الغرب في مواجهة النماذج الحضارية المخالفة

أ. عبد القادر قلاتي/
في البرنامج الأسبوعي «المقابلة» الذي يقدمه الصحفي علي الظفيري في قناة الجزيرة، ذهب الضيف ألكسندر دوغين المفكر الروسيّ، والعقل المفكر للسياسة الروسية إلى أنّ التحوّل الكبير الذي سيعرفه العالم في السنوات القليلة القادمة، هو الانحسار الكبير للنموذج الغربي في السياسة والاقتصاد، وأنّ طريقاً جديداً سينتهجه العالم الذي يستند إلى حضارات أخرى مخالفة للغرب، مثل الصين والعالم الإسلامي، سيكون الخيار الذي سيلعب دوراً كبيراً في هذا الانحسار، وأشار دوغين، إلى القوة التي يملكها الإسلام كدين وحضارة، رغم الضعف الواضح في سياسات الدول المنتسبة لهذا المجال الجغرافي الهام، داعياً إلى حلف جديد ضدّ الغرب الليبرالي الذي فرض نموذجه الحضاري بالقوة والضغط والهيمنة، تكون الصين والعالم الإسلامي (تركيا وإيران والسعودية)، قاعدته السياسية والاقتصادية، لصدّ هيمنة الغرب وفرض نموذجه في العالم، وأشار المفكر الروسي الكبير، إلى استحالة قبول العالم الإسلامي النمط الحداثي الغربي، للاختلاف الجذري في النّظر إلى الحياة عامة، معللا ذلك بالخصوصية الحضارية للعالم الإسلامي الذي يستند إلى منظومة «الشريعة» كتصور عام لجوانب الحياة، في السياسة والاجتماع والاقتصاد، وكذلك الصين التي ما زالت -رغم الاختراقات الغربية في نموذجها الحضاري – تستند -هي الأخرى – لقيم محلّية ما تزال -أي هذه القيم – تملك القدرة على الاستمرار والقبول عند الفرد الصيني، ولم يمنع هذا الصين من أن تتحوّل إلى قوة اقتصادية كبيرة يقف عندها الغرب عاجزاً عن الفهم والاستيعاب، بل وخاضعاً في الكثير من الأحيان لسياساتها الدولية، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يظل النموذج الغربي مستحوذاً على المجال السياسي الدولي، ويمارس كلّ أشكال الهيمنة على العالم،
قد تكون أفكار ألكسندر غير جديدة على المتابع للشأن السياسي والفكريّ، لكن أن تتحوّل هذه الأفكار إلى مشروع فكري يجد القبول عند النظم السياسية الكبرى، مثل روسيا والصين وتركيا وإلى حد ما إيران، وربما عند السعودية التي يبدو لنا الأمر مستحيلاً اليوم لكن لا نعرف ما الذي سيجري في العالم مستقبلاً من تحوّلات سياسية واقتصادية، ربما تجعل -ما يبدو اليوم مستحيلا – أمراً طبيعياً ومقبولاً عندما تزول العوارض التي تقوم حائلاً دون قبول هذا الرأي.