نحو انخراط أنيق في خدمة المجتمع التأهيل الأسري كمشروع اجتماعي للجمعية/ حسن خليفة
تنشر صفحة ا لجمعية على الفايس بوك ، بين وقت وآخر إعلانات عن دورات في الشؤون الأسرية تحت مُسمّى “التأهيل الأسري”، مما تقوم به بعض الشعب والفضاءات التابعة لجمعية العلماء. وفي المدة الأخيرة نشرت خبرا عن إطلاق منتدى (نادي) ولائي تابع لشعبة من الشعب الولائية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين (قسنطينة) باسم “نادي الأنوار للإبداع الأسري”، وقد تأملت الخبر وسألتُ فوجدت الأمر في غاية الأهمية من حيث وجوب الاهتمام بهذا الأمر الجلل والخطير من قبل الجمعية ومن جميع شُعبها وفروعها؛ لأن مسألة التأهيل الأسري، بكل ما يحمله هذا العنوان من دلالات ومعان له كبير الأثر فيما ترمي إليه الجمعية من صلاح وإصلاح واستقامة وهدى.
والشأن بالنسبة للأسرة في وطننا أكبر ما يكون احتياجا إلى العمل والتدبير والتأهيل والعناية والإرشاد؛ فإن الأرقام مخيفة في هذا المجال عن:
- الطلاق والخُلع في المدة الأخيرة، والأرقام المعلنة مخيفة حقا، وتنذر بتفسّخ مجتمعي رهيب في المستقبل.
- الفهم السقيم لحقيقة الزواج وبناء الأسرة ؛ واقتصاره على سطحيات وشكليات سرعان ما تصطدم بواقع الحياة الصعب المتقلّب الذي لا تحكمه ضوابط الدين والمسؤولية والواجبات والحقوق.
- النزاعات الأسرية والعائلية التي لا يجد الكثير من الأئمة الطريق إلى إصلاحها فتصل إلى المحاكم وتتفاقم العداوات ويكبر النفور وتبعد الشقة بين الأقارب والأهل.
- انحرافات من كل نوع لدى الكبار والصغار.
- نقص الرعاية الأسرية من الأولياء لأسباب متعددة للأبناء والبنات وتنجم عن ذلك كوارث كبيرة ومآس لا يدركها الأولياء إلا بعد وقوعها.
- الفهم الناقص المشوّه لدور وليّ الأمر (الأب) و(الأم)؛ فضلا عن الفهم السيئ لوظيفة القوامة التي تكاد تكون عندنا، في بلدنا، في الكثير من الحالات مجرد “علف “واهتمام بشأن المأكل والمشرب والملبس والتطبيب، ثم لا شيء بعد ذلك.
- تزايد المشكلات العائلية والأسرية باضطراد غريب؛ خاصة عقب وفاة الكبير؛ حيث تبرز الخلافات العميقة والاختلالات البشعة بين الأبناء إخوة وأخوات، وتبرز قضايا الميراث وما يتبع وفي بعض الأحيان تصير هذه المشكلات إلى مآس: قتل وترويع ودمار أسري وعائلي هائل.
- انعدام الحوار في المحيط الأسري والعائلي الجزائري لدرجة يبدو من الصعب معه تصنيف نوع وطبيعة العلاقات السائدة في الفضاء الأسري؛ وهذا في حدّ ذاته إشكال يحتاج إلى تخصيص الكثير من الكلام لتشخيصه والبحث عن أسباب وأساليب علاجه.
- يضاف إلى كل ذلك التأثيرات الكبيرة التي تحملها الأفكار الإفرنجية عبر برامج وسلاسل ومسلسلات ، وفقرات وكتب ولعب ومسابقات وغناء وفجور… الخ ، في زمن “انمحاء” المسافات وسقوط الحدود في هذا العالم الذي صار قرية صغيرة (إن لم نقل “دوّارا” صغيرا جدا) تتلاطمنا أمواجه الفكرية والفنية والدينية (المنحرفة) والحياتية معاشا ومعادا، ولذلك تأثيره الكبير على الناس أفرادا وأسرا وجماعات. ونصيب الأسر في هذا الشأن كبير ومدمّر؛ حيث استلم القيادة فيه مجموع الوسائل التكنولوجية الرائجة ،ومن نتائجه هذه المقتلة الرهيبة التي تمارسها الألعاب (كالحوت الأزرق) وغيره ،في غفلة من الآباء والأمهات . هذا دون الحديث عن القتل المعنوي الذي أهلك الآلاف بالفعل ويهدد عشرات الآلاف الآخرين والأخريات …وهو غيض من فيض “سموم” الإعلام بكل أنواعه، ومنه الإعلام الجديد الذي أحكم قبضته وصار التعلّق به (هواتف وحواسيب وسواها) أمرا يدركه كل أحد. ويبدو مشكلة حقيقية بلا حلّ حقيقي.
كل ذلك وغيره يجعل الاهتمام بأمر هذا الحقل الحسّاس الأسرة من خلال برامج وخطط وأعمال وأفكار، وفعاليات ودورات، أمرا عاجلا وذا أولوية ،إن لم نقل الأولوية القصوى ؛ خاصة بالنسبة لجمعية كجمعية ا لعلماء المسلمين الجزائريين التي هي مظلة وارفة الظلال وسعة جامعة لكل الجزائريين والجزائريات، وميدان عملها الأساسي الأصيل هو: الإصلاح والتهذيب والدعوة والإرشاد، وتلك الألفاظ ذات دلالات حاملة لمعنى ومفهوم “التأهيل” بالمعنى الحقيقي له وهو : العمل على إيجاد الوسائل المناسبة لإدماج الفرد والأسرة في الحياة بشكل إيجابي، وإيصالهما إلى الاستقرار والتوازن من خلال عمليات منظمة وجهود منضبطة وبرامج منهجية وأنشطة متعددة متكاملة.
وحيث إن مدى هذه السطور لا ينبغي أن يزيد عن المساحة ا لمحددة فإنني أريد التأكيد على أهمية الانخراط الكلّي لأبناء وبنات الجمعية في هذا العمل المخصوص (التأهيل) وإدراجه ضمن أولوياتنا في المرحلة الحالية والمقبلة ،وأقترح بعض ما يبدو لي مهما وممكن التحقيق :
أـ إصدار المطويات والكتيبات التثقيفية الموجهة للأولياء.
ب ـ أقامة أمسيات تحسيسية وتعريفية بأهمية هذا الشأن ودوره في الاستقرار .
ج ـ تكوين جهاز تدخل علمي (علم النفس ـ الإرشاد النفسي والاجتماعي ) يكون عمله في الحالات الأسرية المعقدة والصعبة، يتكون من مختصين ومختصات ومتخصصين ومتخصصات إلى جانب الأئمة والدعاة والمرشدات الذين هم “القلب النابض” لهذا العمل الجليل .
د ـ التعاون الوثيق بين الجمعية – من خلال لجان الأسرة والمرأة والطفولة – وغيرها من الهيئات ذات الصلة كمجالس الصلح الموجودة في بعض الشعب ، أو في مديريات الشؤون الدينية والأوقاف.
هـ التعاون الوثيق أيضا مع مديريات التضامن الولائية ، والتنسيق معها ومع مصالح أخرى كالشرطة والدرك لمعرفة المعطيات ودراستها وتحليلها والتحرّك بناء عليها ورسم البرامج اللازمة .
و ـ الاهتمام بالأمسيات الخاصة بالأبناء في المؤسسات التربوية في مجالات نفسية وعاطفية واجتماعية ، فالتحسيس له دوره الكبير في مجال الوقاية .
ز ـ إقامة دورات متخصصة في المجالات ذات الأهمية والمطلوبة كثيرا ، في التأهيل الزواجي والأسري، وبناء العلاقات المستقيمة والدافئة بين الأزواج وبينهم وبين أبنائهم .
ك ـ إقامة دورات وندوات مفتوحة (تفاعلية) للأولياء آباء وأمهات وتحفيزهم على الكلام والتعبير عن مشاعرهم والإفصاح عن المشكلات التي يعانون منها بالقدر المناسب الذي يسمح باقتحام تلك المشكلات في الأوان المناسب .
ل ـ إقامة لقاءات متخصصة بين المعنيين من المختصين ـ فيما بينهم ـ للتشاور حول أنجع السبل لمحاربة الآفات المختلفة التي تحاصر الأسر والعائلات .
م ـ العمل على برمجة أنشطة تأهيلية ذات تأثير على مدار السنة بما يجعل غول ” الانهيار الأسري” بمختلف مظاهره يتراجع من حياتنا الدينية والاجتماعية.
وغير هذا كثير مما ينبغي الاهتمام به في حلقات نقاش علمية وبكتابات وإيضاحات ..وسنرى أن الأمر، بعد جهد وصدق وإخلاص ،يسمح بثمرات طيبات تتحقق في شكل : استقرار أسري، وانتعاش عائلي، وإيجابية ، وحياة أقرب إلى السكينة والطمأنينة والأمان والازدهار. وخلاصة القول نأمل من الجمعية شعبا وأفرادا ومتخصصين انخراطا أنيقا في هذا العمل الاجتماعي المجتمعي الرفيع بما يحقق آمال وأهداف الجمعية كجمعية رائدة في التهذيب والدعوة والإرشاد .