في رحاب الشريعة

داء الاستكبار بين وهـــم النفوس ونسيان الاعتبار

أ. محمد مكركب/

قد تصاب النفوس البشرية بكثير من الأدواء والإعياء كالشح والغيرة والحسد والرياء وكثير من شرور البلاء، وإن كانت هذه العلل من أشد الأدواء، فإن أقساها وأخطرها على النفس هو داء الاستكبار، لأنه أخو الحماقة، التي أصيب بها فرعون، وهامان، والسامري، وأبولهب، وكل من طغى وبغى وخان أمته ووطنه، كان سببه داء الاستكبار، ذلك الداء الذي أول من أصيب به إبليس لعنه الله وأخزاه، فكان إبليس زعيمَ الأشرار وكانت النار مثواه.
والمتمردون المصابون بداء الاستكبار لا يعتبرون بغيرهم، ولا يتعلمون، ولا يسمعون النصيحة، ويسأل الناس ويتساءلون بحيرة واستغراب عن الخلل النفسي الذي أصاب طغاة الفكر الوهمي في العالم، لماذا تركوا طريق الخير والحب والتعاون الإنساني، تركوا حدائق المودة والرحمة والحنان وحياة الأمن والإيمان، واختاروا طريق الشرور والأحقاد ونيران العداوة والعناد.
والجواب: إن داء الاستكبار عندما يتمكن من أنفس الجاهلين تعمى قلُوبهم، وبسبب ذلك العمى الذي ضرب قلوبهم، يصير عندهم طريق الحق باطلا، وطريق الباطل حقا، فالذي لا يعرف خطورة داء الاستكبار فيهم يتعجب ويستغرب، كيف يبذلون جهودا كبيرة، ويصرفون أموالا طائلة، من أجل إيذاء وطنهم؟ وتجد المستكبر الذي أصابته عدوى السامري، يفرح عندما يسمع أو يرى مصيبة حلت بوطنه.
قال محاوري: وهل ينفع العلاج بالموعظة لهؤلاء المستكبرين الذين يسيئون لأوطانهم، وللإنسانية بسلوكهم العدائي؟ قلت: من يقرأ التاريخ على مستوى العالم، ولو في العصر الحديث، كدراسة أحداث الحربين العالميتين، يجد أن زعماء الفتن الذين يدعون إلى نيران الطغيان، ما تابوا ولا استجابوا، ولكن من الذي كان الخاسر الأكبر؟؟، هم الذين اتبعوهم في نيرانهم وأحقادهم، فَقُتِل أكثر من ستين مليون نفس في الحربين العالميتين.
قال محاوري لماذا؟.. قلت: مازلت تسأل.؟ إن دعوتنا ونصيحتنا لمن مازال يسأل مثلك ويريد أن يعلم الحق ليتبعه، وأن يختار طريق الحب والتعاون، وأن لا يتعجب من زعماء الشر، إنما التعجب في من يتبع طريق الشر وهو يعلم أنه طريق الشر. فمن منا لا يعلم بأن الأخوة والتآلف خير، وأن العداوة والتفرق شر. من منا لا يعلم هذا؟؟.
لقد أرسل الله سبحانه وتعالى موسى عليه الصلاة والسلام ليدعو الناس إلى الإسلام. فقال:﴿يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ﴾(يونس:84 ـ 86).
ورغم الآيات والأدلة والبراهين التي جاء بها موسى عليه السلام، فلم يستجب له فرعون ولا هامان ولا قارون ولا الجنود الجاهلين الذين كان مصيرهم الغرق مع فرعون.
قال الشاعر عن الحمقى عندما يدخلون ظلمات الاستكبار، والخيلاء والعجب [فَلاَ تَذْهَبْ بِعَقْلِكَ طَاخِيَاتٌ … مِنَ الْخُيَلاَءِ لَيْسَ لَهُنّ بَابُ] ما هو سبب داء الاستكبار والتمرد على المجتمع وطغيان الحرابة؟ ثلاثة أسباب:
أولا: حب المال، فالمتمردون يحبون جمع المال ليرتعوا في مستنقعات الشهوات كما يشاءون، فكل مترد من الذين يخونون دينهم وبلادهم، ويتلذذون بفعل الشر، لا يشبعون من المال. وحب المال سبب تجارتهم بالمخدرات، أو التواطؤ مع تجار المخدرات.
ثانيا: حب الزعامة والتميز السامري، والكِبْر الفرعوني، إنه مرض الخيلاء، والخيلاء ثوب الجهلاء. إلا أن هناك فراعنة كبار في الفرعونية، وهناك فراعنة صغار، ولكنهم مصابون بنفس الداء.
وثالثا: حب الإباحية والتمرد على القيم والأخلاق والآداب، زعماء الشر يريدون أن يبيحوا لأنفسهم كل ما تشتهيه أهواءهم.
والذين لا يسمعون دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولا يؤمنون حق الإيمان، ويُصِرُّون على فعل الشر والمنكرات، والخوض في الموبقات، يضلهم الله تعالى، فتكون حياتهم كالبهائم.
قال الله تعالى:﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(146/147) ومثلما الشيطان باق إلى أن يشاء الله تعالى ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾(الحجر:36 ـ 38) ومن ثم فالشر، وأهل الشر لا يزالون في شرهم، وهم حزب الشيطان، الذين يقول لهم الشيطان نفسه يوم القيامة ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(إبراهيم:22).
ولذلك قلت لك: إننا نذكر وندعو الأتباع الذين يُغَالَطُون ويركبون أمواج الاستكبار، ظنا منهم أنهم يتبطلون وينشدون الزعامة الخوارجية، ولو قرأوا التاريخ، واتعظوا لكان خيرا لهم، بل أدعوهم إلى قراءة الخبر الصادق في القرآن والذي لا يقتضي من القارئ كثير عناء، أو صرف وقت في التفكر والاستنتاج، بل الموعظة واضحة تقول للعاقل: إن طريق المستكبرين المتمردين على الإنسانية طريق خسران وندامة لا فداء للخروج منها لمن سقط فيها.
ومع هذا فإننا ندعو بالهداية، والتوبة، وندعو كل مخطئ بالرجوع إلى طريق الحق بالمحبة والتراحم، ندعو العالم كله بما دعا به ربنا سبحانه وتعالى﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾(آل عمران:64).
أيها الشباب، بل يا أيها الناس، قد يكون من يتزعم التمرد والعصيان، ويزرع الشر والنزاع بين الناس ويسعى لتدمير الأوطان، قد يكون مصابا بداء الاستكبار، وترونه يركب مراكب الظلم والطغيان، فلماذا يسقط في ظلمه من يرى في نفسه شيئا من العقل. أما قرأتم وعَلَّمْتُم أولادكم هذه الآيات القرآنية؟؟.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(سبأ:31/33).
فالشيطان يتبرأ من أتباعه يوم القيامة، وزعماء التمرد والطغيان الظلمة الكبار يتبرؤون من أتباعهم المستضعفين، الذين تعصبوا للفرقية العرقية، أو الحزبية النعرتية، أو المذهبية الأهوائية المشتراة بالمال أو بالتبعية. والعاقل من عاش حياته لله تعالى، مؤمنا عابدا ساجدا لله سبحانه، يريد أن تجتمع كلمة المسلمين، ونترك طريق الشيطان، ونكون مع عباد الرحمن.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com