في رحاب الشريعة

الحـــذر من دسائس الكفار ودراســــة التاريـــخ لليقظـــة والاعتبار

أ. محمد مكركب/

كم هي الدسائس والمكائد التي دبرها وحاك خيوط مصائدها الكفار وأعوانهم من شياطين الجن والإنس؟ وكثير من الشباب والأمراء لا يزالون يراوحون مكانهم لا يتعظون من الرجفات والنوازل والآيات. لا يزال الكفار يشعلون نار الحقد بين الشعوب المسلمة، يدسون لهم المكائد، ويفجرون بينهم نار الفتن. الكفار يخفون المكر والخداع، ويقدمونه عن طريق الإعلام في صورة نصيحة شيطانية. قال الله تعالى:﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:217] والذي نتأسف له أنه مازال من تنطلي عليه سياسة الكافرين، حتى ترك الغافلون إخوانهم، وعادوهم بل وقاتلوهم وصاحبوا الكفار من اليهود والنصارى وظاهروهم.!!
هذه دعوة صارخة بالخير والنصح والعظات، دعوة الماشين في مناكب الأرض، إلى فقه الاعتبار بما حدث ويحدث في حركات الكائنات، تعالوا لنتعلم من عبر وآيات التاريخ، والكون، والوحي، والنفس لنتعلم كيف نستيقظ ونعود إلى نهج الصالحين المصلحين، وحتى لا تنطلي علينا حيل الكافرين، الذين جعلونا نعادي بعضنا ونقاتل بعضنا وهم يتفرجون!
ذلك لأن كثيرا من الشباب انحرفوا بسبب غرقهم في التقاليد واللامبالاة، وانساقوا وراء الفكر المادي أو الحروري، بين التنطع والتمرد، عن غير قصد منهم ولا عمد، ولكنهم وقعوا في الانحراف، انحراف مخدرات، أو انحراف أزمات، لعلل أصابتهم بسبب الغفلة والصد عن مدرسة الاعتبار، هجروا العلماء فوقعوا في البلاء.
كما أن هذا المقال دعوة للسياسيين، المسؤولين في تسيير المجتمع والدولة، دعوتهم إلى الاعتبار بالنوازل والأحداث والابتلاءات، إلى متى والخطيئات تترا والفتن تتوالى على هذه الشعوب بسبب تكريس السلبيات. هل ما زال من السياسيين من لا يعلم بأن كل الكفار ملة واحدة ولا يريدون الخير للمسلمين؟؟ قال الله تعالى:﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[البقرة:105]. والذي مازال يظن الخير في التطبيع مع الكفار، مازال ضحية دسيسة الشطار، من عصابات الأشرار، إنها الغفلة أيها الناس.
هذه دعوة إلى هجران أسباب الغفلة والتيه والحيرة، هي دعوة إلى دراسة التاريخ والاعتبار بما فيه من الإيقاظ والتنبيه.
ألم تروا أنه كلما حدثت نازلة، أو عادت ذكراها إلى واقع الناس وحاضرهم، كلما اختلف الناس في التعامل معها. منهم من تعلم واستفاد، واهتدى بمعالم الرشاد، ومنهم من تغافل كحال الجماد، والله تعالى يقول: ﴿فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ﴾[الحشر:2] قال القرطبي: {اتَّعِظُوا يَا أَصْحَابَ الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ. وَقِيلَ: يَا مَنْ عَايَنَ ذَلِكَ بِبَصَرِهِ، فَهُوَ جَمْعٌ لِلْبَصَرِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الِاعْتِبَارِ هُنَا أَنَّهُمُ اعْتَصَمُوا بِالْحُصُونِ مِنَ اللَّهِ فَأَنْزَلَهُمُ اللَّهُ مِنْهَا. وَمِنْ وُجُوهِهِ: أَنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ. وَمِنْ وُجُوهِهِ أَيْضًا: أَنَّهُمْ هَدَمُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ. وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِغَيْرِهِ اعْتُبِرَ فِي نَفْسِهِ (بنفسه). وَفِي الْأَمْثَالِ الصَّحِيحَةِ:» السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ»}(القرطبي:18/5) وفي اللغة: اعتبر به، أي اتعظ به، واستنار به فكره.
فالعبرة الاتعاظ بالقصص والأحداث والنوازل والذكريات، عن طريق الاستفادة من الدروس التطبيقية العملية الظاهرة في سلوك الناس،
لكن لماذا لا يستفيد كثير من الناس، بل الغالبية العظمى لا يعتبرون، ويكررون الأخطاء والخطيئات والمآسي والنكبات؟ ذلك لعدم التوبة الإيمانية والاجتماعية والعلمية، ويغرقون في الغفلة الجاهلية.
فما هي أسباب الغفلة؟ التي تجعل بعض الناس لا يعتبرون؟ لقد سمع المنتمون للإسلام حكاما وعلماء وعامة، عن الفتنة الكبرى ومآسيها ومصائبها وبلائها العظيم، ومع ذلك كرروها عشرات المرات، وكأنهم لم يسمعوا عنها حَدَثًا ولا رأوا فيها آيات، وعادوا إلى غفلتهم في النزاع والمنكرات، أسقطوا الخلافة لحبهم الزعامة، وانقسموا إلى ممالك، والممالك إلى طوائف، وقبائل، وأحزاب، وشاركوا بأيديهم في إضعاف بلدانهم.
فقد أخذوا درسا قاسيا ولا أقسى منه في التاريخ الإسلامي، بعد الفتنة الكبرى، وهو انكسارهم وخروجهم من الأندلس مطرودين، فقد كان المسلمون في العهد الأندلسي يقودون الحضارة العالمية، من غرناطة وقرطبة وإشبيلية، فأمسى الغافلون من المنتمين للإسلام بعد نكبة الأندلس، صاروا في ذيل الركب العلمي والمدني!!. ثم إن الشمال الإفريقي بالذات لم يستفد من العِبَرِ والعظات، بسبب تهميش وإبعاد المصلحين العلماء، وتولية وتقريب الغافلين السُّذَجاء. فما هي أسباب الغفلة التي تحجب العقل عن العبرة التاريخية، بل وعن الآيات القرآنية؟ حتى يصدق الكذوب، ويكذب الصادق، ويمدح الخائن، ويذم الأمين؟ سَنُجمل أسباب الغفلة في ثلاثة أسباب.
السبب الأول: هجرة التعلم، لقلة الصبر، ولعلة الاستنكاف، كان بعض الأمراء يكرمون العلماء الفقهاء، حتى وصل أحد الخلفاء الحكام الذين يحبون العلم، ويعملون بالعلم، بأن يعطي مَنْ ألف كتابا في العلم الصالح، أن يكرمه بوزنه ذهبا، ثم خلف من بعدهم خلْف صاروا أعداء للعلماء، يهينون العلم وأهله، ويتخذون بطانة من دونهم، ويكرمون اللاهين والعاجزين والمغنين. إنه هجران التعلم، والدعوة إلى اللهو والملاهي.
حتى صار بعض الشباب منذ عصر الانحطاط وهم يقولون بلسان أو بآخر لظروف التجهيل والتشريد الممارس عليهم، ولظروف الاحتقار والاستعباد المسلط عليهم، لظروف الإهمال صاروا يقولون: اللي {قرا واش دار} لَمَّا رأوا العلماء يُهَانُون، والجهلاء يكرمون. وبعض الحكام منذ عصر الانحطاط وهم يقولون: {بأنهم لا يحتاجون إلى من يعطيهم دروسا} فكان ذلك أكبر سبب للسقوط في حفر الغفلات، وهو أن الغافلين لا يتعلمون، ويرفضون من يعلمهم وينصحم، ولذلك لايستفيدون من التاريخ ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ﴾[يونس:92] والغفلة: عبارة عن عدم التفطن للشيء، وعدم عقليته بالفعل. والغافل يريد امتلاك الدنيا بلا علم ولا عمل، وإنما يعتمد الحيل المحرمة ليحقق آماله التي لا حدود لها، وقديما قيل:{آمال الجاهل تكسبه الغفلة فتعقبها الحسرة} ومن الغفلة: متابعة النفس على ما تشتهيه ولو من الحرام، ومن الغفلة إسراف الوقت في اللهو والغرام، وبسبب الغفلة ضيعوا الخلافة، وضيعوا كثيرا من الأراضي والمكاسب، والسيادة والكرامة والمراتب.
لو دَرَسَ الشباب تاريخهم عن طريق العلماء لخرجوا من ظلمات التيه والشتات، واستغنوا عن الحراقة والمغامرات، واتبعوا سبيل الرشد بالعبر والآيات. ولو تعلم الحكام والملوك والأمراء، والولاة والوزراء، لو تعلموا ودرسوا تاريخهم، وتدبروه حق التدبر، لارتقوا إلى مراتب الحكماء الأذكياء من السياسيين العظماء. فلما هجروا التعلم والاستشارة والشورى، وهجروا مجالسة العلماء تجدهم يسقطون من يوم لآخر في كمائن الفتن، ومصائب البلاء، بما يصيبهم من كمائن دسائس الكافرين.
وفي المقال الآتي إن شاء الله تعالى سنبين السببين الثاني والثالث من أسباب الغفلة، وأسباب انطلاء الحيل الماكرة على العقول الغافلة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com