الدكتور أبو القاسم سعد الله في مرآة تلامذته وأصدقائه
بمناسبة الذكرى الثامنة لوفاة شيخ المؤرخين الجزائريين الدكتور أبو القاسم سعد الله ننشر هنا بعض شهادات تلامذته وأصداقائه التي تعبر عن جهوده في التربية وتكوين أجيال من الطلبة والباحثين وعطائه العلمي وإثرائه للبحث التاريخي بما أنتجه من الدراسات والكتب حول تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر، والتي ستبقى للأبد مرجعية لكل من يتطلع لدراسة تراث هذا البلد واستلهام العبر والقيم من سجله الحضاري المثمر.
ناصر الدين سعيدوني (مؤرخ جزائري)
يتبوأ الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله مكانته الخاصة باعتباره مؤرخا أصيلا وكاتبا مبدعا، فله الزاد المعرفي الوفير والأسلوب اللغوي المعبر السليم البليغ، كما أن له منهجه المميز وطريقته الخاصة التي يعبر بها عن أفكاره، فضلا عن تفرده عن كثير من المؤرخين الجزائريين بابتعاده عن الأضواء وتحصنه وراء قناعاته الخاصة ورؤيته الذاتية؛ كتب التاريخ وحلل الوثائق وعبر عن فهمه للماضي وتقييمه لنتائجه انطلاقا من حصيلة قراءاته وأبحاثه، فجمع في تكوينه بين الثقافة الأدبية الرصينة والمعرفة التاريخية الواسعة، فانعكس ذلك على إسهاماته، والتي توزعت بين تأليف وترجمة وتحقيق وتعليق، كما حافظ على أخلاقيات العالم ورسالة المؤرخ.
مولود عويمر (جامعة الجزائر 2)
ينطلق الدكتور أبو القاسم سعد الله من التاريخ العربي الإسلامي وتواريخ الأمم الأخرى ليصل إلى فكرة المؤرخ العملاق. ويضرب على ذلك أمثلة عديدة كالمسعودي والطبري وابن خلدون في الحضارة الإسلامية، وهيرودوت وبوليبياس وتاسيتس في الحضارة الإغريقية وأرنولد توينبي وفرناند برودل في الحضارة الأوروبية المعاصرة… الخ…كان الدكتور سعد الله يرى أن الجزائر لم يظهر فيها خلال القرون الأخيرة مؤرخ كبير أو مؤرخ عملاق كما حصل في مصر مع الجبرتي، وتونس مع ابن أبي الضياف والمغرب مع الناصري، وفرنسا مع ميشلييه…الخ. وهكذا حمّل نفسه مهمة سد هذا النقص، لذلك كانت جهوده مركزة على التأريخ للجزائر عبر عصورها وهو ينافس الزمن خوفا أن يغادر هذه الحياة دون أن يكمل المهمة التي أصر على أدائها على أحسن وجه.
نجيب بن خيرة (جامعة الشارقة)
عرفت الدكتور أبو القاسم سعد الله رحمة الله عليه في جامعة الأمير في مرحلة الماجستير عندما جاءنا زائرا …فألقى جملة من المحاضرات في التاريخ الحديث والمعاصر، وكم كان الرجل يتدفق علما وهو واقف تارة، وجالس على طرف المكتب تارة أخرى ، فيغوص في أعقد القضايا التاريخية، ويورد تفاصيلها من ذاكرته المُسعفة، وحافظته القوية، ويرد على شبهات المؤرخين،وأباطيل المستشرقين الفرنسيين ممن يرون العهد العثماني في الجزائر مرحلة احتلال واستعمار وسيطرة ….
محمد الأمين بلغيت (جامعة الجزائر1)
لعلني لا أبالغ فأرى من خلال تجربتنا التي تزيد عن ربع قرن ونحن نقرأ ما ينتج الأستاذ الكبير سعد الله فأقول إنه المؤرخ الموسوعي، متعدد المشارب والإهتمامات، فقد قرأنا له ما كتب في مجلة الآداب وقد كان شاًّبا يافعا يشارك في التأسيس للقصيدة الحرة، فهو بحسب النقاد من أوائل الشعراء الجزائريين الذين كتبوا القصيدة الجديدة، خارج دائرة القصيدة التقليدية العمودية، كما شاهدنا همته وهو يقوم بتدوين تاريخ الجزائر بداية من 1830 إلى غاية 1945م، بوعي نادر يسابق به الزمن، وهذا في عمله الموسوعي “الحركة الوطنية الجزائرية”. كما ساهم مساهمة بالغة في تسجيل وتدوين تاريخ الجزائر الثقافي بداية من القرن الخامس عشر إلى منتصف القرن العشرين.
رابح لونيسي (جامعة وهران)
لا يمكن لنا الوفاء لسعد اللّه إلا بمواصلة طريقه في بعث تاريخنا، خاصة المهمل والمسكوت عنه، كما فعل هو عندما حرص على البحث فيما خفي من تاريخ الجزائر بتفضيله تغطية فترة 1930/1900 كموضوع لأطروحة دكتوراه دولة في الولايات المتحدة، والتي لم يقترب منها أحد، ويقول إنها ”تكاد تكون مجهولة” آنذاك طبعا، وكان بمقدوره اختيار موضوع سهل يكفيه عناء البحث كما يفعل البعض اليوم.
وكان يشعر بمهمة ملقاة على عاتقه وهي تغطية تاريخ الجزائر كله بكل جوانبه، ويظهر ذلك من خلال مجلداته العشرة حول ”تاريخ الجزائر الثقافي” في العهدين العثماني والاستعماري، التي تحوّلت دليلا في هذا المجال أمام الباحثين الذي لم يبق لهم إلا التعمق في مواضيعه بالتوسع والنقد والتحليل، ويعود تركيزه على الجانب الثقافي إلى شعوره بأن هناك فراغا في هذا المجال واقتناعه بأهمية الثقافة في عملية بناء الأمم.
مسعود فلوسي (جامعة باتنة)
تعددت مناحي البحث والتأليف عند عميد المؤرخين الجزائريين الدكتور أبي القاسم سعد الله رحمه الله بتعدد المجالات الفكرية والعلمية التي وجد نفسه مشاركا فيها، إما بحكم التخصص الأكاديمي أو بحكم الميول الأدبية والفكرية أو لضرورة الدفاع عن قضية معينة أو الكشف عن حقيقة مجهولة، فمن الشعر والأدب إلى تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، إلى تاريخ الجزائر الثقافي، إلى تراجم أعلام الجزائر، إلى إبداء الرأي في بعض القضايا العامة مما يتعلق بالوطن أو الأمة.
أبو فيصل