وراء الأحداث

عندما تسرطن الإسلاموفوبيا الانتخابات الفرنسية

أ. عبد الحميد عبدوس/

المؤشرات الحالية تدل على أن موضوع التحريض على كراهية الإسلام وشيطنة المهاجرين سيتحول إلى أطروحة مركزية في حملة الانتخابات الفرنسية المزمع تنظيم دورها الأول في 10 أفريل 2022 ،فعلى بعد حوالي أربعة أشهر من الرئاسيات يتنافس كل من الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ،وزعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارلين لوبان، والمهرج العنصري إريك زمور، على الفوز بلقب «الكاره الأكبر» للإسلام، ورغم أن أسماء المرشحين المعتمدين لخوض السباق الرئاسي للانتخابات لن تعرف بشكل رسمي إلا في شهر مارس 2022، فقد بدأ السباق بين هؤلاء منذ ظهور نياتهم الترشح للرئاسيات لحصد أصوات ناخبي اليمين المتطرف الفرنسي.
حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون تصعد حملتها الشرسة ضد المساجد والجمعيات الإسلامية في فرنسا، بذريعة محاربة التطرف والانعزالية. إيمانويل ماكرون المرشح اليميني للرئاسيات المقبلة وبعد فشله في اصلاح أنظمة التقاعد وسوق العمل في عهدته الرئاسية الأولى، مما أثار سخط جموع غفيرة من الفرنسيين وأطلق عنفوان مظاهرات غاضبة من السترات الصفراء ضد سياسته، يعتزم أن يقدم للفرنسيين لإنجاح حملته الرئاسية طبقا جديدا يسميه «إصلاح الإسلام» ولتنفيذ مخططه يعتمد على وزيره للداخلية ابن الحركي جيرالد دارمانان الذي أصبح وكأنه وزير للإسلاموفوبيا، وحول مكافحة الإرهاب إلى مكافحة الإسلام، إذ أعتبر في أحد تصريحاته أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان «ليست صلبة كفاية لمواجهة الإسلاميين»، ودرج على اتخاذ أشد الإجراءات في إغلاق المساجد ،ودور العبادة، والمدارس الخاصة، والجمعيات الخيرية ،ودور النشر الإسلامية.
في يوم الاثنين الماضي، (13 ديسمبر 2021) أعلن دارمانان إغلاق 21 مسجدا وتوعد بإغلاق 6 مساجد أخرى، مشيدا بأنه ولأول مرة في تاريخ فرنسا، يتم إغلاق مساجد بهذا العدد الكبير. وبرر هذه الخطوة بأنها تستند إلى قانون “مكافحة التطرف»، ولكن وزير الداخلية الفرنسي بدأ حملته هذه حتى قبل 23 جويليه 2021 تاريخ تبني الجمعية الوطنية الفرنسية لمشروع قانون «مكافحة الإسلام الانفصالي» المعروف رسميا بقانون «مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية»، ففي منتصف جانفي2021 كان قد أعلن عن غلق 9 قاعات صلاة ومساجد وكتب على صفحته في تويتر مفاخرا: «أغلِقت 9 من بين 18 دار عبادة تمت مراقبتها بشكل خاص بطلب مني»، وفي مطلع شهر نوفمبر من عام 2020 أكد أنه تم إغلاق 43 مسجدا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من حكم الرئيس إيمانويل ماكرون، وشدد على أن الأجهزة الأمنية وفي إطار مكافحتها «للانفصالية» الإسلامية نفذت منذ 2017 حوالي «24 ألف عملية تفتيش و650 عملية إغلاق لأماكن يقصدها متشددون كما قال انه منذ سبتمبر 2020 تم إلغاء تصاريح إقامة 36 ألف شخص بدعوى أنهم يشكلون تهديدًا للنظام العام وأكد أنه سيتم اتخاذ إجراءات ضد أي مؤسسة تابعة للمسلمين يرفض القائمون عليها وغيرهم من أعضاء المجتمع الإسلامي في فرنسا التوقيع على مواثيق العلمانية ومبادئ الجمهورية الفرنسية.
وقبل يومين من مفاخرة وزير الداخلية الفرنسي بغلق مساجد المسلمين تم يوم السبت 11 ديسمبر2021، تدنيس قبور المسلمين في المقبرة المركزية بمدينة ميلوز في شمال شرق فرنسا، وتقع المقبرة بالقرب من مركز الشرطة المركزي، وقام المعتدون على هذه المقابر باقتلاع الأزهار المغروسة عليها، وتخريب شواهدها، ولم تتنقل الشرطة الفرنسية العاملة تحت سلطة دارمانان إلى مكان الجريمة إلا في الساعة السادسة مساء أي بعد 12 ساعة كاملة من حدوث الجريمة العنصرية البشعة حيث فتحت تحقيقا للكشف عن المجرمين الذين غالبا ما يفلتون من العقاب.
هكذا، ففي الوقت الذي ترفض فيها فرنسا سن قانون مكافحة الإسلاموفوبيا أو قانون معاداة الإسلام الذي يجعل المسلمين في فرنسا يشعرون بانهم مواطنون عاديون يتمتعون بحقوقهم كاملة في المجتمع الفرنسي وبأنهم لا يتعرضون للتمييز والاضطهاد بسبب معتقدهم الديني، وبدلا من تطبيق قانون العلمانية الذي ينص على «حياد الدولة تجاه الأديان»، كما تفعل مع الديانتين المسيحية واليهودية، تستخدم السلطات الفرنسية العلمانية كسلاح ضد المسلمين لسلخهم من معتقداتهم وإهانة مقدساتهم الدينية.
وعلى سبيل المثال منع حزب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، (الجمهورية إلى الأمام) في شهر ماي الماضي (2021) امرأة مسلمة من الترشح على قوائمه لانتخابات محلية، لأنها كانت ترتدي حجاباً إسلامياً في صورة التُقطت ضمن جلسة تصوير للحملة الانتخابية، بينما ينتظر أن يصبح كاتب عنصري مثل إريك زمور الذي يقدم نفسه على أنه: «يهودي الديانة وكاثوليكي الثقافة» مرشحا لرئاسة الجمهورية الفرنسية، وهوالذي يعتبر مقارنة الدين الإسلامي بالنازية ظلما للنازية لأن الدين الإسلامي ـ في رأيه ـ هو «أكثر لعنة على البشرية من النازية أحد أبشع النظم السياسية التي عرفها التاريخ الحديث» ويتوعد، بأنه «إذا أصبح رئيساً لفرنسا سيحظر على الفرنسيين اسم محمد»، كما ينوي في حال انتخابه إجبار المسلمين على قصر دينهم على العقيدة والممارسة دون التشريع والقوانين.
إذا كان الرئيس إيمانويل ماكرون ينوي اتخاذ خطوات «لإصلاح الإسلام» فإن المرشح اليهودي إريك زمور يعتزم «إنقاذ» فرنسا من الإسلام ويقترح ببساطة «ترحيل المسلمين من فرنسا» ويقول إن «الإسلام كدين لا يتماشى مع الثقافة الفرنسية ونمط العيش بالنسبة للفرنسيين»، وأنه «لا يوجد فرق بين الإسلام والإسلاموية» كون «الإسلام هو الإسلاموية الهادئة، والإسلاموية هي الإسلام النشط».
في سبتمبر 2020 وصف إريك زمور بعض القصّر من أبناء المهاجرين بـ «اللصوص والمغتصبين والقتلة». وقدم بسبب هذا الافتراء العنصري إلى المحاكمة، ومن المنتظران تصدر المحكمة الفرنسية في 18 جانفي المقبل (2022) حكمها عن هذا التصريح الذي وصفت المدعية في المحاكمة صاحبه (إريك زمور) بأن «لديه ماضٍيا قضائيا.. وتصريحاته المهينة والفاحشة تظهر رفضا وكرها صريحا للمهاجرين». وأضافت أن زمور تجاوز حدود حرية التعبير ويعتبر مذنبا بالتحريض على الكراهية والإهانة العرقية. وقبل ذلك سيق للقناة التلفزيونية الفرنسية «Itélé» (إي. تيلي) في ديسمبر2014 أن طردت إريك زمور من فريقها بسبب تصريحاته العنصرية، ولكن اللوبي الصهيوني الفرنسي أعاد زمور إلى شاشة القناة بعد سيطرته عليها بعدما أصبحت تسمى «CNEWS» (سي نيوز).
أما مرشحة حزب الجبهة الوطنية وزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان والتي بدأت تتراجع في استطلاعات الرأي بسبب منافسة إريك زمور لها على قاعدة اليمين المتطرف فقد صرحت قائلة: «أريد أن أحظر الإسلام من جميع جوانبه، يجب على الدولة أن تحشد كل جهودها من أجل مهاجمة وتدمير الإسلام والمسلمين». كما توعدت الجالية الجزائرية في فرنسا بعد احتفالهم بمناسبة فوز الفريق الجزائري لكرة القدم على نظيره المغربي بمعاقبتهم على الاحتفال قائلة: «كسر المشجعون الجزائريون كل شيء من جديد وهاجموا سلطات إنفاذ القانون في الشانزليزيه بعد فوز فريقهم. في غضون 4 أشهر ستكون نهاية الإفلات من العقاب، دعهم يدركوا ذلك جيدا»، يحمل كل من اليهودي ذي الأصول الجزائرية إريك زمور، وابن الحركي جيرارد دارمانان، ومارين لوبان ابنة الضابط الفرنسي في جيش الاحتلال الفرنسي للجزائر جان ماري لوبان في صدورهم نار الضغينة على الجزائر ولم يتخلصوا من مشاعر الحقد والبغض للإسلام الذي كان سببا في انتصار الجزائريين في جهادهم ضد المحتل الفرنسي، وخروج آبائهم من الجزائر. ويعتبرون في تصريحاتهم أن الاحتلال الفرنسي للجزائر كان نعمة على الجزائريين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com