المؤرخ والمحقّق ناصر الدين سعيدوني: يتوّج بوسام عالم الجزائر
متابعة: حمزة سعيدي/
شهد المركز الدولي للمؤتمرات بالجزائر العاصمة مساء يوم الجمعة 17 من ديسمبر حفلاً تكريميًّا، أقامته مؤسسة وسام عالم الجزائر، هذه المؤسسة الفتيّة التي حملت على عاتقها مسؤولية الاحتفاء بالعلماء من خلال استحداث وسام عالم الجزائر، تُقلّده هذه المؤسسة كلّ عام لعالم باذل ومجاهد مرابط في ميدان العلم. واختارت المؤسسة المانحة لوسام عالم الجزائر في طبعتها الثانية عشر، أن يكون المُكرّم؛ المؤرخ ناصر الدين سعيدوني وابنه الدكتور معاوية.
المؤرخ ناصر الدين سعيدوني؛ العابد في محراب التاريخ، والحافر في ذاكرة الأمّة، والباعث للقيم الحضارية المبثوثة في النصّ التاريخي، صاحب الرحلة العلمية والكلمة الفسيفسائية الجامعة للعلوم والفهوم، والتحقيق الدقيق للمعنى العميق في تراث الأمّة الجزائرية الحضاري.
الباحث ناصر الدين سعيدوني المولود في العاشر من جويلية عام 1940 بالشرق الجزائري، في قرية بئر الشهداء بأم البواقي التي ترعرع فيها أيام صباه، ثمّ ابتدأ حياته العلمية في مدرسة التهذيب – لمدة ثلاث سنوات- بمدينة التلاغمة، التي كان والده إمامًا في مسجدها ومديرا لمدرستها التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ثمّ ارتحل مع عائلته إلى حاضرة الشرق الجزائري قسنطينة، لينتسب لمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس فكان ممّن درس عليهم؛ الشيخ عبد الرحمن شيبان، والشيخ الصادق حمّاني، والشيخ محمد الميلي، والشيخ النعيمي، والشيخ العدوي والشيخ حفناوي، والشيخ بن دياب. وواصل تعليمه متنقلاً بين الولايات كعنابة والعاصمة، صاعدا لدرجات سُلّم العلم، حافراً في صخر المجد اسماً يروي قصة الكفاح والنجاح، تحصّل على شهادة الدكتوراه عام 1988م من فرنسا، أتقن اللغة الانجليزية والعثمانية والفرنسية.
تقلّد العديد من المناصب والمسؤوليات في الجامعة الجزائرية، وباحثاً متفرغاً في جامعة آل البيت بالأردن بين عامي 1996-1998م، وأستاذاً محاضرا في قسم التاريخ بجامعة الكويت لمدة عشر سنوات، ثمّ عاد إلى الجزائر بأفكار ومشاريع بحثية مهمّة، رصّعها بكتاباته ودراساته العديدة التي بلغت خمساً وثلاثين مؤلفاً شاهدة على نبوغه وتدفّق قلمه، وصدق انتمائه وحسن تربيته ونُبل وفائه.
أنشأ مؤسسة ناصر الدين سعيدوني، التي يسعى من خلالها إلى الوصول بالثقافة إلى المستوى الأكاديمي، وجعلها خادمة للمجتمع الجزائري ولذاكرته المجيدة، ومجلة الدراسات التاريخية التي تنثر عبق التاريخ بأطاريح أكاديمية جادّة.
والمشارك والده التكريم بوسام العالم الجزائري المهندس المعماري المؤرخ؛ الدكتور معاوية سعيدوني، المولود بتاريخ 20 ديسمبر 1967م بالجزائر العاصمة، نشأ في باب الواد ودرس بها، حصل على شهادة مهندس دولة في الهندسة المعمارية سنة 1989م، التحق بالمعهد الفرنسي لتخطيط المدن بباريس، وتحصل عام 1990م على شهادة الدراسات المعمّقة في عمارة وعمران مدن المغرب العربي والشرق الأوسط من مدرسة العمارة بباريس، وتحصل عام 1991م على دبلوم دراسات التخصص العليا في التخطيط العمراني والتنمية، من المعهد الفرنسي لتخطيط المدن. ثمّ تحصل على شهادة الدكتوراه من المعهد الفرنسي لتخطيط المدن والتي كان موضوعها: «نشأة التخطيط العمراني في الجزائر أثناء القرن التاسع عشر».
بعدها عاد إلى الجزائر وعمل أستاذا محاضرا بالمدرسة المتعددة التقنيات للهندسة المعمارية والتعمير، وكذا مشاركاً في مادة التصميم العمراني بجامعة هواري بومدين. وتقلّد العديد من الوظائف والمسؤوليات الإدارية والعلمية ، وفي عام 2003م هاجر للعيش في كندا وشغل أستاذا محاضرا في جامعة مونتريال بكندا، وشغل العديد من الوظائف في عدة شركات ومؤسسات كندية.
استطاع الدكتور معاوية أن يمزج الفن المعماري بتصاميمه وهندساته مع النص التاريخي بعبقه وروحانيته، فالتخطيط والعمران للمدن الذي يشتغل عليه مكّنه من خلال تكوينه واهتمامه من استجلاء القيم الحضارية والأسس النهضوية التي بُنيت عليها الحضارة العربية، فحرّر نصّا تاريخيا عميقاً في مبناه، دقيقاً في معناه، يروي قصة التلاحم والتناغم والانسجام بين التاريخ والهندسة.
والحفل البهيج الذي هندسته مؤسسة وسام عالم الجزائر، كان متميّزاً بالحاضرين على اختلاف مستوياتهم العلمية ومكانتهم الاجتماعية، ومستوياتهم الوظيفية ، فرسمت داخل القاعة لوحة فسيفسائية خلاّبة بألوانها الجذّابة؛ جين اجتمع العالم العارف مع الناسك العاكف، والسياسي الأصيل مع الإعلامي الفضيل، والمتبرجات بزينة مع الضاربات بخمرهنّ على جيوبهنّ.
إنّ الأمّة التي تُكرم علماءها ومثقفيها، أمّة تملك مقوّمات الحياة وعوامل النجاح، وترسم بذلك القدوة وتحطّ الجبرية والقسوّة، تكتب في ديوان المجد المعمّرين في الأرض المطهّرين للعرض بالحرف المجوّد والكلمة النورانية، تلكم هي السيادة الإنسانية.