2022 عــام جــديـــد.. وعام سعيد للإنسانية قاطبة على اختلاف معتقداتهم
أ. محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا/
من باب {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنينَ} وتحت شعار قوله تعلى {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} وعملا بقول الرسول-صلى الله عليه وسلم -: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة»، ولتصحيح المفاهيم المغلوطة والمسربة من قبل بعض المتطفلين على الإسلام الذين لا يحسنون إلا التحريم دون أي علم بواقع الناس مسربين بعض الفتاوى الشاذة عن حرمة «الاحتفال» بالمولد النبوي الشريف، وحرمة أي نوع من أنواع الاحتفال حتى ولو كان تذكيرا بسيرة الرسل والأنبياء عليهم السلام.
الإسلام دين الوسطية، ولقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الوسطية (جَعْلاً إلهيّا)، وليس مجرد خيار من خيارات المؤمنين بالإسلام، فقال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة:143). ونحن نلاحظ أن هذه الآية الكريمة قد جعلت الوسطية علة وسببا يترتب عليه اتخاذ الأمة الإسلامية موقع (الشهود) على العالمين، بما في هذا العالمين من أمم وشعوب وملل ورسالات وثقافات وحضارات. وذلك التعليل وثيق الصلة بمعنى (الوسطية) ومعنى (الشهود)..
بطاقة تهنئة: تفتح نافذة الإحسان بيننا وبين الآخر في أرض الهجرة:
وكما لا يخفى علينا فإن الإحسان للآخر – مهما كان هذا الآخر، مسيحيا أو يهوديا وحتى مجوسيا -من غير المحاربين طبعا – والتفكير في حاضر الأمة ومستقبلها ومصيرها، له تأثير مدهش في انشراح الصدور، والارتفاع بإنسانية الإنسان إلى الحد الذي يحس فيه أنه مسؤول عن الإنسان أينما كان هذا الإنسان… وهو ما يعلمه لنا القرآن الكريم، ويدعونا إلى الارتقاء إلى مستواه في مثل قوله تعالى:
﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾(سورة العنكبوت:69)، نعم وإن الله لمع المحسنين، مهما كانوا وحيث ما وجدوا، حتى ولو كانوا من أقوام غيرنا، وبالتالي أصبحت التهنئة بقدوم رأس السنة هجرية أو ميلادية أو غيرهما من الدعوة للتعارف، وفينا نحن من المشرفين على العمل الإسلامي من تأتيه تهنئة السنة الميلادية واليهودية وتهان أخرى خلال السنة من طرف مسؤولين أو وجهاء ملل ونحل، فكيف لا نرد التحية، لفتح نافذة بيننا وبين الآخر في المدينة الواحدة وفي بلاد الغرب، هذا ما أفتى به علماء الإسلام بما يعرف بالفقه الظرفي، كالشيخ فيصل مولوي رحمه الله لما كان في فرنسا، ومن سبقه في أوروبا، أو ما ذهب اليه العلامة الجزائري شيخنا محمود بوزوزو من تلاميذ الشيخ بن باديس، بحيث كان يوصينا باغتنام اية مناسبة من الأعياد للتعريف بربانية الإسلام وسماحته، فكان يحرضنا على اغتنام عشرات المناسبات في السنة الواحدة، خاصة في قصر الأمم المتحدة بجنيف، في كل أسبوع عيد، هذا يوم عيد الأم، وذاك عيد المرأة، وذلك عيد الشجرة، وتلك أعياد التحرر وعيد الجيران.
وفي نظر شيخنا محمود بوزوزو كل هذا يشجعنا على العمل من باب مخالطة الناس وتعريفهم بسماحة ديننا، وحتى الصبر على أذاهم أحيانا، عملا بقول الرسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».
السعودية تنهي رسميا لأول مرة الجدل بخصوص الحكم المتعلق بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم
حسم الشيخ عبد الله بن محمد المطلق، المستشار بالديوان الملكي السعودي، عضو هيئة كبار العلماء، الجدل بخصوص الحكم الديني المتعلق بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم في إطار الإجابة عن سؤال حول حكم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم عبر برنامج “سؤال على الهاتف” على “إذاعة القرآن الكريم” السعودية، قال الشيخ عبد الله بن محمد المطلق – حفظه الله-: “إذا كان الإنسان يقصد بها (بالتهنئة) مصلحة تنفعه وتنفع الدين وتنفع هذا الشخص ومن أعظم المصالح الدينية، ليهنئهم».
وأكمل الشيخ عبدالله المطلق، بجواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، مؤكداً أن هذا ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من علماء الإسلام.
وقال إنه يجوز للمسلم تهنئة غير المسلم بأعياده إذا كان يقصد من وراء ذلك تحقيق المصلحة للدين. واستشهد المطلق على صحة هذه الفتوى بقوله تعالى:﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن»، والمقصود في الحديث جميع الناس مسلمين وغير مسلمين.
عدم الخلط بين الشعيرة التعبدية والمعاملة الإنسانية:
أما شعيرة الاحتفال الديني، فلا يصح لنا الاحتفال معهم بشيء يخص معتقداتهم تحديدا، كما هو الحال بالنسبة الينا فهم لا يحتفلون معنا بأعيادنا في التذكية و المناسك، لكن تبادل التحايا و حتى تقديم الهدايا بيننا وبينهم بمناسبة أو بغير مناسبة فلا حرج فيه، بل مرغوب ومطلوب، كما هو معروف من زمان لدى جاليتنا في الغرب، وحتى في دول الخليج الذين لم يصرحوا رسميا بذلك، إلا في الدوائر الضيقة، وفيهم من ذهب على ضوء بعض الفتاوى، منعا للجدال في تحريم أو إباحة تهنئة المسيحيين، «إذا كان اعتقاد بعضنا أنها غير مشروعة فلا نهنئ، لكن لا نمنع غيرنا من التهنئة بما أنّ هناك فتوى مختلفة عما نعتقد»، ليتم غلق باب هذا الموضوع لعدم وجود جدوى من الخوض فيه.
علماء الأزهر يقرون بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم شريطة ألاّ تكون بألفاظ تتعارض مع العقيدة الإسلامية
وفى أحدث فتاواها، أكدت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، شريطة ألا تكون بألفاظ تتعارض مع العقيدة الإسلامية، وجاء في الفتوى أن هذا الفعل يندرج تحت باب الإحسان الذى أمرنا الله عز وجل به مع الناس جميعا دون تفريق، مذكرة بقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ وقوله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾.
وقالت أمانة الفتوى إن أهم مستند اتكأت عليه هو النص القرآني الصريح الذى يؤكد أن الله تبارك وتعالى لم ينهَنا عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر، وهو قوله تعالى:
﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾. وقالت إن الإهداء وقبول الهدية من غير المسلم جائز أيضاً، مؤكدة أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم – كان يقبل الهدايا من غير المسلمين؛ حيث ورد عن على بن أبى طالب -رضى الله عنه – قال: «أهدى كسرى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم – فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل، وأهدت له الملوك فقبل منها»، وزادت الفتوى أن علماء الإسلام قد فهموا من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مشروعة أو مستحبة لأنها من باب الإحسان؛ وإنما لأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية: القواعد الشرعية تقول إنّ الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، والمشاركة في التهنئة بعيد الميلاد لا تمس عقيدة المسلمين من قريب أاو بعيد بل هي من باب البر والإحسان إلى شركاء الانسانية الذى نادى به الإسلام.
بينما يصف الدكتور عبد المعطى بيومي عميد كلية اصول الدين السابق تلك الفتاوى المتشددة بأنها لغو لا يستحق الوقوف عنده ويقول: تلك التهنئة واجبة لشركاء الوطن، ويدلل على رأيه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الوفود غير الاسلامية بالروضة الشريفة، ويرحب بهم ويسمح لهم بالصلاة في المسجد النبوي، وكان ـ صلى الله علية وسلم يقول «أنا أولى بعيسى ليس بيني وبينه نبي».
ويؤكد الدكتور عبد الشافي محمد عبد اللطيف أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر أنّ تهنئة الإخوة المسيحيين في أعيادهم واجب ديني عند المسلمين، ومن أفتوا بغير ذلك أساءوا الى الاسلام، مذكراً أنّ الرسول ـصلى الله عليه وسلم ـ استعان في هجرته بعبدالله بن أريقط ولم يكن مسلما وتزوج من مارية القبطية وكان يتعامل مع اليهود والنصارى، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قام واقفاً عندما رأى جنازة فقال له بعض الصحابة. لماذا تقف إنها ليهودي؟ فقال -صلى الله عليه وسلم: أليست نفساً؟! كما جاء في الصحاح.
فهل يجوز تجاهل مشاعر الجار والزميل ورئيس العمل إلى آخر هذه العلاقات التي تربط البشر بعضهم ببعض، بل إن الأمر سوف ينسحب في هذه الحالة على بعض الأسر التي تكون فيها الزوجة مسيحية، والتهنئة إذن ومشاركة غير المسلمين في أعيادهم الدينية جائزة تماما بل وضرورية للحفاظ على وحدة المجتمعات وتماسكها، وعدم انتشار الفتن ومشاعر التعصب والكراهية، حقيقة الأمر، أن المسلمين قد تركوا جوهر الدين ليتفرغوا للقشور، وهو ما عاد علينا بالواقع الذى نحياه الآن وبالصورة التي نعانى منها جميعنا. فكلمة «عيدكم سعيد» أو «كل عام وأنتم بخير» لا تعنى أو تشير من قريب أو بعيد إلى الإعلان عن اعتناق الدين الآخر وممارسة طقوسه، ولكن الأمر بات وكأن المسلمين لا هم لهم سوى طرح المزيد من الإشكاليات الفرعية بدلا من الاهتمام بشئون دينهم والقيام عليها.
الاتحاد العالمي يشرع التهنئة لغير المسلمين بأعيادهم، على أنها من البر الذى لم ينه الإسلام عنه
كما أجاز الدكتور يوسف القرضاوي الرئيس الأسبق لاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، على أساس أنها من «البر الذى لم ينه الإسلام عنه»، وقال الامام القرضاوي، في إحدى فتاويه: «بمناسبة احتفالات المسيحيين بأعياد رأس السنة الميلادية، أجيز تهنئتهم إذا كانوا مسالمين للمسلمين، وخصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران في المسكن، والزملاء في الدراسة، والرفقاء في العمل»، مشيرا إلى أنّ مراعاة تغير الأوضاع العالمية والحرص على تبنى فقه التيسير، هو الذى جعله يخالف شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في تحريمه تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم.
واعتبر الشيخ القرضاوي -في فتوى سابقة – أن التهنئة من البر الذى لم ينهنا الله عنه، بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم، مستشهدا بقوله تعالي: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ لا سيما إذا كانوا هم يهنئون المسلمين بأعيادهم، والله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» (النساء:68). وأوضح أنه «يجب أن نراعى مقاصد الشارع الحكيم، وننظر إلى النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية، ونربط النصوص بعضها ببعض، وها هو القرآن يقول: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ «فهذا هو الأصل، وهو الدستور»، وما عدا ذلك فلا يعد غباء بل تنطع و جهل بالدين وواقع الناس..
وهذه المعاني كلها يلخصها قول النبي (ص): (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ. قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ..)، وهذا الحديث يبين قضيتين هامتين في أصل الإيمان بالأنبياء الذي هو أحد أركان الإيمان الستة.. و الله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وكل عام والأمة السلامية والإنسانية قاطبة بألف ألف خير.