بشـــرى لعشـــــاق العــربــيـــــة

د. نجيب بن خيرة/
في إنجاز ثقافي وحضاري يسجله التاريخ في سيرة الأمة العربية، تم طبع المجلدات الـ 17 الأولى من “المعجم التاريخي للغة العربية”، وهو المشروع اللغوي الكبير الذي يرعاه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويشرف عليه أخونا العالم اللغوي الأديب الدكتور محمد صافي المستغانمي الجزائري الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة.
وهذا المعجم سوف يصل إلى حدود 70 مجلدا إن شاء الله وهو يؤرخ للمرة الأولى لمفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً ماضية. من معجم /العَيْن/، مُرورًا بـ /جَمْهرة اللغة/، و/معجم المقاييس/، و/القاموس المحيط/، و/لسان العرب/، و/تاجِ العروس/، وغيرها من أمّهات المعاجم والقواميس العربيّة.
تغطي مجلدات المعجم الأولى الأحرف الخمسة الأولى: الهمزة، والباء، والتاء، والثاء، والجيم، حيث تقدّم تاريخ المفردات في السياق الذي وردت فيه في عصر ما قبل الإسلام، على ألسنة الشعراء الجاهليين، مرورًا بالعصر الإسلامي، وتتبع اللّفظ في النص القرآني، والحديث النّبويّ الشريف، مرورًا بالشعر الأموي، فالعباسي إلى العصر الحديث، وترصد حركة الألفاظ.
ويختص المعجم بتوضيح عدد من المعلومات الرئيسة هي تاريخ الألفاظ العربية؛ حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقّة منها وتقلّباتها الصوتيّة، ويقوم بتتبّع تاريخ الكلمة الواحدة ورصد المستعمل الأوّل لها منذ الجاهليّة إلى العصر الحديث مركّزا على الاستعمال الحي للغة، أي أنّه يختلف عن سائر المعاجم السابقة بأنّه يستشهد بالنصوص الحيّة قرآناً وحديثًا وشعرًا وخطبًا ورسائل وغيرها.
ويكشف المعجم تطوّر المصطلحات عبر العصور، ويرصدُ تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة في اللغة المستعملة، والكلمات التي اندثرت وزالت من قاموس الاستعمال مع ذكر الأسباب المؤثّرة في ذلك.
إلى جانب ذلك، يعرض المعجم تاريخ نشأة العلوم والفنون؛ إذ يبحث في علوم اللسان العربي عن جميع العلوم التي نشأت تحت ظل البحوث اللغوية قديمًا وحديثًا من نحوٍ وصرفٍ وفقه لغة.
كما يقدّم هذا المعجم مقارنات بين الألفاظ في اللغة العربية وبين ما انحدر منها في اللغة العبرية والأكّادية والسّريانية والحبشية وغيرها، وفي هذا المجال تمّ تكليف لجنة متخصّصة برصد أوجه الشّبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها في تلك اللغات، وذكر الشواهد الحيّة التي تدلّ على ذلك مع توثيقٍ للمصادر والكتب التي أُخِذت منها.
وقد تم فتح موقع الكتروني للمعجم التاريخي وتخصيص تطبيق إلكترونيّ له بحيث يكونُ في مُتناولِ أصحابِ الهواتفِ الذّكيّةِ واللّوحاتِ الرّقميّة.
ولا يوجدُ مشروعٌ استقطبَ اهتمامَ اللغويين، ولفتَ انتباهَ عُشّاق لغةِ الضّادِ كما لفَتَهُم مشروعُ المعجم التاريخي للغة العربية؛ ذلك لأنّ عددًا من اللغات العالمية قد أنجزت معاجمها التاريخية مثل الفرنسية والإنجليزية والسويديّة والألمانيّة وغيرها، وظلّ المشروع العربي يترنّحُ بين نَقصِ التّخطيط، ومزالقِ ضخامةِ المشروع، وعوائق فداحة التّكاليف المادّيّة، وقد تعدّدت المحاولاتُ منذ عهدِ المستشرقِ الألماني فيشَرْ، ومنذ تأسيسِ مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة، ثمّ جاءت محاولةُ اتّحاد المجامع اللغوية، ومحاولاتٌ أخرى، وشاء الله تعالى أن تشرق شمسه من مجمع اللغة العربية بالشارقة.
وهو ليسَ جهدًا فرديّا يُحسب لدولة أو مَجمع لغوي دون آخر، وإنّما جهودُ مؤسساتٍ ومجامعَ ومراكزَ لغويّةٍ اشتركت جميعُها في هذا العمل الكبير تحت مظلة اتّحادُ المجامع اللغويّة العلميّة العربيّة بالقاهرة وكان لمجمعِ اللغة العربيّة بالشارقة فخرُ التنسيق الإداري والمالي لهذه الجهود العلمية الحثيثة.