هل ستنجح الجزائر في إحياء مبادرة السلام العربية ؟
أ. عبد الحميد عبدوس/
عادت القضية الفلسطينية إلى واجهة التداول الإعلامي على المستوى الدولي بعد زيارة الدولة التي قام بها رئيس الدولة الفلسطينية محمود عباس إلى الجزائر ودامت ثلاثة أيام من 05 إلى 07 ديسمبر 2021 ،هذه الزيارة أكدت سعي القيادة الجزائرية إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى صلبِ أولويات الأمة العربية خصوصا وأن الجزائر ستحتضن في شهر مارس المقبل(2022) القمة العربية في دورتها الحادية والثلاثين، وحسب تصريحات سابقة لوزير خارجية دولة فلسطين رياض المالكي فإن : «الزيارة تأتي من أجل التنسيق بين دولة فلسطين والجزائر من أجل أن تكون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى على جدول أعمال القمة القادمة»، أما سفير فلسطين لدى الجزائر، فايز أبو عطية، فقد أكد وجود تنسيق، وأن قمة الجزائر ستكون قمة فلسطينية بامتياز وستكون في مواجهة كل المؤامرات التي قامت بها الولايات المتحدة وإسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية.
وإذا كانت الجزائر التي حاربت الاحتلال الاستيطاني الفرنسي لمدة 132عاما وقدمت ملايين الشهداء في سبيل انتزاع استقلالها ، ما زالت قلعة صامدة في وجه التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وواقفة كعادتها مع فلسطين ومدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة وغير قابلة للتنازل والتقادم في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فقد أصبح عدد متزايد من الدول العربية يهرول نحو التطبيع، وأصبحت مواقف العديد من الانظمة تتهاوى تباعا وتستسهل طعن القضية المركزية للعرب والمسلمين وخيانة الميثاق القومي.
كان من اللافت في زيارة الرئيس الفلسطيني التي شملت الجزائر وتونس لتأمين الدعم العربي للقضية الفلسطينية أن يسقط الرئيس محود عباس المملكة المغربية من جولته المغاربية ،رغم أن حاكم المغرب الملك محمد السادس هو الذي يرأس نظريا لجنة القدس، ولعل سبب تخطي أبو مازن لدولة المغرب راجع إلى الموقف المدان المتمثل في سياسة التقارب والتعاون المتعدد الأوجه بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ونظام المخزن المغربي الذي رفضته شرائح واسعة من مكونات الشعب المغربي.
هذا الموقف الرسمي للنظام المغربي جعل عدة مدن مغربية تهتز تحت أقدام المتظاهرين المغربيين الرافضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب، وأشعل نار غضب شعبي على زيارة وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس للرباط بين 23 و25 نوفمبر 2021 التي مثلت استفزازا غير مسبوق، واستهانة لا حدود لها بكرامة الشعب المغربي ومقدساته الدينية وتضحاياته في سبيل القضية الفلسطينية على مر الأجيال، حيث تعمد وزير الحرب الصهيوني إقامة صلاة يهودية في كنيس «تلمود التوراة» في العاصمة المغربية، للدعاء من أجل الجيش الإسرائيلي الذي اقترف جرائم لا تعد ولا تغتفر في حق كل فئات الشعب الفلسطيني من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، وأباد عائلات بأكملها وأحرق قرى بسكانها .
وإذا كان الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان، قد دعا إلى «الإلغاء التام لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني التوسعي العنصري المحتل، دعما لمقاومة الشعب الفلسطيني في استقلاله وبناء دولته»، ومن جهتها رفضت الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع أن «يكون المغرب مطية للكيان الصهيوني لتحقيق مشاريعه التوسعية في منطقة المغرب الكبير»، فإن رئيس حزب «العدالة والتنمية» المغربي عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة الأسبق حمل الجزائر مسؤولية تطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل قائلا: «علاقات المغرب مع إسرائيل قديمة، لكن لولا الجزائر ما وصلت إلى هذا الحد، وأنا لا أبرر لأي أحد»… وهكذا فإن الحزب «الإسلامي» الذي كان يعتبر التطبيع مع إسرائيل «جريمة وخيانة» ، و«حقوق الفلسطينيين ووضع القدس خطين أحمرين بالنسبة للمملكة» أصبح بعد أن ذاق نشوة السلطة لمدة عشر سنوات( تولى رئاسة الحكومة المغربية من 2011 إلى 2021) يعتبر التطبيع براغماتية سياسية وصيانة للوحدة الترابية للمغرب .
ولعل الجزائر هي من الدول العربية القليلة التي يتناغم فيها الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي بخصوص دعم القضية الفلسطينية، وفي هذا تتطابق مواقف الكثير من السياسيين والعلماء والفقهاء والمثقفين والإعلاميين والفانين والرياضيين، بل وأغلبية عامة الشعب الجزائري في حمل القضية الفلسطينية في قلوبهم وضمائرهم.لقد كان الاستقبال الحافل والبهاء البروتوكولي الذي خص به رئيس الدولة الفلسطينية محمود عباس والوفد الرسمي المرافق له في الجزائر معبرا عن الاهتمام والتقدير اللذين توليهما الجزائر لأشقائها الفلسطينيين قيادة وشعبا.
الرئيس محمود عباس عبر عن سعادته الغامرة بوجوده في الجزائر، البلد الذي احتضن القضية الفلسطينية منذ 1963 أي قبل إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، وقدم لها كافة أشكال الدعم، ـ كما قال ـ وأثنى في البيان المشترك الذي صدر في نهاية زيارته للجزائر على المواقف الجزائرية الداعمة للقضية الفلسطينية في المحافل العربية والإفريقية والدولية وبخاصة تصديها لمحاولات إسرائيل الأخيرة اختراق الاتحاد الإفريقي بمساعدة بعض الدول الحليفة لها.
خلال زيارة الرئيس الفلسطيني للجزائر، قام الرئيس تبون بتوشيح الرئيس عباس بوسام «أصدقاء الثورة الجزائرية»، ومن جانبه وشح الرئيس عباس الرئيس تبون بـ«القلادة الكبرى لدولة فلسطين» وهي أرفع وسام فلسطيني، كما شكر الرئيس عباس الرئيس تبون على قراره تقديم مساعدة مالية بمبلغ مئة (100) مليون دولار لفلسطين والرفع من عدد المنح المقدمة للطلبة الفلسطينيين لتصل إلى 300 منحة. كما تناول الرئيسان مسألة الوحدة الوطنية الفلسطينية واتفقا على ضرورتها وإنجازها في أقرب وقت. وفي هذا الصدد، أبدت الجزائر استعدادها لاحتضان مؤتمر جامع لمختلف الفصائل الفلسطينية لتجسيد هذا الهدف النبيل وتوحيد الصف الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية. وقد ثمن الرئيس محمود عباس عاليا هذه المبادرة التي تشكل استمرارية لمبادرات مماثلة تقدمت بها الجزائر وأفضت إلى قرارات فلسطينية مصيرية على غرار إنشاء دولة فلسطين المستقلة في نوفمبر 1988 بالعاصمة الجزائر.
وبخصوص القمة العربية المزمع عقدها بالجزائر قال الرئيس الجزائري: «لا شكَ أن بلورةَ موقف موحد ومشترك حول دعمِ حقوقِ الشعب الفلسطيني عبر إعادة التمسك الجماعي بمبادرة السلامِ العربية لعام 2002، سيكون له الأثرُ البالغُ في إنجاح أعمالِ هذه القمة».
لقد مرت عشرون سنة على تبني القادة العرب لهذه المبادرة التي تنص على: «التوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد للسلام، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967».
كما أكد البيان الختامي للقمة الإسلامية الرابعةعشرالعادية التي عقدت بمكة في 2019 (1440هـ،) «على رفض أي مقترح للتسوية السلمية،لايتوافق ولاينسجم مع الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشــعب ا لفلسطينــي وفـق ما أقـرته الشرعية الدولية،ولاينسجم مع المرجعيات المعترف بها دولياً لعملية السلام وفي مقدمتها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة».
ولكن بعد عام من هذا الالتزام الصريح من القادة العرب والمسلمين بنصرة الحق الفلسطيني قامت دولتا الإمارات والبحرين في سنة 2020 بتوقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، ثم التحقت بهما في نفس السنة كل من السودان والمملكة المغربية رغم عدم ظهور أية مؤشرات على قبول دولة الاحتلال الإسرائيلي بمقترح حل الدولتين، أوحتى الاستعداد من طرفها لمناقشة مبادرة السلام العربية.
هذه الانتكاسة الكبيرة في المواقف العربية، والشرخ الفادح في الصف القومي يشيران إلى مدى صعوبة العودة إلى الالتزام بمبادرة السلام العربية التي كانت تعتبر في وقتها الحد الأدنى في سقف الجهود العربية لنصرة القضية الفلسطينية.