الرسائل المجهولة، والوشاية الشيطانية

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
الفتوى رقم: 535
الســـــؤال
قال السائل (م.و.ل) من الغرب الجزائري: وهو موظف بدائرة إدارية، قال: رأى موظفا ترك العمل في ساعة المداومة، ولم يعلم ما هو السبب، فكتب رسالة مجهولة بعد يومين، ولم يذكر اسمه، ولا التاريخ الذي رأى فيه غياب زميله، وأرسلها إلى الإدارة، ووضعها المدير في ملف الموظف المتهم، وتبين فيما بعد أن الموظف غاب عن العمل لموعد مع الطبيب لخطر حل بابنه، وأخبر رئيس المصلحة بذلك وأذن له رئيس المصلحة في حدود مسؤوليته، ولكن المدير لم يستوضح الأمر من رئيس المصلحة، وكانت النتيجة أن الإدارة عاقبت رئيس المصلحة، بحرمانه من مرتب يومين، وطرد الموظف!! يقول السائل: فهل كنت أنا السبب في ذلك؟ وهل عملي هذا مشروع أم هو مخالف للشرع؟ وأصارحك سيدي أنني ندمت ندما شديدا، وأريد أن أتوب إلى الله تعالى، ولكن لا أستطيع كشف حالي للإدارة ولا للموظف المظلوم.
الجـــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: ما كان لك أن تكتب رسالة مجهولة، فالرسائل المجهولة من أعمال المجهولين، وهو مهما كان من أعمال النميمة، والدسائس، ومن التحريش. والرسائل المجهولة، مثل رسالة السائل من علامة الغيرة، والحسد، والحقد والجهل. وما كان يجوز للإدارة أبدا أن تؤسس قرارا، أو تتخذ موقفا بناء على الرسائل المجهولة، ولو كانت ألف رسالة!! يكفي أن يقال عن الرسائل المجهولة، إنها مجهولة!!
قال الله تعالى:﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ [سورة القلم:10/12] ويقال للإدارة (وفق رسالة السائل) المفروض أن الرسائل المجهولة لا تعتبر شيئا أبدا، وكأنها لم تكن، ثم أما قرأتم قول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ وهذا معناه حتى وإن جاء صاحب الرسالة إلى الإدارة وسلمها بنفسه وقابل المسؤول، وكلمه، كان بعد ذلك تطبيق الأمر الوارد في الآية. وهو: التبين، والتثبيت.
فعلى الناس أن يتعظوا ويخافوا ربهم سبحانه وتعالى، فكم من الأبرياء ظلموا واتهموا، واسودت مَلَفَّاتُهم بسبب الرسائل المجهول، أيها المجهولون!! برسائل الحقد التي يكتبها الجاهلون النَّمَّامُون، ويعمل بها الجاهلون ويبنون عليها أحكاما على الناس، والله تعالى يقول: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ ماذا يقول المسؤول الإداري الذي يحكم على الناس أو يشك في الناس أو يتهم الناس، أو يملأ ملفاتهم بالرسائل المجهولة والاتهامات دون تحقيق مع صاحب الرسالة، أولا، فإذا لم يكن يعلم صاحب الرسالة، كيف تطاوعه نفسه أن يحترم ورقة مجهولة؟ وقبل القرار أن يتحقق مع المعني؟ والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: قال السائل: (ندمت ندما شديدا، وأريد أن أتوب إلى الله تعالى، ولكن لا أستطيع كشف حالي للإدارة ولا للموظف المظلوم) أقول له: لا يكفيك الندم وعليك أن ترد حقوق الناس الذين ظلمتهم. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ – أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ – مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ](مسلم:45).
هل ترضى لنفسك أن تتهم كما اتهمت زميلك في العمل، وكنت سببا في حرمانه من وظيفته. ومن شروط التوب أن تصلح ما أفسدت. قال الله تعالى:﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
شروط التوبة بين العبد وربه سبحانه وتعالى:
أولا: الإقلاع عن المعصية، أن تنتهي عن عمل النميمة، والوشاية، والرسائل المجهولة التي تعتبر من النزغ، ومن أعمال الشياطين.
ثانيا: الندم الشديد بنية الرجوع إلى طريق الهداية النبوية، والهداية النبوية ليس فيها غيبة ولا نميمة ولا رسائل مجهولة.
ثالثا: العزم على عدم العودة إلى كل ما هو مخالف للتقوى.
والشرط الرابع حين تتعلق المعصية بحقوق الناس، كحال هذا السائل. الذي اتهم أخاه المسلم الموظف بالباطل برسالة مجهولة، واتهام الناس أو الإخبار عنهم برسائل مجهولة لا يعمله مؤمن، لأن المؤمن لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وهو لا يحب لنفسه أن تكتب عنه الرسائل المجهولة، فلماذا تفعل للناس من المنكر الذي لا تحبه لنفسك؟؟ فعليك في هذه الحال أن تذهب إلى ذلك الموظف وتطلب منه السماح والعفو، وأن تسعى بكل جهدك لاسترداد حقوقه التي ضاعت بسبب وشايتك؟ والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم