هل يمكن القول إن الولايات المتحدة أصبحت معزولة؟/د. عمار طالبي
هذا التصرف الأمريكي في إعطاء الحق للصهاينة أن تكون القدس عاصمة لهم زاده غطرسة تهديد الدول التي توافق في الأمم المتحدة على عدم قانونية ولا شرعية هذا القانون.
فكيف يمكن لدولة عظمى أن تهدد غيرها من الدول بتسجيل أسمائها لمعاقبتها ومنع ما كانت تمنحه من مساعدات لبعض الدول الصغيرة الضعيفة بهذه الطريقة المهينة كأن هذه الدول تلاميذ يعاقبون إذا لم يستجيبوا لرغبة معلمهم أو قطيع من الغنم تشير إليه بعصاها، ليتبع أوامرها.
إن هذه الدول ذاتها استاءت من هذه الدبلوماسية المتهورة المحقترة لسيادتها جهارا نهارا، كما أثارت استياء الدول الأخرى لهذا التصرف الذي لم يأخذ في الاعتبار الذوق الدبلوماسي، والسياسة التي تحترم سيادة غيرها، وكانت سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن تهدد تبعا لرئيسها أنها تسجل أسماء الدول التي تتمرد على سياستها وتقدمها للرئيس، فهذا الرئيس يعتقد أنه يشتري الضمائر بشيء من الدولارات، وهو الذي همه الأكبر الحصول عليها مهددا دول الخليج أنه لا يدافع عنها إلا إذا أغدقت عليه أموالا ترضيه، وتشبع شهوته الفائقة إلى الأموال، ونسي أنه رئيس دولة ينبغي لها أن تحترم العلاقات الدولية، والدبلوماسية الناعمة المرنة، ولكن يبدو أنه اغتر بعظمة إمبراطوريته، التي لم تنفك تشن الحروب، وتوقد نيران النزاع، وتهدد السلام العالمي، مستجيبة لطمع الصهاينة وضغوطهم ماليا وانتخابيا، والخضوع للمسيحية الصهيونية من الأصوليين المسيحيين، ولم تأخذ بعين الاعتبار المسيحيين في فلسطين المحتلة، وهم عرب من أصول الكنعانيين العرب، واليبوسيين الذين هم السكان الأصليون لهذا الوطن قبل الميلاد بآلاف السنين.
إن الذي يدفع كثيرا من رؤساء أمريكا إلى تأييد الصهاينة هم الأصوليون الكنسيون المتحالفون مع الصهاينة، يدفعون لهم الأموال، ويعقدون معهم المؤتمرات، ويستعملون مختلف وسائل الإعلام والرشوة لشراء ذمم هؤلاء الرؤساء والكونغرس، وأن الذي تراه بجانب ترامب وهو نائبه من أكبر الأصوليين من المسيحيين المتصهين، ويعتبر هؤلاء أنفسهم المدافعين عن المسيحية في العالم ويقدمون تقارير كل عام عن وضع النصارى وموقف المجتمعات والدول منهم، وكأنهم حماة هؤلاء، ولا شك في أن أمريكا ما تزال تتعصب للمسيحية بالرغم من ادعائها أنها لا تفرق بين دين وآخر، وأنها تتعايش مع كل الديانات.
ويأتي رئيسها الجديد فيقرر منع المسلمين من دخول أراضي الولايات المتحدة، فهب قضاة أحرار لنقض قانونه، والإطاحة به.
فأين القيم التي تنادي بها ومن جملتها الديمقراطية وما تجنده من مؤسسات لنشر الديمقراطية في العالم والدعوة إليها.
إنها خدعة لا تصدق بعد الآن لما أخذت تناقض هذه الدعوى، وتمنع أن تعبر الدول عن اختيارها في مجلس الأمم المتحدة في قضية القانون الجائر، الذي أصدره رئيس هذه الدولة الديمقراطية العظمى في هذا العالم الذي ملأته حروبا وظلما في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها من قهر الشعوب ومنها الشعب الفلسطيني الذي تهدده بمنع مقر منظمة التحرير من نيويورك.
وتضغط كل هذه السنين على الفلسطينيين وتعبث بالمفاوضات، ربحا للوقت لترك المجال للصهاينة في بناء المستوطنات، ونهب الأراضي، والعدوان على المسجد الأقصى، ومنع المصلين من الصلاة فيه منعا شنيعا لعبادة هؤلاء في هذا المسجد لله، وأداء واجبهم الديني، بجند وشرطة مدججين بالسلاح يعتدون على النساء والشيوخ، ويمنعون الشباب من دخول هذا المسجد قصرا وظلما.
فأين هذه الديمقراطية في السياسة الصهيونية والممارسات الأمريكية؟
إننا نعيش الأكاذيب، والتناقضات، وفقدان معنى الإنسانية ومعنى القيم الأخلاقية.
إنها المصالح، والأموال، وشن الحروب لكي يبيعون السلاح، ويسلبون الأموال، وهذا هو الهم الأساسي لهذا الرئيس، وشغله الشاغل ليخفف الضرائب في أمريكا، وينهبها من العرب خاصة مجانا وهو يهينهم صراحة، وينصر أعداءهم عليهم، ويبدو أن بعضهم راض تمام الرضا تقربا وزلفى من آلهة المال والمظالم وتذللا لهم لعلهم أن يرضوا عنهم ويدافعوا عن عروشهم إنها إهانة ما بعدها إهانة، واحتقار وذل ما بعده ذل!