قم للمعلم

د. عبد العزيز مرابط الزغويني/
قيل يوما:
قُمْ لِلْمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبْجِيلا كَادَ الـمُعَلِّمُ أَنْ يَكُونَ رَسُولاً.
ويقال اليوم:
قم للمعلم وفّه التنكيلا فاز من صيّر المعلم ذليلا
فما أجمل ما قيل أولا، وما أسوء ما يقال ثانيا
وبما أنّ الله تعالى أكرمني فأقامني مقام المعلّم فإنّه يجدر بي أن أقول كلمة حقّ، أخصّ بها من حباهم الله بهذا الوصف، واختارهم لحمل لهذا المشعل مثلي.
وأستفتح بكلام من بعثه ربه رحمة للعالمين، حيث ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إنَّ اللهَ تعالى لم يَبْعثني مُعنّتًا ولا مُتعنِّتًا، ولكن بَعثَني مُعلِّمًا مُيسِّرًا»، فرسالة المعلّم امتداد لرسالة الأنبياء، وما هي إلّا جزء من كلّ، وفرع من أصل، وبناء العقول أرفع شأنا من بناء الأبدان، وتهذيب الأرواح أعلى وأجلّ من تهذيب الجوارح.
فمهما بلغت من رتب أو ارتقيت في سلّم فللمعلم بصمة في شخصك، ولمسة في عقلك، وشعلة في عزمك، ولبنة في بنيانك. أخذ بيدك وألهمك، وحلم عليك، واحتواك، وصبر معك، وعلّمك، ورافقك، ووجهك، فإيّاك ثم إيّاك أن تنكر فضله، أو تجحد حقّه، ورحم الله من قال: «من علّمني حرفا كنت له عبدا».
ولكن لا بدّ من تحمّل المغرم من بعد كل غنيمة، وبذل الثّمن بعد أخذ البضاعة، فالغُنْمُ بِالغُرْمِ كما قعّد فقهاؤنا، وأعني أنّ هذا الطريق – طريق التّعليم – غير مفروش بالورد، ولا معطّر بماء الزّهر، فالعقبة كؤود، والمسلك موحش، والمشقّة مجهدة، والجبهات متعدّدة، والموفَّق من وفّقه الله تعالى.
أعود إلى رسالة التّعليم فأقول: إنّها تكليف وتشريف وتأليف، وبيان ذلك وتفصيله كما يأتي:
رسالة التّعليم تكليف تحمّله من اختار هذه المهنة، ورضي بها طريقا، وسيُسأل المكلَّف عمّا كلّف به يوم القيامة، فلا بدّ من القيام بالواجب، وبذل الوسع، وأداء الأمانة إلى أصحابها.
رسالة التعليم تشريف يتقلّده المعلّم في الدّنيا والآخرة، ووسام عزة يُعلّق على صدره، وتاج تبجيل ووقار يوضع على رأسه.
رسالة التّعليم تأليف يتألّف به المعلّم أرواح أبنائه من المتعلّمين، ويكسب به قلوبهم، فيكون لهم كالأب المشفق الحاني، والأخ الحريص المرفق، والنّاصح الأمين الصّادق، فإذا ملك قلوبهم فإنّه سيكون لهم بلا ريب القدوة الصّالحة التي يقتفون أثرها ويسلكون مسلكها، والأنموذج الملهم الذي يضخّ فيهم روح العزيمة والإصرار على بلوغ كلّ مأمول، والمثال الحيّ الذي يعمل بما يقول ويقول بما يعمل، وما نال التّشريف ولا قام بالتكليف من غفل عن التأليف.
ولا أعتقد أنّ أحدا ممّن أقامه الله مقام المعلّم يفلح في حصاد غرسه وقطف ثماره إن لم يألف أبناءه المتعلمين ويألفونه، ولا أعتقد أنّ هناك من سبيل لبلوغ هذا المبلغ إلّا أن يعاملهم وهو معلمهم بمثل ما كان يحبّ أن يعامل به وهو في صف المتعلّمين.
وصدق البستي حين قال:
أحـسن إلـى الناسِ تَستعبد قلوبهم فـطالما اسـتعبدَ الإنـسان إحسانُ.
هذه كلمتي، وهذه حجّتي، وتحيّة خالصة أزفّها لكلّ أساتذتي، تعقبها أخرى لتلامذتي، والسلام.