبه: حسن خليفة/
غادرنا من الفانية … إلى الباقية، قبل نحو أسبوع الأستاذ الشيخ حسن رمضان فحلة ـ رحمات الله عليه وعلى كل أموات المسلمين ـ بعد عمر مديد (أكثر من 82 سنة) قضاها في الأعمال الصالحات، والدعوة إلى الله تعالى بالمحاضرات، والخطب، والدروس، والكتابات النافعة..بالإضافة إلى عمله الدائب الدائم في التدريس الجامعي، وما يتبعه من أعباء كالإشراف والتوجيه، والتكوين، والإعداد …وذلك منذ أكثر من ثلاثين عاما كاملة، في عدد من الجامعات الجزائرية، أستاذا دائما، ومشاركا ومتعاونا، فضلا عن مناقشته لعشرات الأطاريح العلمية: ماجستير ودكتوراه في عدد من المؤسسات الجامعية هنا وهناك.
تعود معرفتي بالشيخ حسن رحمه الله إلى بداية الثمانينيات عندما جاء إلى الجزائر، وسط ظروف وملابسات خاصة، لها علاقة بما حدث في سورية وقتها في حماة، وقد فقد الشيخ حسن عددا من أفراد أسرته هناك، ومنهم زوجته وبعض أبنائه. وسلّم الله في الباقي.
جاء إلى الجزائر؛ حيث يسّر الله تعالى له سبل الإقامة والحصول على الجنسيـة الجزائرية، وتحقيق ما كان يصبـو إليه وهو خدمة الدين والعلم والكتابة والتأليف، لكنه مرّ بظروف قاسية صعبة، وعاني الكثير قبل أن يستقرّ به المقام كأستاذ في جامعة باتنة الحاج الأخضر، ومقيم بقسنطينة.
كانت بدايات عمل الشيـخ حسـن في تعاقده مع ما كان يُسمّى «مدرسة الفنون الجميلة (قسنطينة)» كأستاذ لعدد من المواد اللغوية والفنية (تاريخ الفن ـ فن الخط العربي ـ اللغة العربية، ومواد أخرى لها صلة بتكوين طلبة وطالبات الفنون الجميلة وقتئذ (الثمانينيات)، فضلا عن بعض أعمال هنا وهناك، ثم درّس في معهد تكوين الأئمة في سيدي عقبة (بسكرة)، وتعاون مع الشؤون الدينية هناك…كانت ظروفه صعبة، مع مسؤولياته الجسيمة على العائلة والأولاد، ومع اهتمامه الكبير بشؤون العمل الدعوي والديني والفكري …
وكانت بداية الانفراج حين يسـّر الله تعالى له الانضمام إلى جامعة باتنة بمساعدة الشيخ الحاج لخضر رحمات الله تعالى عليه، وأيضا بدعم من الأستاذ الكبير الطاهر حليس رحمه الله؛ حيث استقرّ به المقام كأستاذ تدرّج في الدرجات والمناصب والمسؤوليات؛ حتى صار أستاذا للتعليم العالي (بروفيسور)، كمـا يسّر الله تعالى له أيضا إلحاق زوجته السيدة ف. فحلة كطالبة علم، ثم أستاذة في نفس الجامعة ونفس الكلية (كلية العلوم الإسلامية باتنة).
وقبل تحقيق هذا الهدف المأمول منه رحمه الله تعالى في أن يكون أستاذا جامعيا، اشتغل في دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع بعين مليلة، مشرفا على «مكتب الدراسات» الذي أنشأه الحاج قلاب ذبيح ذياب مديروصاحب دار الهدى، ووظف فيه عددا من الأساتذة المتفرغين (المتقاعدين) كمدققين لغويين، ومؤلفين، ودارسين ومقترحي عناوين وموضوعات للكتب المطلوب طبعها ونشرها). وقد عمل هناك أكثر من خمس عشرة سنة، وفيها ألف الكثير من كتبه ورسائله بدءا برسالة «علم ابنك الصلاة» ورسائل أخرى في «أركان الإيمان والإسلام» و«الآخرة»، ثم توالت كتبه حتى بغلت أكثر من أربعين كتابا ورسالة على مدى سنوات قليلة.
ونذكر على سبيل الإشارة لا الحصر من تلك المؤلفات:
التداوي بالقرآن -شرح أسماء الله الحسنى – الصلاة المشروعة وأذكارها – منهاج الصائم في رمضان -شرح 21 حديثا في الآداب والأخلاق – علم ابنك الصلاة والسلوك الإسلامي – تقويم مادة التربية الإسلامية في المدرسة الأساسية الجزائرية – مقومات الحضارة الإنسانية في الإسلام ـ الأهداف العامة في سورة الحجرات – الأحاديث القدسية الإيمان والإسلام – الأمانة: أسسها ومبادئها في الإسلام – بهجة الطرف في فن الصرف – الخطر الداهم على العرب والمسلمين – سلسلة قصص الأنبياء – حقيقة الذّكر والدعاء في القرآن والسنة ـ وغيرها كثير.
ولاهتمامه الكبير بالإصلاح والعمل الإصلاحي كانت أكثر بحوثه ودراساته، بما في ذلك العلمية الأكاديمية، تتجه صوب الموضوعات ذات الصلة بالواقع الاجتماعي واقتراح ما يمكن أن يصلحه ويطوّره، ويساعد المسلمين على تجاوزه إلى واقع أفضل تحكمه الشريعة وتضبطه ضوابط الإيمان والإسلام وحدودهما، ومن ذلك هذه الدراسات والأبحاث التي نشرها في عدد من الدوريات والمطبوعات العربية:
ـ علاج الشريعة الإسلامية للانحراف الوظيفي والإداري (مجلة الفيصل).
ـ وسائل الكبح من جماح الطلاق (مجلة الحرس الوطني).
ـ البحث العلمي في الجامعة بين النظرية والواقع: دراسة نقدية في واقع الجامعات الإسلامية(مجلة الإحياء).
ـ أمتنا في معركة دائمة لتحقيق الذات(الإحياء).
ـ مفاتيح التقدم الحضاري بالعلم (علم الجينات نموذجا)، الإحياء.
ـ بؤر الفساد في الأرض وعلاجها في الإسلام (الإحياء).
ـ أثر السنة النبوية في توجيه العلوم التربوية والاجتماعية.
ـ ظاهرة العنوسة وآثارها في المجتمع: أسبابها ومخاطرها.
ـ ترشيد استثمار الوقف وتأكيد فاعليته التنموية(*)
بعد دار الهدى عمل الأستاذ الشيخ حسن لعدد من السنين أيضا، في دار اليُمن التي كان مقرّها في مدينة الخروب، في مكتب الدراسات والتأليف مع عدد من الأساتذة منهم الشيخ شوقي سليمان أبو حرم (خطيب مسجد الأمير عبد القادرو جامعته (الجامعة الإسلامية)، وفيصل بوطالبي، وغيرهما. وهكذا لم ينقطع عمله عن بيئة الكتابة والكتاب والتأليف والإشراف والنشر، وكل ذلك من تيسير الله تعالى له.
لقد كان الأستاذ الشيخ حسن رمضان فحلة رجل دعوة وعلم وإصلاح وصلاح، لم يتأخر عن أداء واجباته الدينية والفكرية والدعوية، وكان يلبّي أي دعوة تأتيه من أي مكان :مسجد، حيّ جامعي، جامعة، مركز ثقافي، جمعية الخ..وكانت له صداقاته وعلاقاته الطيبة مع الكثير من أهل العلم والفضل والخير، في عديد المدن الجزائرية.
نسأل الله تعالى أن يغفر له ويتجاوز عن مساوئه ويحسن إليه ويتغمده بواسع رحمته ويجعله في الصالحين. وأن يتقبل منه أعماله وجهوده، ونسأله أن يصبّر أهله وذويه وأحبابه.
(*) استفدنا من نتف من سيرته وترجمته نُشرت في بعض المجلات.ومن ذلك ما نشره الأستاذ الدكتور مسعود فلوسي .