جامعة قسنطينة (1969 ــ 1975)بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيسها برنامج الليسانس بنظام الشهادات في كلية الآداب بحسب النظام الجامعي الفرنسي (2)
أ. د. محمد عيلان */
في الموضوع أمثل بـ (دائرة اللغة العربية) التي كان الحصول على شهادة الليسانس بها يتم في مدة ثلاث سنوات دراسة جامعية. ويلاحظ أن هذه الليسانس بمحتواها سبيل للتخصص في الأدب المقارن وتكوين المستشرقين وفقا للمدرسة الفرنسية، التي قامت على أساس المركزية الأوروبية في الحضارة والتأثير والتأثر.
ــ السنة الأولى ليسانس وتسمى (شهادة الدراسات الأدبية العامة بالعربية C.E.L.G.A): مدتها سنة جامعية كاملة وبها أربع مواد.
ــ السنة الثانية: يحضِّر فيها الطالب شهادتين مستقلتين الواحدة عن الأخرى وهما:
أ ــ شهادة الحضارة الإسلامية في السداسي الأول بمجموعة من المواد مع لغتين أجنبيتين إجباريتين (اللغة الإنكليزية ولغة شرقية: الفارسية أو التركية).
ب ــ شهادة الأدب العام في السداسي الثاني بمجموعة من المواد.
ــ السنة الثالثة: يحضر فيها الطالب شهادتين مستقلتين الواحدة عن الأخرى وهما:
أ ــ شهادة فقه اللغة العربية في السداسي الأول. مع دراسة لغة شرقية: (اللغة العِبْرية).
ب – شهادة الأدب المقارن في السداسي الثاني.
ومجموع هذه الشهادات (05) يُكَوِّن محتوى ليسانس الأدب العربي (Licence ès Lettres).
أما الامتحانات فقد كانت كالآتي:
ــ امتحان كتابي: (النظري أي المقال أو المطلب).
ــ الامتحان التطبيقي الكتابي: تحليل نصوص لها صلة بمحتوى الشهادة المحضرة.
ــ الامتحان الشفوي أمام لجنة من أساتذة الشهادة المحضرة. يتضمن: أسئلة عن نصوص محضرة يكلف بها الطالب مسبقا، ونصوص غير محضرة.
وعند النجاح في المكونات المعرفية للسنوات الثلاث يحصل الطالب على شهادة الليسانس بالتقدير الخاص بالشهادة الواحدة دون تقديرها مجتمعة، فقد تكون شهادة الأدب العام حصل عليها الطالب بتقدير: (حسن جدا)، وشهادة فقه اللغة بتقدير: (قريب من الحسن) مثلا، وهكذا بأحد تقديرات النجاح الموروثة المعتمدة في نظام التعليم الفرنسي: مقبول ـــ قريب من الحسن ـــ حسن ـــ حسن جدا ـــ ممتاز.
الطلبة بالجامعات الجزائرية بعد الاستقلال أربعة أصناف:
الصنف الأول الطلبة الجزائريين (الثوار) ممن لهم شهادة البكالوريا ورفضوا الانتساب إلى الجامعات الفرنسية وغيرها، والتحقوا بالثورة الجزائرية استجابة لنداء جبهة التحرير، امتثالا لمقولة زميلهم (محمد خميستي) الطالب في كلية الطب بـ: (مونبلييه ــ فرنسا) في مؤتمر الطلبة الجزائريين المنعقد بفرنسا بتاريخ 24 ــ 30 مارس 1956م: (كيف يمكننا متابعة دراستنا ونحن نجر في أرجلنا قيود العبودية والاستعمار).
الصنف الثاني الطلبة الحاصلون على شهادة البكالوريا من الثانويات الجزائرية بعد الاستقلال كـ(ثانوية الحرية)، أو الثانويات الفرنسية التي استمرت تواصل نشاطها بالجزائر بعد الاستقلال كـ (ثانوية فيكتور هيغو) وغيرهما.
الصنف الثالث نوعان:
أ ــ طلبة جزائريون غادروا الثانويات في الأقسام النهائية في عهد الاستعمار الفرنسي والتحقوا بثورة التحرير المباركة خلال سنوات 1954/1962م، سواء أكانوا من طلبة الثانويات بالجزائر، أم بفرنسا، أم بالمغرب، أم بتونس، أم ممن درسوا بمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس بالجزائر والتحقوا بثانويات بعض البلاد العربية إلا أنهم تخلوا عن الدراسة والتحقوا بالثورة التحريرية.
ب ــ ومثلهم الطلبة الذين أخفقوا في شهادة البكالوريا في ثانويات الجزائر بعد الاستقلال مباشرة، أتاحت لهم الدولة إمكانية الدراسة بالجامعة، حفاظا على الرصيد المتعلم للمجتمع الجزائري. والصنفان من الطلبة (أ) و (ب) هم الناجحون في السنة التمهيدية التي استحدثتها الجزائر بعد الاستقلال للدخول إلى كليتي الآداب أو الحقوق.
الصنف الرابع: طلبة عرب، فقد كان بجامعة قسنطينة في بداية نشأتها طلبة من فلسطين ولبنان ومصر وتونس وهؤلاء يمارسون التعليم في المرحلة الابتدائية بعقد مع وزارة التربية والتعليم الجزائرية، ومنتسبين للدارسة بالجامعة.
وكان أغلب المنتمين من (الطلبة الجزائريين) إلى كليات الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعات الجزائرية الثلاث (الجزائر، قسنطينة، وهران) خلال الستينيات والسبعينيات في أقسام الأدب العربي والتاريخ والأدب الفرنسي والجغرافيا والفلسفة، وبعض التخصصات العلمية الأخرى، كالرياضيات والفيزياء والعلوم الحيوية.. في المرحلة الأولى من تأسيس الجامعة؛ تتعاقد معهم المدرسة العليا للأساتذة بالقبة بالجزائر العاصمة، بعد مقابلة أمام لجنة؛ لانتقاء من تتوفر فيهم شروط الأستاذ المدرس في المرحلة الثانوية، حيث تمنحهم راتبا شهريا أثناء الدراسة بالجامعة، ولهم نفس الحقوق الجامعية في الإيواء والإطعام مثلهم مثل الطلبة غير المنتسبين للمدرسة العليا للأساتذة، ثم بعد التخرج يلتحقون للتربص بالمدرسة مدة سنة لتكوينهم في المواد البيداغوجية المؤهلة للتدريس في التعليم الثانوي. وكان بين المدرسة العليا للأساتذة والجامعة اتفاق يَنُصُّ على أن تحصل الجامعة على ما نسبته 10% من الطلبة الأوائل في شهادة الليسانس من المتعاقدين مع المدرسة العليا، لتوظيفهم معيدين وتكوينهم ليصبحوا أساتذة جامعيين، وذلك بسبب تعاقد أغلب الطلبة مع المدرسة العليا للحصول على راتب شهري.
أما الطلبة غير المنتمين إلى المدرسة العليا للأساتذة فكانت الدولة تصرف لهم منحا شهرية إلى جانب الإقامة في الأحياء الجامعية، بتكاليف زهيدة لم تتغير إلى العام 2021 م.
الدراسات العليا بجامعة قسنطينة
بالنسبة للدراسات العليا فقد كانت الرِّيادة للجامعة المركزية بالجزائر العاصمة بعد الاستقلال، فهي التي احتضنت الخريجين بشهادة الليسانس من كليتي الآداب والعلوم الإنسانية بقسنطينة ووهران للدراسة بها في مختلف التخصصات، وإمدادهما بإطارات التدريس والبحث بعد تخرجهم بشهادات الماجستير والدكتوراه.
أما الدراسات العليا بجامعة قسنطينة في الآداب فقد عرفت تأخرا في افتتاحها إلى سنة 1977م كمثيلتها في جامعة وهران بعد تحول الكليات إلى معاهد في إطار إصلاح التعليم العالي، وظل افتتاحها مرتبطا بتوفر الإطار البشري المتخصص، الذي يتابع الإشراف والتوجيه العلمي لرسائل الماجستير والدكتوراه. ومثلها الكليات العلمية الأخرى بعد تحولها إلى معاهد في مواكبتها للإصلاحات الجديدة.
لكن ما يمكن الإشارة إليه أن هذه التغيرات والتحولات في هيكلة التعليم العالي وربطه بالضرورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالاحتياجات الصناعية الناشئة لبلادنا لم تخرج عن المنظومة العالمية للتعليم العالي في الجامعات العالمية في بنيتها واتجاهاتها المعرفية. فلقد كان شعار تطوير الجامعة؛ الانفتاح على المعرفة الإنسانية، وكان ذلك واضحا في التوأمة بين جامعاتنا وجامعات عالمية عديدة، وفي التبادل المعرفي مع الجامعات العربية والأوروبية والأنكلو سكسونية، وفي الملتقيات والمؤتمرات العلمية، وزيارات الأساتذة والطلبة في الاتجاهين، وقبول الطلبة المتخرجين من الجامعات الثلاث للدراسة بالجامعات العالمية، وتبادل الكتب والوثائق والدوريات.
وكانت اللغات البشرية التي أُنجزت بها الحضارة الحديثة أثناء الحداثة وما بعد الحداثة، لسان كثير من الاختصاصات اللسانية والأدبية والعلمية في الجامعة، وأكثرها سيادة كانت اللغة الفرنسية، بحكم التواجد التاريخي للاستعمار، الذي منحها الاستمرار في الجامعة.. إلى جانب اللغة العربية في العلوم الإنسانية. ورغم ذلك ظلت وزارة التعليم العالي في السبعينيات ترسل الطلبة في منح إلى البلدان العربية والاشتراكية والأوروبية والأنكلو سكسونية؛ لنيل شهادات في الدراسات العليا، لإمداد الجامعة الجزائرية بالخبرات المؤهلة للتدريس والبحث، خلافا لما كانت عليه في الستينيات؛ حيث كانت ترسل الطلبة للدراسة بثانويات بعض البلدان الشقيقة والصديقة، وقد كان لي الشرف أن أرسلت في منحة مع زملاء من قبل الدولة الجزائرية للدراسة بالمملكة الليبية عام 1964. فحصلت على الثانوية العامة ودرست السنة الأولى جامعي ثم عدت إلى الجزائر لمواصلة الدراسة الجامعية عام 1969.
وما تجدر ملاحظته أن الدولة الجزائرية كانت تتكفل بطلبتها الذين ترسلهم للدراسة بالخارج من خلال منح دراسية. توفر لهم سبل الدراسة دون عناء ومشقة. كما يمكن الإشارة أيضا إلى أن بعضا من الطلبة الجزائريين الذين سجلوا بالجامعات الأجنبية وليس لهم منح جزائرية، تكفلت بهم الدولة كغيرهم من زملائهم المبعوثين.
البحث العلمي بجامعة قسنطينة
لم يكن البحث العلمي بمفهوميه النظري والتجريبي قد أخذ مساره في جامعة قسنطينة، قبل 1978م لينخرط فيه الأساتذة والطلبة مما كان متعارفا عليه في التصنيف الجامعي؛ أستاذ باحث، وأستاذ مكلف بالبحث، وباحث متفرغ، أو طالب باحث.
أذْكرُ أنه في بداية السنة الجامعية 1974/1973م عقد الدكتور عبد الحق برارحي مدير الجامعة اجتماعا بأساتذة الجامعة في مختلف التخصصات الموجودة آنذاك باستثناء أساتذة الطب، بعمارة العلوم بعين الباي، دعا فيه للتشاور وإعداد مشاريع بحوث مرتبطة بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وقال: إن مركز البحث بالجامعة (C.U.R.E.R) مفتوح للأساتذة وللطلبة. وكلفني بالتواصل مع الأساتذة باللغة العربية في الموضوع، لكن دعوة (مدير الجامعة/ رئيس مركز البحث) لم تجد لها آذانا صاغية لدى الأساتذة في التخصصات المختلفة آنذاك؛ لأن الأساتذة الجزائريين عددهم قليل، وأغلبهم برتبة معيد وقلة منهم برتبة أستاذ مساعد، ومسجلين لنيل دبلوم الدراسات المعمقة ثم شهادة الدكتوراه الدرجة الثالثة بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة، والأجانب لم يكن لهم اهتمام بالموضوع لوضعيتهم المؤقتة، وليس لأغلبهم رُتَب أكاديمية عالية؛ لذلك تأخر البحث العلمي بجامعة قسنطينة للأسباب التي ذكرتها، إلا أنه في بداياته ارتبط بالدراسات العليا لتكوين الأستاذ أو الطالب الباحث.. وحديثي هنا ليست معنية به كلية الطب.
الخريطة الجامعية لجامعة قسنطينة
أما الخريطة الجامعية لجامعة قسنطينة فهي مدن الشرق الجزائري: قسنطينة، الأوراس (باتنة)، سطيف، سكيكدة، عنابة، تبسة، بسكرة. وهذه المدن بحسب التقسيم الإداري الموروث، تتواجد بها هياكل التعليم الثانوي؛ بعضها موروث عن الاستعمار الفرنسي؛ كثانوية الحرية، وثانوية يوغرطة، وثانوية رضا حوحو بقسنطينة، وفي عنابة ثانوية القديس أوغسطين.. وفي سطيف ثانوية محمد قيرواني، وبعضها أنجزته الدولة الجزائرية بعد الاستقلال.
لكن الملاحظ أن جامعة قسنطينة بهذه الخريطة في الفترة المذكورة؛ لم تكن تتوفر على تخصصات متنوعة يتجه إليها حاملو شهادة البكالوريا؛ بسبب النشأة الحديثة. وتلبية للرغبة الملحة في تنويع التكوين كانت جامعة الجزائر تغطي نسبة كبيرة من التخصصات، بحكم أقدميتها وتوفر الإطار التدريسي والإمكانيات المادية بها. لذلك كانت مقصد الناجحين في البكالوريا (على قلة عددهم) عبر الوطن، إلا أن أغلب التخصصات بها كانت باللغة الفرنسية بسبب نشأتها في الفترة الاستعمارية عام 1905 وتواصلها باللغة الفرنسية بعد الاستقلال في فترة الستينيات، رغم تعريب بعض تخصصات العلوم الإنسانية.
كما كان التكوين بالخارج ــ كما ذكرت ــ سبيلا لحل مشكلة تزايد أعداد الطلبة ومواجهة نقص الإطار التعليمي من الأساتذة والباحثين؛ تهيئة وإعدادا لمرحلة البناء والتشييد للدولة الحديثة.
الحلقة القادمة: التعاون الأجنبي في مراحل التعليم المختلفة بالجزائر.
كلية الآداب جامعة باجي مختارــ عنابة.
Ailafolk@hotmail.com