الأبناء بين الأثــــرة والـمآثـــرة
أ. آمنة فداني/
إنما تصلح الحياة وتأمن المجتمعات ويسعد الأفراد بقدر إخلاص بعضهم لبعض بعضا، لقد كانت الأخلاق الحسنة ضمن وسائل نشر دعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تواكب رحلة الإنسان الدنيوية إلى مستقره في الأخروية، فقد غرس في نفوس الناس الفضائل المجتمعية النبيلة، وترك للكل درجة المنافسة في المحافظة والتطبيق في سائر حياتهم تقربا بها للمولى تبارك وتعالى، فطريق الآخرة يتسع للجميع وهو القائل {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة 10/11].
المآثرة هي السخاء والجود فهي تفضيل الغير على النفس، تضحي بمصالحك مقابل مصالح الآخرين، فالسخاء أن تعطي جزءا مما عندك وتبقي لنفسك جزءا أما الجود فأن تعطي أكثر مما تبقي لك، والإيثار أن تعطي كل شيء ولو كان بك خصاصة، إنها أعلى درجة النبل والعطاء مع من حولك فهذا لا يكون إلا من نفس زكية تريد أن تحصل على لذة الآخرة ونعيمها، وما واقعة الاستقبال الراقي في مكرمة تقسيم الغنائم عند نزول المهاجرين على الأنصار دليل عظمة هذه الخصلة حيث خلد المولى تبارك وتعالى أصحاب الإيثار قائلا {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].
التربية الحسنة هي أفضل مطالب العقلاء فعلى الأولياء أن يقيموا أمر الأبناء على أساس من الحق والميزان، فالمآثرة والسخاء تحت مظلة رسالة نبينا الكريم يزدهر عنصر القناعة في القلوب يفيض على خلق الله تراحما وكرما، فكل هذه الشمائل السامية ذات حقائق في ديننا تتفق وما جاءت به أحكامه الراشدة من خلال تغيير الإنسان من داخله وإصلاح نفسه من عيوب الجشع، فتعويد الأبناء على الإيثار والأخذ بأيديهم إلى بر السكينة أحد أسباب نجاح البيت، وحين يبلغ أفراده هذه الدرجة من المآثرة تخلص حياتهم من الأنانية وتتطهر من حب النفس فوق اللزوم ويصبح بيتهم مثاليا يسوده السخاء والجود والكرم وفي وقاء من العبث، فغرس هذا الخلق في الأبناء يتحول مع الوقت إلى واقع ينتج عنه تحقيق الكفاية المادية في الأسرة، طرح البركة بين أفراده ومن ثم العمل على تصديره إلى الجوار والحي والمدرسة، كل هذا يبعد الأبناء عن خصلة الأثرة فهذه الأخيرة غير المآثرة فهي الأنانية وحب الذات تأتي من الفراغ الروحي للإنسان فإذا لم تجد في الأسرة من يصوبها ويوجهها فمعنى ذلك أن الأولياء لا يرون بأسا في ذلك، فهم لا يبالون بأخلاق أبنائهم ومصيرهم المجهول مع العلم أن أثر هذا الخلل الخلقي لا يحتاج إلى دليل، فنتيجة هذا المسلك السيء تغلب نوازع الأثرة وحب الذات على أفراده حيث لا يعرف الأبناء إلا ما يرضي أنفسهم وحسهم، وبالتالي من نشأ على أصل معوج يصعب تقويمه.
– الإيثار ثمرة الإيمان فهي النفاذ إلى القلوب، فمن النفوس، نفوس جامدة معاكسة ونفوس لينة مطمئنة فاختر الثانية فهي ضرورة لتزكية النفس وترويضها.
– ليس ضعفا أو رضوخا من يؤمن بقيمة المآثرة بل هو إنسان في أروع صور الإنسانية والإخاء من خلال تعويد نفسه على المكارم وتقديم الغير على النفس قائلا صحيح ما أعطيه أنا بحاجة إليه لكن بالنسبة لي كتب للآخر وأؤجر عليه عند الله تعالى.
– الطفل المتعود على الأثرة مهما أصبح في بحبوحة تجده دائما يطلب المزيد خوفا من الحاجة، فلا حد لرغباته ومتطلباته إذا أطلق لها العنان، فعوده على تحمل العطاء دون أن يشعر بالنقصان من خلال المعاملة الميدانية تصحيحا لقيمنا ومفاهيمنا وإحياء لمثلنا العليا.
– من المعروفين بالكرم قديما الشاعر الجاهلي حاتم الطائي كان يضرب به المثل في الجود فيقال أجود من حاتم، إنّها قيمة مارسها الرجل وآمن بها وكلّ يختار الطيب له، فالأثرة مذمومة وهي حب النفس والأنانية، والمآثرة محمودة وهي المكرمة المتوارثة فلا تسرع إلى الله بغير زاد قبل تصحيح المسار.