المركز الجامعي عبد الله مرسلي -تيبازة-/ندوة جامعية حول “الـمقاومـة اللغوية لجمعية العلماء الـمسلمين لوقف لغة الاستعمار”
تغطيـــة : يــاسيــن مبــروكـي/
نظم يوم 8 جمادى الأولى 1443هـ الموافق لـ 13 ديسمبر2021، مخبر الممارسات الثقافية والتعليمية والتعلمية في الجزائر بالمركز الجامعي عبد الله مرسلي تيبازة ندوة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية بعنوان “المقاومة اللغوية لجمعية العلماء المسلمين لوقف لغة الاستعمار” من تنشيط الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و الأستاذ محمد الهادي الحسني عضو الهيئة الاستشارية العليا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبحضور مدير المركز الدكتور محمد يونسي و نواب المدير إضافة الى مدراء الـمعاهد وأساتذة معهد الأدب العربي، و عرفت الندوة حضورا كثيفا لطلبة الدكتوراه تخصص الأدب العربي بمختلف تخصصاته.
وبالذكر الحكيم والآي المبين انطلقت أشغال الندوة بتلاوة عطرة من الأستاذ نزاي اسماعيل، تلاها الاستماع للنشيد الوطني الجزائري ثم كلمة الترحيب والافتتاح لمدير المركز الجامعي الدكتور محمد يونسي الذي رحب بالضيوف والأساتذة المحاضرين وطاقم التكوين في معهد الأدب العربي وطلبة الدكتوراه في ذات المعهد، وهذا نص الكلمة التي ألقاها بالمناسبة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد سادتي الأفاضل : الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الأستاذ الفاضل الهادي الحسني السادة مدراء المعاهد وجميع المسؤولين والموظفين في جامعتنا الفتية، طلبتنا الأعزاء السادة الحضور. حللتم أهلا ونزلتم سهلا . طبتم وطاب ممشاكم. مرحبا بكم في هذا الصرح العلمي الفتي. مرحبا بكم بالمركز الجامعي مرسلي عبد الله بتيبازة، نشكركم جميعا على تلبية الدعوة والمشاركة في هذه الاحتفالية الخاصة باليوم العالمي للغة العربية، والذي يوافق يوم 18 ديسمبر من كل عام.
سادتي الكرام… جاء الاستقلال واستمرت الجهود الحثيثة في عملية التعريب، وتم تحقيق الكثير من النجاحات، لكن التحديات والعوائق لم تكن سهلة، بفعل الموروث الثقافي واللغوي الاستعماري الذي خلفته فرنسا وراءها… وكان ولا يزال التحدي الأكبر للنخب الثقافية الجزائرية وعلى رأسها النخب الجامعية؛ هو تعريب التعليم واستعادة اللغة العربية مكانتها في مقاعد العلم. واليوم وفي عصر العولمة والتكنولوجيات الحديثة، تواجه اللغة العربية تحديات كبيرة تهدد قدرتها التنافسية مع اللغات الحية الأخرى، وبدرجة أكبر اللغة الانجليزية، والتي أزاحت الكثير من اللغات وأضحت اللغة الأولى في العالم. تحد يفرض على أهل العربية أن يستيقظوا من سباتهم ويحملوا راية النهوض بلغة القرآن، لأن مستقبلنا الثقافي والعلمي مرتبط بقضية تعريب العلم والتعليم، والسعي المتواصل نحو بناء مجتمع معرفة باللغة العربية، فلا يعقل أن نخوض مجالات العلم الحديث ونواكب تقنياته وننعم بمنجزاته، وتبقى لغتنا غريبة عن أجواء العلم وتقنياته وإبداعه. لقد آن أن تصبح اللغة العلمية جزءا من حياتنا اليومية في المدرسة والجامعة والبيت والمصنع والحقل، والشارع وأن تغدو الثقافة العلمية جزءا من ثقافة الصانع والزارع والطالب والمعلم والصحافي والأديب وصاحب الاختصاص الرياضي أو الفني، فالرهان الأكبر اليوم مع هذا الانفجار المعرفي والتكنولوجي الرهيب والمتسارع، هو توطين المعرفة الحاسوبية في بيئة عربية خالصة، وهذه هي أولى خطوات بناء مجتمع المعرفة المنشود، ويعتقد الكثير من العلماء والباحثين أن تعريب الحاسوب قضية مصيرية في الصراع الثقافي واللغوي المحتدم في العالم، وهو ليس بالأمر المستحيل أو المعجز، فاللغة التي حوت کلام خالق البشر لا تعجز عن احتواء ما أنتجه البشر. وها هي ذي اللغة العربية ترد على كل ناكر وجحود، ومشكك في قدرتها وحقود. قائلة:
وسعت كتاب الله لفظا وغاية وما ضقت من آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صفاتي
في الأخير أقول أن مستقبل اللغة العربية بيد أبنائها ونخبها الجامعية، بما ينتجونه من علم ومعرفة وثقافة ينافسون بها ثقافة الأمم الأخرى، تبقيهم في دائرة التنافس الحضاري العالمي.
في الأخير أجدد ترحيبي بالأستاذين الفاضلين: الأستاذ عبد الرزاق قسوم والأستاذ الهادي الحسني وأشكرهما على تشريفها لنا بالحضور لتقديم مداخلتيهما، كما أشكر كل من ساهم في تنظيم وإحياء هذه المناسبة، متمنيا لكم جميعا التوفيق والسداد.
وفي كلمة له بالمناسبة ذكر مدير معهد الآداب واللغات بالمركز الجامعي مرسلي عبد الله ــ تيبازة، الأستاذ يوسف مقران، الأهمية التي تكتسيها هذه الندوات العلمية بالنسبة لطلبة الدكتوراه مبرزا القيمة العلمية التي يتميز بها ضيوف الندوة ورمزية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وتاريخها الحافل في سبيل محاربة الأمية والمعتقدات التي غرسها في ذاك الوقت وهذا نص مداخلته: ِسم الله الرَّحمَن الرَّحيم وبه نستعين، والصَّلاة والسّلام على أشرَف المرسَلين ونبيِّه الأمين، سيِّدنا محمّد وعلى آله وسلَّم؛ أمّا بعد؛ أيها الحُضور الكريم، السّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، سِّدي مدير المركز الجامعي، سيدي نائب المدير للبحث العلمي وما بعد التدرج والعلاقات الخارجية، السيدة نائب المدير للتدرج والشهادات، السّادة مديرو المعاهد،السّادة والسيدات نواب المديرين ورؤساء الأقسام، الأسرة الإعلامية الراشدة وذات الأمانة السامقة، أيها الأساتذة الزملاء، أستاذاتي الزميلات، أيتها الطالبات الكريمات، طلبتي الأعزاء.
باسمِكم جميعًا، وباسم الطاقم الإداري لمعهدِنا؛ يُسعدني ويَسرُّني أن أرحِّب بضَيْفَيْنا اللّذيْن أَسْتَهِمّ واستهلّ بشكرهما على تَجَشُّمِهِما عناء السّفر تلبيةً للدعوة، ونزولاً عند مطلبنا في الاستشهاد بأقوالهما وانتزاع شهاداتٍ حيّةً لا تَزِيغُ عن صروف التاريخ التي امتزج بها واقِع اللغة العربية وارتبط مصيرُها بشتى نوازعها على تبايُنها وتجانُسها في آن واحد، وإنّه لشرفٌ لنا جميعًا أن نُفسِح ونوسِّع لهما في مجلسِنا الدراسي الموقَّرِ هذا، تبجيلا لهما وإجلالا لمكانتهما السَنِيّةِ.
أعني الأستاذيْن الجليليْن: العلاّمة الموسوعة محمد الهادي الحَسني الذي يستهويني وصفُه بالمحقِّق التاريخي الحَصِيف والنظيف والمُنصِف، ومُحارِب الأضاليل، ومبطِل الشّبُهات، ومُقاوِم المغريات؛ وهو ينكبّ على تقليب صفحاتٍ مِن سِيَّر الرِّجال، ولا يزال يتصفّح ويتبيّن الحقيقة بين أضواء الأحداث وظلالها الماضية، الممعِنة في النّأيِ عن خواطرنا أو الاهتداء بتلك القريبة منا على السواء؛ عبرَ مُؤَلَّفَاتِه ومَناشيره الإعلامية ذات الرسالة السّمحاء، في أعمِدةِ مختلَف الجرائدَ والمجلاّت على وجه الخصوص، ومِن خلال برامجه الصّوتية والمَرئية التّحسيسية التثقيفية بامتياز.
دُمْتُم، أستاذَنا العزيز ــ بغزارة درسِكم وثراء أخباركم، مرجِعا فذًّا من مراجِعنا الموثوقَة، نظلّ نقتبِس مِن نور علمكم وتوثيقكم الوجيه، حصيلةَ العِبَر والغِيِر وأرصِدة الأدب ودقائق الحقائقَ. ولكم في قلوبنا مكانة خاصّة ومحفوظة حفاظَكم على العهد والأمانة وأمجاد الأمة.
وكذلك نحن جديرون بالتّهلُّلِ إذ نحظى باستقبالِ رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين البروفيسور عبد الرزاق قسوم ذي النَّزعة الفلسفية، وبحسِّه النقدي الصارم الذي يسخِّره دومًا في جسِّه نبض الواقع العربي الإسلامي، ويُكرِّسه في رصده لموقعيْ هذا الأخير المَحَلّي والعالمي.
أستاذي الحريص على الدقة العلمية والتفاصيل المؤدية والموحية، لقد كانت لي فرصة الاستماع إلى حديثكم الشيِّق والمُلهِم حينما كنت أستاذا متدرِّجاً في المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة العريقة، حيث عهدت لقاءَكم مِن حينٍ إلى آخر، رفقةَ رفيقِكم المرحوم جلول حِلمو في مكتبه أو خارجَه، وأتأمل فيكما التقاء نَزعة الجدية وروح الدُّعابة التي لا تعدِم الحِكمة والعبرة والفلسفة والتفلسف بأسلوب النُّكتَة الخفيفة حول الحياة اليومية والوجود الأسمى ــ اللقاء الذي يتخلّله أحيانا زميلكم الأستاذ عمار طالبي حفظه الله وخليلكم الأستاذ محمد يعقوبي رحمه الله.
واللهِ إني لمعتزٌّ بتلكم الأيام الخالية ونفحاتِها النورانية السامية، وإني لمشتاقٌ إلى فصوص حِكمِها وحكاياتها التي أراني موفور الحظّ باسترجاعها والاستئناس بها مرة أخرى وأنا في حضرتكم الآن.
استَسمِحُكما عذرًا ــ أيّها الأستاذان السميحان ــ إذا أثنَيت عليكما في هذا الموقف التكريمي، ولا حرَجَ في الإطراء الصادق؛ حيث استأثر كِلاكما عن جدارة، بالدعوة الموجَّهة إليكما، ويعود إيثارُنا لكما إلى المنزلة العلمية والاجتماعية والتاريخية والثقافية التي يتبوّأها كلُّ واحِدٍ منكما باستحقاق، وبما يختصّ به من الإسهامات النّوعية والفكرية والدينية والدَعَوية الإرشادية والإصلاحية.
وفي السياق الترحيبي هذا، يأبى عليَّ واجبي الإشرافي إلاّ أن أنوِّه بذكر اسم وشخص الأستاذ عبد القادر حيادحين منسِّق فرع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بولاية تيبازة المضيافة، الذي أَسِمُهُ دائما بحَوَاريِّ مركزنا الجامعي هذا، وأقصد هنا نُخبتَه، لسَعيه الخيريِّ الحثيث، وبذله الكريم من وقته خاصة، وسخاء فضائله وشمائله. ويشهد الله أني لا أزكِّي على الله أحدا، إنّما هي شهادة حقٍّ لا يُراد مِن وراء النطق بها وتسجيلها في هذا المقام سوى وجه الله تعالى.
أيّها الحُضور الكريم، اعلموا أنّه مِن باب رجاء الاغتنام من فضل هاتيْن الشّخصيتيْن الوطنيّتيْن الغنيّتيْن عن التعريف، قد أوعزنا إلى مقام كلٍّ منهما المحترَم بتقديم محاضرة ــ كلٌّ من منطلَق اهتماماته ورؤيته إلى الأشياء والأوضاع ــ بحيث تنصبّ في موضوع اللغة العربية في الأساس، ضِمن صيغة ندوة مخصَّصة لطلبة الدكتوراه وطلبة الماستر، مع العِلم أنّه لا يمكن الاكتفاء بيوم واحد للاحتفال باللغة العربية، ولا يمكن الاحتفاء بها دون ذكر الغيورين عليها ومن غير الإدلاء ببصمات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي يتعذر الإحاطة بجهود أعضائها المؤسِّسين والتابِعين، في خدمة هذه اللغة أئمةً وتلامِذةً ونُشطاءَ، ويستحيل وصف ما أبلوه من بلاء حسن، وبذلوه من الوقت والنَّفس والنَّفيس في الجِهاد دون طمس كيانها المستهدَف عنوةً وبحذافيره من قِبل الكيان الاستدماري الغربي لأطماعٍ لا تقول اسمَها إلا مُطَأْطِأْةً الرأس، لا لسان ولا انسان.
ويعجز اللِّسان عن تصوير كيف قام جهابذة العلم الذين تربوا في مدرسة عبد الحميد ابن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي بالتصدِّي لمحاولات فرنسا البائسة الرامية إلى اجتثاث وجود الأمة الجزائرية بأسرها مِن أصولها الطبيعية والتاريخية واقتلاع جذور هويتها الرصينة وزعزعة أسسها الدينية المتلاحمة.
أيها المستمِعون، لعلكم سمعتم بأبواق دعاوي الطمس هذه، تتردَّد أصداؤها في آفاق الكون مرة أخرى، يُسرع من خفقان وتيرتها قنوات التضليل والتواصل الاجتماعي ويحيِّنها الظرف المشابه تحت وطأة المصالح الضيقة وتحت أغطية أشباه النهضة ورَوَاء الحضارة، وبغرض إثارة الشُّبهات والنزوات طالما طالت الجزائر التي كانت دائما مطمح الأبصار ومطمع الانظار ومهوى الفائدة. ولكن أنى يكون لهم ذلك وخلف من جيل الجمعية يراقبون الله قبل كل شيء، مدركين تمام الإدراك أنهم يعاملون ربا يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.
إخواني، أخواتي؛ دعوني أنبِّه في هذه الإطلالة إلى معطى مؤدّاه أنّه إذا كان وضع اللغة العربية الفصحى ــ وما نسميه في رطانة اللسانيين بالعربية المشتركة ــ أقول: إذا كان وضعها المشؤوم والمحتوم والنكد، يتمثّل في عدم استعمالها في حياة الناس اليومية فقد أورد الشيخ محمد الصالح الصديق أحد العلماء المناضلين في رحاب الجمعية، وهو يصف حيوية اللغة العربية وحياتها قائلا في حقِّ الاستعمال بوصفه الُبعد الحاسِم والفيصل في تقرير مصير العربية لغةً أحيَّة:
« [..] ولهذا البُعد للّغةِ بَذَل الإمام عبد الحميد بن باديس قُصارى جهده في تعليم اللغة العربية ونشرِها، والحفاظ عليها، وكان يأمر طلبتَه أن يتحدّثوا بها ويتَحاوروا، وكان يُدرِّبهم على الخطابة بها حتى تتدرّب ألسنتُهم بها. وكان مِن المَطالِب التي تقدّم بها إلى فرنسا أن ” تعتبر اللغة العربية رسميّة مثل اللغة الفرنسية، وتكتب بها مع الفرنسية جميع المناشير الرسمية، وتعطي الحرية في تعليمها في المدارس الحرّة مثل اللغة الفرنسية”».
وعليه، وإذ نحن في مؤسَّسة تعليمية بحثية أكاديمية، لا يسعنا إلاّ أن نستحثّ طالباتِنا وطلبتَنا ونهيب بهم إلى أن يُفيدوا من خبرات الأستاذيْن في المجال، فيقتدوا بالمَثَل الأعلى وبالقدوة الحسنة التي مثّلت وعكست طموحات هذه اللغة وثقافتها الراسخة في كيان الفرد الجزائري منذ قرون، والتي حاولت جَهدَها وجُهدَها، لإحيائها عن كثب، وبعثِ حيويّتها شكلاً ومضمونًا، جسدًا وروحًا، أقوالاً وسلوكًا وقيَّما خُلقُية.
وهنا أتوقف وأقف وقفة تدبر، وأفتح المجال لذلك؛ ولا أريد أن أحتكر شجون الحديث ولا الاسترسال في الموضوع. وإذ كلّنا ثقة في أن نستكمل الإفادة من شهادات الأستاذيْن في هذا الشأن، أسدي لهما الثناء الطيب أشاعه الله، على تلبيتهما للدعوة، وآمل لهما منزلاً مريحاً ومروِّحاً بيننا. ونعتذِر إليهما باسمكم جميعا، إدارةً وأساتذةً وطلبةً، على أي تقصير في حق ضيافتهما بين أظهُرنا.
وبهذه السّانِحة، يأنف محلّي من الإعراب ــ هنا ــ كمُسيِّرٍ مُولَعٍ برفع المعنويات، إلاّ أن أعرِب عن شكري الذي أريد أن أتوجّه به إلى الأستاذ الزميل عبد الناصر بن بناجي مدير البحث العلمي وما بعد التدرج، على مُقترَحِه هذا الذي نأمل أن يُثمر في النّفوس، ويزدهِر في العقول والأذهان، ويتغلغل في الضمائر، إلى جانب تسجيله في القرطاس وبالقلَمِ، وتجسيده بالفعل والعمل.
وأتمِّم بالشكر حيال الأستاذ محمد يونسي مدير المركز على تثمينه للمبادرة وحضوره فعاليات هذه التظاهرة المبارَكة. ولا يفوتني أمر تسديد عبارات الشكر لمدير مخبر الممارسات الثقافية والتعليمية والتعلُّمية في الجزائر الأستاذ عادل لخضر على مَدّه يد العون واحتواء الفكرة وتأطيرها مخبريا.
وكذلك تنصرف آيات شكري صوبَ الحاضرين جميعا على حضوركم وآمل لكم عظيم الإفادة وكثير المتعة والأُنس في رحاب هذه الجلسة العلمية الزكية التي نَحسَب أنها ينسحب عليها نعت المجلس الذي تحفه الملائكة وتُظله بظلالها وبعناية الرحمن، في أجواء مِن التفاعل والتناغم مع الفكر والآداب الرفيعة.
ونرجو منكم ــ أيها الوافدون ــ أن تسمو هِمَمُكم إلى المشاركة بالأسئلة وتهتموا تدوين انشغالاتكم الفكرية والثقافية والعلمية لطرحها على روع الضيفين الكريمين تستحثهم على البحث مجددا. ونحن ما أمسَ حاجتَنا إلى العلم الذي يصوغه فكرٌ ينتسِب وينتمي إلى جيلٍ حرَّر البلاد وأعتق العباد من الطغيان والاستعباد والفساد.
ويسرني تثمين جهود كلِّ الموَظَّفين ــ ولاسيما أعوان النظافة والنقاء، وأشكر جنود الخفاء الذين يقومون بتيسير أحوال هذا اللقاء العلمي الحميمي. وبدون إطالة أعيد الكلمة للمنشِّط الفاضِل الأستاذ عبد القادر قهلوز ليواصل المسِير معكم. ولكم مني جزيل الامتنان على صبركم وإصغائكم واهتمامكم.
ومن جهة أكد رئيس مخبر الممارسات الثقافية والتعليمية والتعلمية في الجزائر الأستاذ ناصر بن ناجي على أهمية موضوع الندوة ومبرزا أسباب إختياره و أهميتة بالنسبة للباحثين وطلبة الدكتوراه، منوها بالجهود الذي يقوم بها المخبر في هذا المسعى وفق خطة تعليمية مدروسة، ستساهم في إثراء الساحة العلمية والفكرية.
وتطرق منشط الندوة الأستاذ قهلوز عبد القادر إلى تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عرض شامل لأهم المحطات التي مرت بها ورجال الإصلاح والمعرفة الذين أسسوها ووضعوا لها أبرز المعالم التي بنيت من أجلها، ثم تناول السيرة العلمية للأساتذة المحاضرين الدكتور عبد الرزاق قسوم والأستاذ محمد الهادي الحسني، ليفتح المجال لهما للغوص في جهاد المؤسسين للجمعية ضد المستعمر الفرنسي الذي حاول طمس الهوية الجزائرية، وتكاتف جهودهم من أجل تنوير الشعب الجزائري وإيقاظ الهمم وشد العزائم من أجل طرد فرنسا وما تحمله من آلات متنوعة للهدم اللغوي والثقافي والديني …
وفي المداخلة الأولى ربط الدكتور عبد الرزاق قسوم بين مناسبتين يعتز الجزائري بهما اليوم وهما ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر و اليوم العالمي للغة العربية 18 ديسمبر،مبرزا دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في حفاظها على ثوابت ومقومات الأمة التي الجزائرية ويتجلى ذلك في شعارها الخالد الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا، وتطرق بشيء من التفصيل المنهجي إلى علاقة اللغة بالإنسان ودورها في تعزيز الارتباط بالوطن والدين، مؤكدا على الأساليب التي انتهجها الاستعمار الحديث و أشكاله، من غزو فكري وثقافي على أصعدة عديدة، داعيا إلى ضرورة الاعتزاز باللغة العربية والتوغل بها في ساحات العلم والمعرفة من خلال البحوث العلمية والدراسات العليا خاصة وأن اللغة العربية لغة غنية ثرية بالمفردات والمطلحات التي تجعل منها لغة عالمية.
ومما عرج عليه الدكتور قسوم هو ظاهرة الحديث والكلام بين أبناء الوطن الواحد والمدينة الواحدة والبيت الواحد بلغة المستعمر حيث اعتبر هذا خدشا للعقل وخيانة للأمانة التي أوصلها أسلافنا إلينا اليوم، وراح رئيس جمعية العلماء يفصل في طرق وأساليب التعامل والتواصل باللغة العربية وعلى مختلف المستويات وذلك بتكثيف الجهود لوضع المناهج الصحيحة والسليمة والمبنية على معطيات ميدانية وخصائص عمرية معينة.
وبأسلوبه الحيوي النشيط راح الأستاذ محمد الهادي الحسني يسرد تاريخ الممارسات الاستعمارية لفرنسا في الجزائر منذ سنة 1819 إلى غاية غزوها للجزائر في 1830 وصولا إلى استقلال الجزائر في 1962 وما تقوم به منذ خروجها من الجزائر إلى اليوم، مبرزا الدور الذي لعبته جمعية العلماء المسلمين في تنوير العقول والنفوس من خلال سعيها الحثيث لتعليم الجزائريين مبادئ الدين الإسلامي وقواعد اللغة العربية والتشبث بالوطن وخيراته، مستشهدا بالساعات الطويلة التي كان يقضيها الشيخ عبد الحميد بن باديس والابراهيمي في تعليم الجزائريين تصل أحيانا إلى 16 ساعة في اليوم، وهو ليس بالجهد اليسير مقارنة بالظروف التي كانت تعيشها الجزائر وقتها والتضييق الممنهج على رجال الدين والإصلاح من طرف المستعمر الذي عمل بشتى الطرق من أجل تفكيك الروابط التي تجمع الأمة الجزائرية، وذكر بأن مفجري الثورة التحريرية المباركة نهلوا من دروس ابن باديس ومشايخ جمعية العلماء الذين حركوا النفوس وأيقظوا الهمم طيلة السنوات التي تفصل بين تأسيس الجمعية واندلاع الثورة المباركة المجيدة.
وفتح المجال للطلبة الحاضرين في الندوة لطرح الأسئلة للنقاش والإثراء حيث أجاب الأستاذان قسوم والحسني بما يقتضيه المقام والوقت من أجوبة تصب في مجملها في دور جمعية العلماء في الحفاظ على المقومات الثلاث للأمة الجزائرية، وضرورة الإلتفاف اليوم حول هذه الجمعية والتي تعد خير جمعية أخرجت للناس.
في ختام الندوة بادر القائمون على الندوة لتكريم الأستاذين قسوم و الحسني بهدايا تكريمية تعبر عن مدى التقدير والعرفان بالجهود المبذولة من طرفهما في سبيل العلم والمعرفة والحفاظ على الذاكرة، حيث سلم التكريم للشيخ عبد الرزاق قسوم البروفيسور دواوي عبد القادر نائب رئيس المركز الجامعي المكلف بالبحث العلمي، في حين سلم التكريم للأستاذ محمد الهادي الحسني البروفيسور مقران يوسف مدير معهد اللغة الأدب العربي بالمركز الجامعي تيبازة.