الاستهانة بالغلطة الصغيرة سبب السقوط في الخطيئة الكبيرة
الشيخ محمد مكركب أبران/
تعالوا لنبدأ من هذا المثل المتداول على ألسنة العامة، وفيه تلك العبرة العظيمة الهامة في مجال موضوعنا هذا. وهو قولهم:{لو نهتني أمي عن الإبرة ما كنت حديث الناس في هذه العبرة} ويُحْكى عن مورد المثل أن طفلا سرق إبرة، وجاء بها إلى أمه فلم تنهه عنها، ثم تمادى في الانحراف حتى صار مع قطاع الطرق الحرابيين وألقي عليه القبض، فلما حكم عليه بالقتل قصاصا، وصار الناس يتحدثون عنه باللوم والتوبيخ والذم والتقبيح لأفعاله الشنيعة، حينها تذكر الإبرة وقال قولته تلك، التي لم تنفعه بعد أن فات الأوان، ووقع في مصيدة الشيطان.
وفي المقال أربع كلمات:
والأولى للآباء والأمهات، لعلنا ننتفع من الآيات المحكمات. ونقول لإخواننا وأخواتنا هل عملتم بوصية النبي عليه الصلاة والسلام، أم مازلتم تظنون أن الله تعالى لا يحاسب الوالدين على الأولاد!! أو تظنون أن واجب الوالدين في إطعام الأولاد وكفايتهم من اللباس والدواء!! قال النبي صلى الله عليه وسلم:[مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ](أبو داود:495). ما هو الواجب في العمل بهذه الوصية النبوية؟
1 ـ أن نعلم أولادنا البنين والبنات بدءا من السن السادسة من أعمارهم، نعلمهم الوضوء، وعندما نعلمه الوضوء. ونعلمه حسن الهندام، من شب على شيء شاب عليه، وفي الحديث:[وشاب نشأ في عبادة الله] الولد الذي يلبس السروال الممزق على رجليه، أو هو يمزقه بإرادته كمجنون فقد عقله، أو كبهلول غاب عنه وليه، هذا الشاب إذا كبر وأَلِفَ التمزيق يسهل عليه أن يمز أسرة أو يمزق مجتمعا، والسبب سكوت الوالدين، والمعلمين، وكل المجتمع، وكان كسكوت من سكتت عن {الإبرة}!! السراويل الممزقة البهدلية، والحلاقة القزعية، وتبرج البنات يحسبها بعض الآباء والأمهات أنها هينة، وهي غلطات، وسقطات، وانزلاقات. والاستهانة بالغلطة الصغيرة سبب السقوط في الخطيئات الكبيرة. من ترك ولده يلبس السروال الممزق، أو يحلق رأسه بالقزع المشين، يكون كمن يدفع أولاده إلى التقليد والانحراف، أو يرضى بسقوطهم وتخلف وطنهم. أيها الآباء والأمهات اقرؤوا هذا الحديث، واعلموا أنكم مسؤولون عن أولادكم إن تركتموهم يقلدون الأجانب في الحلاقة الهرطقية، ومن الحلاقة الهرطقية إلى الحالقة الشيطانية، والسلوكات الساذجة، والعادات المستوردة المارجة، وتركتم البنات في تقليد المتبرجات والمتسكعات والمترجلات، حتى يصرن من المائلات المميلات. عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:[لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ] (البخاري:3456). ومعنى لتتبعن (سنن) أي لتتبعن سبل ومناهج وعادات اليهود المغضوب عليهم، والنصارى الضالين. لتتبعونهم (شبرا بشبر) كناية عن شدة الموافقة لهم في عاداتهم رغم ما فيها من سوء وشر ومعصية. ومُصِيبَةُ المقلدين في جهلهم وغبائهم، رأوا شباب اليهود يمزقون سراويلهم فمزقوا كما يمزقون، ورأوهم قزعوا رؤوسهم فقزعوا، ورأوهم كتبوا على صدورهم وظهورهم ماركات وشعارات لا يعلمون معناها، يحملون كتابات أجنبية، حتى في ألبسة الصغار، وهم لا يعلمون مدى الخسارة في ذلك، وما فيها من المذمة والعار.
2 ـ نعلم أولادنا الصلاة، ثم الصلاة، ثم الصلاة. منذ سبع سنين من عمر الولد، يبدأ الابن الصلاة، وكذلك البنت، ولا نسمح له بترك وقت بعد السن العاشرة.
3 ـ نعلم أولادنا القيم والآداب جاء في الأثر: [ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن] ومن القيم نعلمه التحية، والاحترام. وفي الحديث.أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال:[تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف](البخاري:12).
والتحية عند المسلمين: السلام عليكم ورحمة الله. لَمَّا خلق الله عز وجل آدم قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة، فاستمع ما يجيبونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال: فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله. قال لقمان لابنه وهو يعظه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾(لقمان:17/18).
من الخطيئات الكبيرة التي يسقط فيها الشباب الذين لاينالون التوجيه الكامل في التربية والرعاية والتقويم، من طرف الوالدين. خطيئة أو مصيبة المخدرات، ومنها ينتقل المنحرف إلى الحرابة ونشر الفساد والمنكرات، ما هو سبب (الحراقة) و(التمرد) والسلوك (الحروري) السبب هو تقصير الأسرة، والمدرسة، الأسرة لم تراقب ولم تتابع ولم ترب، والمدرسةلم تعلم القيم والآداب، والأَدْهَى والْأَمَر أن {الحسبة وهي قلب التنظيم المجتمعي} غائبة تماما. فلم يُعْمَلْ بقول الله تعالى:﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(آل عمران:104).
قلت لإخواننا الآباء وأخواتنا الأمهات، إن بعض المسائل والواجبات، عندما يُنْصحون بها تظهر لكثير منهم أنها هَيِّنَةٌ مُنْعَدمة القيمة، ولا مجال لها في الأولويات، فعند الكثير من الآباء والأمهات بالنسبة لأبنائهم المتمدرسين، وبناتهم المتمدرسات، أن الأولوية عندهم هي: المعدل في العلوم الطبيعية والرياضيات، والتفوق في الْمُقلدات. وأقول: نعم شيء جميل ومعقول أن يكون أبناؤنا متفوقين في العلوم بكل تخصصاتها وفروعها، ولكن الشيء غير المعقول وغير المقبول، هو أن ينتقل الولد من الابتدائي إلى المتوسط، وربما حتى الثانوي وهو لا يصلي، ولا يحفظ جزءا من القرآن، ولا يعرف آداب الأكل، ولا آداب السير، ولا آداب التحية والاستئذان!!! وعند بعض الآباء والأمهات من الذين لايبالون بالقيم الإيمانية والصلوات، فعندما يقرؤون في القرآن كيف كان لقمان يعلم ابنه ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ لست أدري كيف يفقهون هذه الآيات؟؟ ولست أدري كيف يتجاوبون مع هذا التعليم الحكيم في كلام الله السميع العليم؟؟
إن سبب تخلف الشعوب الإسلامية، ليس في كونهم متخلفين في العلوم التقنية، والطبيعيات، والصناعيات، وغيرها من العلوم، وإن كان تخلفهم في الصناعة خلل كبير، وعيب وتقصير، ولكن السبب الرئيس في التخلف هو سوء تربية الأولاد، سوء إعداد النشء. هو تقصير الآباء والأمهات، في التأديب والتهذيب. إن سبب مشكلات الأمة الإسلامية هو في الأزمة السياسية والاجتماعية والأخلاقية، الناتجة عن سوء التربية الأسرية، والتربية المدرسية، في مجال القيم الإيمانية والأخلاقية، قلت: وغياب هيئة الحسبة.
والأدلة على هذا كثيرة لا تعد ولا تحصى. فمنذ القرن الأول الهجري، ومشكلات المسلمين، بل والقتال بينهم ليس بسبب ضعفهم في الطب والرياضيات والتقنيات، بل نزاعهم والصراع بينهم خلل في ميزان القيم والآداب. وسنواصل البحث إن شاء الله تعالى في الكلمات الثلاث المتبقية: كلمة رسالية للمدرسة. وكلمة لأولي الأمر. وكلمة للمجتمع. في موضوع: {الاستهانة بالغلطة الصغيرة سبب السقوط في الخطيئة الكبيرة}.