اليوم العالمي للغة العربية/ الشيخ أحمد ظريف

إنّ يوم 18 ديسمبر 2017م هو اليوم العالمي للغة العربيّة، والجزائريّون – قبل أن يكونوا أعضاء في جمعيّة العلماء المسلمين – مدعوون لإحياء هذا اليوم، فكيف إذا كانوا أعضاء في الجمعيّة وما تعنيه اللغة العربيّة للجمعيّة فهي ثالثة المقوّمات الأساسيّة، وقبل ذلك وبعده فالعربيّة تعني كلّ مسلم بما أنّ كتابهم الأوّل بلسان عربيّ مبين {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }[يوسف:2]. فمن واجبنا نحن أبناء جمعيّة العلماء إعطاء هذا اليوم ما يوجبه الدين والوفاء له، خصوصا أنه يأتي في وقت تزداد فيه مضايقة اللغة العربيّة في أهمّ معاقلها وهي المدرسة، ونحن نعلم أنّ المسلمين من غير العرب لهم اهتمام كبير بلغة القرآن الكريم، يطلبون ويسعون لتعلّمها وتعليمها، بل وكثير منهم يكتبون لغاتهم بالحرف العربيّ، كإيران وباكستان، تركيا العثمانيّة، وكثير من بلدان إفريقيا قبل الاستعمار.
ويجب أنّ تكون مدارس الجمعيّة في هذه المناسبة مكانا لتنظيم أنشطة متنوّعة لتعريف التلاميذ، بل ومساهمتهم بـ: مختارات- خطوط- تنظيم مسابقات، ممّا يستدعي شيئا من التنظيم والتحضير، وهذه بعض النصوص:
“فقد فتح القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للغة العربيّة أبوابا كثيرة من فنون القول، فعولجت فيها أمور لم تكن العربيّة لتعنى بعلاجها من قبل، وذلك كمسائل القوانين والتشريع والقصص والتاريخ والعقائد الدينيّة والجدل فيما وراء الطبيعة والإصلاح الاجتماعي، والنظم السياسية وشؤون الأسرة وأصول القضاء والمعاملات، ودراسة مظاهر الفلك والطبيعة والحيوانات والنبات…؛ كما أضيفت إلى هذه الأغراض فيما بعد أغراض أخرى كثيرة يرجع الفضل فيها إلى انتشار الإسلام، واتّساع المملكة الإسلاميّة، وارتقاء مظاهر المدنيّة وما ورثه العرب عن الأمم التي دانت لسلطان الإسلام، وما اقتبسوه من لغاتهم، وترجمت من مؤلّفاتهم في مختلف الشؤون”. الدكتور علي عبد الواحد، فقه اللغة، ص: 114.
“لغة الأمّة هي ترجمان أفكارها وخزانة أسرارها والأمّة الجزائريّة ترى في اللغة العربيّة – زيادة على ذلك القدر المشترك- أنّها حافظة دينها، ومصحّحة عقائدها، ومدوّنة أحكامها، وأنهت صلة بينها وبين ربّها، تدعو بها وتعترف وتبوء بها إليه فيما تقترف وتؤدّي بها حقوقه، فهي لذلك تشدّ عليها يد الضنانة، وما تودّ أنّ لها بها لغات الدنيا، وإن زخرت بالآداب وفاضت بالمعارف وسهّلت سبل الحياة، وكشفت عن مكنونات العلم، فإن أخذت بشيء من تلك اللغات فذلك وسيلة إلى الكمال في أسباب الحياة الدنيا، وأمّا الكمال الروحاني والتمام الإنساني فإنّها لا تنشده ولا تجده إلاّ في لغتها التي تكوّن منها تسلسله الفكري والعقلي، وهي لغة العرب فإذا حافظ الزنجي على رطانته، ولم يبغ بها بديلا، وحافظ الصيني على زمزمته فلم يرض عنها تحويلا، فالعربي أولى بذلك، وأحقّ لأنّ لغته تجمع من خصائص البيان ما لا يوجد جزء منه في لغة الزنج أو لغة الصين، ولأنّ لغته كانت في وقت ما لسان معارف البشر وكانت في وقت ما ترجمان حضارتهم، وكانت في وقت ما ناقلة فلسفات الشرق وفنونه إلى الغرب” الإمام محمّد البشير الإبراهيمي.
ويقول: “قامت العربيّة في أقلّ من نصف قرن بترجمة علوم هذه الأمم ونظمها الاجتماعيّة وآدابها، فوعت الفلسفة بجميع فروعها والرياضيات بجميع أصنافها والطب والهندسة والآداب والاجتماع، وهذه هي العلوم التي تقوم عليها الحضارة العقليّة في الأمم الحاضرة والغابرة، وهذا هو التراث العقلي المشاع الذي ما يزال يأخذه الأخير عن الأوّل، وهذا هو الجزء الضروري في الحياة الذي إما أن تنقله إليك فيكون قوّة فيك، أو تنتقل إليه في لغة غيرك فتكون قوّة في غيرك، وقد تفطّن أسلافنا إلى هذه الدقيقة فنقلوا العلم ولم ينتقلوا إليه…”.
ويقول الإمام الإبراهيمي أيضا:
“يقول المستعمرون عنّا أنّنا خياليون وأنّنا حين نعتزّ بأسلافنا نعيش في الخيال ونعتمد الماضي ونتّكل عليه، يقولون هذا عنّا في معرض الاستهزاء بنا أو في معرض التنصّح لنا، أو في معرض النصح لنا، إنّهم يريدون أن ننسى ماضينا فنعيش بلا ماض حتّى إذا استيقظنا من نومنا أو من تنويمهم لنا لم نجد ماضيا نبني عليه حاضرنا، فاندمجنا في حاضرهم، وكلّ ما يريدون إنّهم يخلّدون عظماءهم في الفكر والأدب والفلسفة والفنّ والحرب، إنّهم لا ينسون الجنديّ ذا الأثر، فضلا عن القائد الفاتح، وهذه تماثيلهم تشهد، وهذه متاحفهم تردّد الشهادة”.
ويقول أيضا: “اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبةً ولا دخيلة، بل هي في دارها، وبين حماتها وأنصارها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي، مشتدة الأواخي مع الحاضر، طويلة الأفنان في المستقبل، ممتدة مع الماضي لأنها دخلتْ هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحين ترحلَ برحيلهم وتقيم بإقامتهم. فلما أقام الإسلامُ بهذا الشمال الأفريقي إقامةَ الأبد وضربَ بجرانه فيه أقامتْ معه العربية لا تريم ولا تبرَح، ما دام الإسلام مقيمًا لا يتزحزح، ومن ذلك الحين بدأت تتغلغل في النفوس، وتنساغ في الألسنة واللهوات، وتنساب بين الشفاه والأفواه. يريدها طيبًا وعذوبة أن القرآن بها يُتلى، وأن الصلوات بها تبدأ وتُختم، فما مضى عليها جيل أو جيلان حتى اتسعتْ دائرتها، وخالطت الحواس والشواعر، وجاوزت الإبانة عن الدين إلى الإبانة عن الدنيا، فأصبحت لغة دين ودنيا معًا، وجاء دور القلم والتدوين فدوّنت بها علوم الإسلام وآدابه وفلسفته وروحانيته، وعرف البربر على طريقها ما لم يكونوا يعرفون، وسعتْ إليها حكمة يونان، تستجديها البيان، وتستعديها على الزمان، فأجدت وأعْدت. وطار إلى البربر منها قبس لم تكن لتطيره لغة الرومان، وزاحمت البربرية على ألسنة البربر فغلبتْ وبزت، وسلّطت سحرها على النفوس البربرية فأحالتها عربية، كل ذلك باختيار لا أثر فيه للجبر، واقتناع لا يد فيه للقهر، وديمقراطية لا شبح فيها للاستعمار. وكذَب وفجَر كل من يسمّي الفتح الإسلامي استعمارًا. وإنما هو راحة من الهم الناصب، ورحمة من العذاب الواصب، وإنصاف للبربر من الجوْر الروماني البغيض.
من قال إن البربر دخلوا في الإسلام طوعًا فقد لزمه القول بأنهم قبلوا العربية عفوًا، لأنهما شيئان متلازمان حقيقة وواقعًا، لا يمكن الفصل بينهما، ومحاول الفصل بينهما كمحاول الفصل بين الفرقدين.
يقول عنه الأستاذ بوعلام بسائح:
“لقد ملك ناصية اللغة العربيّة فكان خبيرا بأسرارها، ضالعا في أساليبها، بارعا في فنونها وآدابها له عليها سلطة وسلطان تطاوعه كلما عالج موضوعا من المواضيع وتنقاد له كلما اتّخذها أداة للمحاججة والجدال، ليست طريقته في الكتابة أسلوبا يحتذى به فحسب، وإنّما هي مدرسة ونموذج، وشرعة في جزالة الألفاظ، ومتانة العبارة، وقوّة الحجّة، فهو الساخر اللاذع إن رام أسلوب السخريّة والهزل، ولكنّه يعرف حين يسخر كيف يحتفظ بطابع اللباقة الذي يضفي على حكمه وقراره مزيدا من الحدّة والطلاوة، أمّا إذا حاد عن سبيل السياسة وسلك سبيل الأدب الرفيع، فإنّ له في سبك الألفاظ وحيك المعاني مقدرة لا تضاهي، يأتي فيها بما يسمّيه نقّاد الأسلوب العربيّ بالسهل الممتنع”.