الغش المقنن متواصل
علي أوحيدة*/
لما فشلت الوزيرة: بن غبريط في الغاء امتحان (السانكيام) في نهاية المرحلة الابتدائية التجأت إلى أسلوب مخادع تمثل في اختبار المترشحين في مدارسهم الأصلية مع الإبقاء على نفس الطاقم الإداري ابتداء بالمدير الذي سيتولى مهمة رئيس المركز، كما ستلتزم مدارس التعليم الخاص بنفس الإجراءات، وبررت هذه الإجراءات بحجج واهية ووهمية بغية تمرير هذا القرار، قرار يدفع الكبار إلى الغش قبل الصغار، ولهذا بارك هذه الخطوة أولياء التلاميذ والمديرون والمعلمون، دون أن يعلموا أن هذه الطريقة تقود المدرسة إلى هُوَّةٍ عميقة بعد أن يصبح الغش أمرا طبيعيا وعاديا، ودون أن يعلم هذا الكل أن هذه الطريقة جُرِبَّت في الستينيات ثم ألغيت بسبب انتشار الغش بين الكبار قبل الصغار، واستبدلت بتجميع المترشحين في مراكز كبرى وترتيبهم حسب الحروف الأبجدية رغبة في توفير تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين وامتناع الكبار عن مساعدة الصغار، لأن بقاء الممتحنين في مدارسهم الأصلية يدفع معلمي هذا المركز أو غيره إلى التواصل مع الحراس ليساعدوا تلاميذهم، أما مدير المركز والطاقم الإداري المختار من طرفه فيغضون الطرف عن تصرفات الحراس لتتحصل مدرسته على نتائج مرضية وينجو من فضائح النتائج السلبية الدالة على التهاون والكسل وعدم الجدية في العمل، والكل من أصحاب الميدان يعرفون هذا، ولكنهم تواطؤوا وسكتوا عن قول الحق خوفا من النتائج السلبية التي تميز بين هذه المدرسة وتلك، وتفرق بين الضعيف والممتاز من التلاميذ ويصبح بعض المعلمين والأساتذة أضحوكة يتندّر بها الجميع. ولهذا السبب صمتوا وسايروا التيار الجارف للمدرسة، لأن هذا الكل من أصحاب الميدان وغيره يعلم علم اليقين أن نجاح المدرسة يتوقف على الجد والجدية والمثابرة المستمرة والتنافس عن طريق امتحانات صارمة تفرق بين الممتاز وغيره من المتعلمين، وتميز بين المؤسسات التربوية والأساتذة والمعلمين، فإن كان هذا النهج هو عين الصواب، وهذا الشرط – شرط التنافس – هو الطريق السليم لنجاح المدرسة، فلماذا نسكت عن القرارات الارتجالية الفردية التي تقود المدرسة إلى هُوَّةٍ لا قرار لها؟. ولماذا نقبل امتحانات صورية تسوي بين الجميع وتعطي الشرعية للغش؟ ولماذا نسوي بين المجد والمتهاون من المعلمين والأساتذة؟ ولماذا نتساهل مع التلميذ والطالب في الامتحانات والانتقال من مستوى إلى آخر؟ أم أن المتربصين بالمدرسة يخططون لإضعافها أولا، ثم يقومون بتحقيق مآربهم؟ بل يريدون تقويض أركانها من الداخل بحجج المساعدة والمرافقة والرفق بأبنائنا، وعن طريق هذه المبررات يُدسُّ السُّمُّ في الدّسم!… أمر هؤلاء القائمين على التربية غريب وعجيب يتفطن له الأبله والمغفل قبل اللبيب! … فكيف لا يشعر به من تحمل أمانة التربية والتعليم، أمانة الأجيال الصاعدة، أمانة الجزائر؟!.. والسؤال: كيف تنجح مدرسة إذا كان المعلم يبني وغيره يُهَدِّمُ ؟…
فالمتربصون بالمدرسة كثر منهم: الموالون لفرنسا وثقافتها والأحزاب، والنقابات، وكثير من أصحاب الميدان الذين يعرفون الحقيقة كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم فضلوا الصمت والسكوت، لأن ابن غبريط عكست الحقيقة: فالأستاذ يعلم والمدير يعاقب على النتائج السلبية، أي قالت للمدير بأسلوب مباشر: عليك أن تتساهل مع الحراس، وتترك الكل يغش حتى لا تلاحقك العقوبات، إنه منطق معكوس. ولكن النقابات لم تتكلم عن هذا المنطق المعكوس، لأن هدفها هو التملق والتزلف والتذلل للإدارة. أما التربية فليست من اهتماماتها، أو هدفها المقصود، ولهذا باركت القرار الذي يلغي (السانكيام) دون ترو، أو تشاور، أو تأن. عجبا لهذه الكائنات التي التحقت بالأحزاب المدجنة.
مما سبق يبدو أن الأسباب المباشرة التي أدت إلى تدني مستوى التعليم في جميع مراحله وظهور العنف والإجرام في المؤسسات التربوية، وتمرد الطلبة، يرجع إلى المسؤولين المباشرين على المنظومة التربوية من الوزير إلى المعلم، أسباب يمكن التخلص منها إذا صدق الكل في مسعاه، صدق المشرفون وأصحاب الميدان، وعرفوا كيف يبنون المناهج، ويؤلفون الكتب، ويحضرون الوسائل، ويكوّنون المعلم والأستاذ ويقننون عمليات الاختبارات والامتحانات والانتقال من مستوى إلى آخر …. الخ.
هذا رأي…. ومن له غيره عليه أن ينصح أو يصحح أو ينتقد وسأكون له من الشاكرين اليوم وغدا.
*مفتش التربية والتعليم
الابتدائي سابقا