وقتك هو حياتك/ محمد الصالح الصديق

قال رسول صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ”1.
وقد ذكر الإمام عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- في فقه هذا الحديث ومقصوده ما يلي:
“عمر الإنسان أنفس كنز يملكه، ولحظاته محسوبة عليه، وكل لحظة تمر معمورة بعمل مفيد، فقد أخذ حظه منها وربحها، وكل لحظة تمر فارغة فقد غبن حظه منها وخسرها، وكذلك بدنه فهو أنفس آلة عنده، وإنما فائدة الآلة بالعمل، فإذا كانت عمل فهو في ربح وزيادة، وإذا كانت في بطالة فهو في نقص وخسران، فالرشيد الرشيد هو من أحسن استعمال ذلك الكنز الثمين، وتلك الآلة العظيمة، فعمر وقته بالأعمال ودوام على استعمال ذاته فيها فربحهما، والسفيه السفيه من أساء التصرف فيهما فأخلى وقته من العمل، وعطل ذاته عن الشغل فخسرهما”2.
المثير للأسى والحزن أن كل الناس على اختلاف شرائحهم وطبقاتهم يحافظون على المال وعلى غير المال من المكاسب المختلفة على اختلاف نوعها وفائدتها، مع إمكان تعويضها إذا نفذت بطريق من طرق التعويض، ولكن الوقت عندهم رخيص تافه ينفقون منه بلا حساب في الملاهي والمقاهي والشوارع، وفي مختلف الأمكنة، فكأنه عندهم عدو ألد الخصام والنزاع، ومن ثم وجب التملص منه، مع أنه أنفس شيء في وجود الإنسان هو عمره وحياته، ورأس ماله، فإذا ضاعت منه لحظات بلا مردود إلى الأبد وليس له أية وسيلة لتعويضها بشراء أو هبة أو ميراث.
وهناك أناس عرفوا قيمة الوقت فاستغلوه بحق حتى أن منهم من أراد أن يعرف مقدار الوقت الذي يضيعه على المائدة وهو يتناول طعام الغداء أو العشاء، فقرر أن يكتب بين لقمة وأخرى، فبعد خمس وعشرين سنة أتم تأليف كتاب في خمسمائة صفحة، وبذلك أدرك في جلاء وعمق كم يضيع الإنسان من الوقت في عمره بلا جدوى.
وفي كتاب “صيد الخاطر” للإمام عبد الرحمن بن الجوزي أن داوود الطائي كان يستف الفتيت ويقول: بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية 3.
نفس الكتاب، قال ابن الجوزي رحمه الله: “اعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، فإن في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له بها نخلة في الجنة].
إن الذي لاشك فيه هو أن أشهر رجال العالم الذين امتازوا في عالم التاريخ الماضي والحاضر بالعلم والعرفان، والتفرق في مجال ما من مجالات الحياة كانوا يعرفون قيمة الوقت ويستغلونه، ومن ثم تقدموا، وآخرون واقفون، وسائرون والآخرون متأخرون.
فمن أراد العلا فليعرف قيمة الوقت، وليحافظ عليه، وليغرس فيه ما يجنيه غنا ثمارا طيبة، فطوبى لأهل النهى العاملين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: رواه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
2: الشهاب، ج2، 27 غرة شوال 1349هـ، مارس 1931م.
3: ص480