أوصــــى أبنــــاءه فــقـــال…

عبد العزيز كحيل/
من خلال تجربتي الفكرية والعملية في الحياة أوصيكم وأوجز، فهي عصارة ليست فلسفية ولا تجريدية بل ميدانية تنفعكم بإذن الله، هي نصيحتك كالثلج، تسقط بلطف وتسكن القلب وتغوص في أعماق العقل.
– دوروا مع الإسلام حيث دار، هو دينكم وهويتكم ومرجعيتكم العليا في الحياة الخاصة والأسرية والعامة، دوروا معه مستصحبين الفهم السليم الذي يقود إلى الاعتدال والوسطية ويُبعد عن الشطط والغلو والتطرف، إياكم والتفريط في الإسلام، لا كله ولا بعضه، وتذكروا قول الله تعالى {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} – [المائدة 49]، لا تداهنوا فيه أحدا ولا تقبلوا بأنصاف الحلول إذا تعلق الأمر بالإسلام.، قال تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم 9].
– حافظوا على صلاتكم في وقتها أكثر من المحافظة على مناصبكم، لن أغضب كثيرا بسبب نتائجكم الدراسية – فكلّ ميسّر لما خُلق له- لكني أغضب كثيرا إذا فرطتم في عباداتكم…لا تتهاونوا عن فريضة ولا راتبة ولا ورد قرآني مهما كانت الظروف، لست ممن يغضبون ويثورون على أولادهم إذا تراجع أحدهم في امتحانه بنقطة في حين لا يقول له كلمة إذا ترك صلاته أو تخلى عن فتح مصحف، فهذه مفارقة مدمرة مرفوضة… ضعوا نصب أعينكم قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران 102].
– كونوا متدينين أصحاب أخلاق، وكذلك أصحاب فطنة وذكاء، فإني منذ أكرمني الله بكم لم أربّكم لتكونوا حمائم المساجد فقط بل لتأخذوا حذركم خارج المسجد – وحتى داخله – من النسور وباقي الجوارح…كونوا متدينين ولا تكونوا أغبياء، فالمؤمن كيس فطن، والإيمان لا يسكن القلب وحده بل يسكن العقل أيضا فيجعله متقدا ينظر بنور الله، وكان عمر رضي الله عنه يقول «لست بالخب ولا الخب يخدعني»، والمعنى: لستُ بالماكر المُخادع -وحاشاه- ولكنَّه لا يُمكن أن يخدعه الماكِر المراوغ؛ فليس المؤمن مخادعا غادرا، كما لا يسمح لغيره أن يغدر به… اقتدوا بالصحابة الكرام الذين كانوا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار، حيث كانوا أبعد الناس عن الدروشة والخمول والسذاجة، واقتدوا بكل حصيف أريب أيا كان.
– لا تقدموا المصالح على المبادئ، قاوموا موجة المادة العاتية التي تضرب القيم في الصميم وتذهب بالدين والأخلاق، تمسكوا بحبل الله المتين في مواجهة الفتن والإغراءات والإكراهات، خذوا بالعزائم ما استطعتم، وتجنبوا الرخص – في هذا الميدان بالذات – فإنها كثيرا ما تورد موارد الهلاك، وعند تشابه الأمور عليكم خذوا بفتاوى العلماء العاملين الأتقياء أصحاب الشجاعة والمواقف والورع، وإياكم وعلماء السلاطين وفقهاء البلاط الذين يرضون المنظومة الحاكمة ولو بإسخاط الله تعالى، وعند الالتباس أعملوا الحكمة الذهبية «استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس»- (هو حديث رواه الإمام احمد وأورده الإمام النووي في الأربعين).
– انهلوا من العلوم طول حياتكم، تخصصوا فيما فتح الله لكم فيه وكونوا أصحاب قدم راسخة في مجالكم، لكن اقطفوا من كل بستان زهرة وألمّوا بما استطعتم من المعارف النافعة، وتذكروا كلمة القاضي أبي بكر بن العربي التي عاب فيها على من لا يحسن إلا ما تخصص فيه، قال «فهو إنسان فيما يعرف حيوان فيما لا يعرف»… وبما أن مفتاح العلوم هو القراءة فاقؤا، طالعوا، صاحبوا الكتب، إياكم وثقافة الجرائد وفيسبوك، وقد رأيتموني منذ وُلدتم لا أفارق الكتب ولا تفارقني، وإذا كان لدي شيء من الذكر الحسن أكرمني الله به بين الناس فبفضل إكبابي على المطالعة مقيما ومسافرا، صحيحا ومريضا، بالعربية والفرنسية، أقرأ كل نافع في أي مجال ومن أي مصدر، والحمد لله رب العالمين، فهكذا كونوا تفلحوا.
– خوضوا عالم السياسة والمال والصحافة والنقابة والعمل العام ولا تنسوا أبدا أن عين الله ترقبكم، فاستصحبوا الإخلاص مع الله والصدق مع الناس، كونوا رجال العمل لا رجال القول، اتركوا عنكم الشعارات مهما كانت براقة، طلقوا لغة الخشب، اعتمدوا لغة الصراحة، أي لغة الأرقام والإحصائيات، ولا تنسوا إذا كنتم مسؤولين عن قطاع من القطاعات {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف 49]، واستحضروا قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق 18].
– اعملوا لآخراكم ولدنياكم…إذا أراد أحدكم أن يكون سياسيا فلْيكن مع الوعاء النظيف النزيه ولا يخالط الأحزاب والشخصيات المعروفة بالفساد فإنه لن يصلحها من الداخل بل هي التي تلوّثه لا محالة…اعملوا لأمتكم وأفيدوا البشرية وانتظروا الأجر من الله وحده.
– إذا تزوج أحدكم فليتزوج امرأة وليس «رجُلة»، أما أنتن يا بناتي فشَرَفُكن وحجابُكن شيء مقدس لا تهزمه موضة ولا أي إغراء.
– وقبل كل هذا أصحوا قلوبكم تصلحْ دنياكم وأخراكم.
– إياكم أن تكونوا من الذين قيل فيهم: «أكلمه عن الأفكار فيكلمني عن الأشخاص، أطرح الحلول فيطرح المشاكل، أرى الفرص المتاحة فيرى تلك التي ضاعت، أركز على الممكن فيقول هذا مستحيل»…لا،عيشوا إيجابيين متفائلين يحدوكم الأمل في الله، {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف 87].
لا أطلب منكم المستحيل، لا أطالبكم أن تكونوا من الملائكة الأطهار، فقط أريد أن تكونوا بشرا أسوياء ومؤمنين في مستوى إيمانكم، دعوكم من التديّن المغشوش والوطنية الزائفة والادعاءات الجوفاء… {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}[التوبة 119].