بعد 86 سنة مازالت جريدة البصائرترفع لواء الإصلاح
أ. عبد الحميد عبدوس/
تحل يوم الاثنين (27 ديسمبر2021) الذكرى السادسة والثمانون لتأسيس جريدة (البصائر) لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،عميدة الجرائد العربية في الجزائر.
تأسست البصائر في يوم الجمعة فاتح شوال من عام 1354هـ الموافق لـ 27 ديسمبر 1935م، وكانت هي الجريدة الرابعة في عداد الجرائد التي أصدرتها جمعية العلماء منذ تأسيسها في 5 ماي 1931، فإدراكا من قيادة جمعية العلماء المسلمين لأهمية سلاح الإعلام كأداة استراتيجية فعالة في نشر الوعي الديني والوطني في أوساط الجزائريين، والتصدي للدعاية الاستعمارية الفرنسية وأساليبها الخبيثة في التضليل والتزييف، وقلب الحقائق ونشر سموم الغزو الفكري واللغوي والديني، وكذلك لمواجهة البدع والضلالات والأباطيل الدخيلة على العقيدة الدينية وإعادة الاعتبار للحقائق الإسلامية التي تعرضت للتشويه والتحريف، أصدرت جمعية العلماء في 3 أفريل 1933 جريدة (السُّنّة المحمّدية): وهي جريدة تثقيفية تربوية، وبعد ظهور الأثر الإيجابي لرسالة الجريدة في تهذيب أخلاق وأفكار قراء الجريدة تأسيا بسيرة وسنة قائد ومؤسس الأمة الإسلامية وأسوتها الحسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سارعت الإدارة الفرنسية الغاشمة إلى توقيف الجريدة في 3 جويلية 1933، بعد صدور 13عددا منها.
لم تستسلم قيادة الجمعية للتعسف الاستعماري والقبول بالأمر الواقع والهروب من ميدان المواجهة الفكرية والإعلامية، فأصدرت جريدتها الثانية في 17 جويلية 1933 تحت عنوان: (الشّريعة المطهّرة) ولم يكن حظها في الاستمرار والانتشار بأفضل من سابقتها (السّنّة المحمّدية)، فقد أوقفتها السّلطة الفرنسية الاستعمارية يوم 28 أغسطس 1933، أي بعدما صدر منها سبعة أعداد فقط.
استمر العزم والتصميم من طرف قيادة الجمعية على إسماع صوت الحق وضمان منبر إعلامي حر للحركة الإصلاحية الجزائرية فأصدرت في 11 سبتمبر 1933 مجلة (الصّراط السّوي) ولكن تم توقيفها يوم 08 يناير 1934، بعد صدور 17عددا منها.
ولم تكتف الإدارة الاستعمارية بعمليات الغلق التعسفي لجرائد الجمعية، ولكنها قطعت الطريق أمام الجمعية عبر إصدار تعليمة من طرف مدير الشؤون الأهلية في الجزائر جان ميرانت تمنع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من إصدار أية مطبوعة تعبر عن خطها الفكري الإصلاحي. لقد تولى جان ميرانت منصب مديرالشؤون الأهلية في سنة 1920 واستمرفي منصبه لمدة 15 سنة كاملةإلى سنة 1935، وفي عهده قام الحاكم العام للجزائر كارد CARD بمحاولة تمزيق وحدة الصف في جمعية العلماء وتشجيع بعض العناصر الموالية للإدارة الفرنسية على إنشاء جمعية أخرى مضادة أطلق عليها اسم جمعية علماء السنة الجزائريين، وعندما فشلت هذه الجمعية في مهمتها تم حلها في نوفمبر1935.
وبعد مغادرة جان ميرانت منصبه على رأس مديرية الشؤون الأهلية وتولي لويس ميو منصب مدير الشؤون الأهلية، قام في سنة 1935 باستقبال وفد من جمعية العلماء المسلمين بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس وعضوية الشيخ الإبراهيمي والشيخ الطيب العقبي ومنحهم رخصة إصدار جريدة البصائر التي صدر عددها الأول في 27 ديسمبر 1935.
ورغم أن الأستاذ لويس ميو كان معروفا بميوله الديمقراطية، فقد كان أستاذا في القانون وعميدا لكلية الحقوق في الجزائر قبل تسلم منصب مدير الشؤون الأهلية، فقد دبر في سنة 1936 مؤامرة اغتيال مفتي الجزائرالشيخ كحول بن دالي،وألصق التهمة بجمعية العلماء المسلمين، وسجن بسب بذلك الشيخ الطيب العقبي والسيد عباس التركي، وبقي لويس ميو في إدارة الشؤون الأهلية في الجزائرمن سنة 1935 إلى 1940.
كانت جريدة البصائر أشهر جرائد جمعية العلماء وأوسعها انتشارا وأعمقها تأثيرا، وأصبحت بعد صدور أعدادها الأولى صرحا إعلاميا مشعا داخل الجزائر وخارجها، واستبشر بها القراء الجزائريون المسلمون خيرا، وافتكت منزلة رفيعة في نفوسهم، فلم تكن مجرد وسيلة إعلامية تنشر الأخبار وتقدم التحاليل والآراء وجواهر الشعر والحكمة وباقات من اللطائف والطرائف التي تمتع النفس وترقي الذوق والوعي، ولكنها كانت إضافة إلى ذلك مدرسة للوعي الوطني والتنوير الديني وكان الجزائريون يعتبرون اقتناءها والاشتراك فيها وتوزيعها عملا وطنيا ونضاليا يساهم في تعبيد طريق استعادة السيادة الوطنية ومحاربة المشاريع الاستعمارية، ولاغرابة في ذلك حيث كانت البصائر منبرا لعلماء أجلاء جمعوا بين غزارة العلم وصدق العمل والإخلاص لقضايا الشعب والوطن أمثال الشيوخ: عبد الحميد بن باديـس، ومحمد البشير الإبراهيمي، والطيب العقبـي، والمبارك الميلــي والعربــي التبسي، ومحمد خيرالدين، وأبويعلى الزواوي،ومحمد العيد آل خليفة…وغيرهم من العلماء وأصحاب الأقلام الموهوبة.
صدرت أربع سلاسل من جريدة البصائر،فسلسلتها الأولى صدرت من 1935 إلى سبتمبر1939 (عشية الحرب العالمية الثانية)ـ صدرت في البداية في مدينة الجزائر حتى العدد 83، تحت رئاسة الشيخ الطيب العقبي، ولما انسحب الشيخ العقبي من الهيئة المديرة للجمعية انتقلت الجريدة إلى قسنطينة تحت رئاسة الشيخ مبارك الميلي الذي أشرف على صدورها من العدد 84 إلى العدد 180.
أما السلسلة الثانية فتواصل صدورها من جويلية 1947 إلى شهر أفريل 1956، وكانت تصدر من مدينة الجزائر، وكان رئيسها الإمام محمد البشير الإبراهيمي – قبل سفره إلى المشرق – ويشرف عليها إشرافا كاملا،يساعده كل من الشيوخ: العربي التبسي، وحمزة بكوشة، وباعزيز بن عمر (الفتى الزواوي)، وأحمد سحنون.
وكانت السلسلة الثالثة أقصر فترات البصائر عمرا حيث صدرت في ظروف الأزمة الأمنية والسياسية التي خيمت على الجزائر بعد توقيف المسار الانتخابي، واستمر صدورها من أوت 1992 إلى ماي 1993 وكان يشرف عليها الشيخ أحمد حماني والشيخ عبد الرحمن شيبان، ومن أبرز كتابها الشيخ سليمان بشنون والشيخ علي مغربي والأستاذ مولود طياب والاستاذ أحمد شقار الثعالبي.
أما السلسلة الرابعة التي مازالت متواصلة في الصدور إلى اليوم، فهي أطول مراحل البصائرعمرا، صدرعددها الأول في 20 ماي 2000 (في الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل الرئيس الثاني لجمعية العلماء ورئيس تحرير البصائر العلامة محمد البشير الإبراهيمي)، وقد أشرف عليها الشيخ عبد الرحمن شيبان من ماي 2000 إلى أوت2011 تاريخ رحيله إلى دار البقاء، وكان رئيس تحريرها هو الدكتور عبد الرزاق قسوم، وينوبه الأستاذ محمد الهادي الحسني، وكان مدير التحرير الأستاذ عبد الحميد عبدوس (من ماي 2000 إلى جانفي 2014) وسكرتير التحرير الدكتور محمد موسى بابا عمي، وكانت الاستاذة وداد طالب صحفية متفرغة في البصائر، وتولى الإشراف التقني والإخراج الفني الأستاذ مصطفى كروش بمساعدة الأستاذ اسماعيل سلمان، والمصحح اللّغوي الشيخ عبد الواحد بوعناني، والمراجع اللغوي الدكتور فريد مليت، ثم التحق بهيئة التحرير الدكتور محمد الدراجي، والدكتور عمار طالبي، والشيخ محمد الاكحل شرفاء، والشيخ عمار مطاطلة، والدكتور سعيد شيبان، والدكتور محمد بن سمينة، والدكتور عبد القادر فضيل، والدكتور عبد الحليم قابة، والأستاذ عبد القادر قلاتي، والأستاذ الاديب رشيد وزاني، والاستاذ زبير طوالبي، المراسل الصحفي الاستاذ سعدي بزيان، والأستاذ التهامي مجوري، والشيخ كمال بوسنة، والأستاذ محمد العلمي السائحي، والأستاذ طارق بن شين، والدكتور حسن خليفة، والأستاذ حسن أكيلال، والأستاذ ابراهيم قمور، والدكتور عبد الحليم بورديم، والدكتور محمد الأمين شيبان، والأستاذ الصادق سلايمية، والأستاذ عبد الكريم ليشاني، والاستاذ حسين لقرع، والأستاذ نوفل عبدوس، والمراسل الصحفي الدكتور مصطفى حابس، والاستاذ قدور قرناش، والأستاذة عفاف عنيبة، والاستاذة آمال السائحي (مع الاعتذار لكل من لم تسعفني الذاكرة في استحضار أسمائهم دون أن يقلل هذا السهو غير المقصود من قيمة مساهماتهم وأهمية دورهم في توصيل رسالة البصائر)، وتولى الدكتور عبد الرزاق قسوم إدارة البصائر والإشراف المباشر عليها من سنة 2011 إلى اليوم، وأصبح مدير تحريرها الأستاذ ياسين مبروكي ومساهمة الصحفية فاطمة طاهي، ومن الكتاب الدائمين في البصائر كوكبة من العلماء والأكاديميين والإعلاميين منهم، الكاتب الكبير الشيخ محمد الصالح الصديق، والشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة، وزير الشؤون الدينية والأوقاف الفلسطيني سابقا وخطيب المسجد الأقصى المبارك، والدكتور مولود عويمر، والشيخ الدكتور المؤرخ الليبي علي محمد الصلابي ،والشيخ محمد مكركب، والدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة، والشيخ نور الدين رزيق، والأستاذ عبد العزيز كحيل. والدكتور محمد قماري، والدكتور ابراهيم نويري، والاستاذ مداني هديبي… ومازالت البصائر تؤدي رسالتها الإعلامية ونشر قيم الإصلاح والبناء الحضاري باقتدار ووعي، وتواصل رغم الصعوبات المادية وشح المادة الإشهارية وصعوبات التوزيع، حمل المشعل في الدفاع عن قضايا الوطن وثوابت الأمة بأقلام جيل من الإعلاميين والكتاب والمثقفين يعتبرون خير خلف لخير سلف.