الحدث

الانتخابـــات الـمحلية بين مقتضيـات السيـاسـة وحتميـــة التحــــوّل الجديـــد للــدولـــــة

إعــــداد: عبد القادر قلاتي / ياسيـن مبـــروكي/

 

لا تعنينا نتائج الانتخابات المحلية (2021/11/27)، فيما تفرزه من نتائج على مستوى الأحزاب والجماعات السياسية؛ لأنّها استحقاقات تنفيذية، لا تعبير تعبيراً حقيقاً على سياسة الدولة وتوجهاتها، فلو قدمنا دراسة وافية لنموذج المنتخب، فإنّ الأمر لا يختلف كثيراً على شكل الانتخابات في كلّ الاستحقاقات التي عرفها المجال السياسيّ في مؤسسات الدولة منذ الاستقلال، ولذا لا يمكن التنبؤ بمسارها الجديد، حتى وإن كان مسار الدولة برمتها جديدا، كما تقول بذلك السلطة في جميع خطاباتها، لكن المتابع الحصيف يدرك بكل يسر، استحالة التحول الحقيقي، في ظلّ الوضع الاقتصادي في الداخل وفي الخارج…
في هذا التقرير الأولي حول سير عملية الانتخابات المحلية(11/27) نحاول تتبع مجرياتها بعيداً عن تقديرات السلطة السياسية، التي تنهج نهج المدافع عنها كاختيار ضروريّ، من ضروريات الدولة، وبين التقديرات الحادّة والرافضة لأيّ شكلٍ من أشكال الممارسة الطبيعية للدولة، فهذه الانتخابات ومن خلال الحمالات الانتخابية للأحزاب السياسية المعروفة أو لبعض الأشخاص الذين خاضوا الانتخابات بشكل مستقل، لاعتبارات سياسوية واضحة،-إلاّ ما ندر- تتضح لنا صورة الانتخابات وكيف أخذت أبعاداً اقتصادية خارج لعبة السياسة، وتحوّلت مع الوقت إلى فرصة للتكسب المادي والمعنوي سواء بالنسبة للأحزاب أو للأفراد، فالأحزاب رغم أنهّا تشاهد الوقع السياسي والعزوف الواضح الذي لا تخطؤه العين، إلاّ أنّها تنخرط في أي استحقاق انتخابيّ، وتمارس لعبة الحضور بكلّ ما تعنيه الكلمة، فالمسألة بالنسبة لهذه الأحزاب لا تخرج عن فكرة المحافظة على الوجود، والحرص على الحضور مهما كلّفها ذلك من خسارة لقواعدها السياسية، أما الأفراد الذين يسمون بالمستقلين، فليس لهم أيّ شهوة في السياسة، بل عينهم على المنصب وامتيازاته المادية، تصور معي أنّ شخصاً عاطلاً عن العمل، لا يجد قوت يومه، ولا يحضى بأيّ مكانة اجتماعية، يترشح في بلديته ليجد القبول، وينجح في الانتخابات ليصبح بين عشية وضحاها يرأس البلدية، التي كان يذهب إليه من قبل طالباً للعمل أو للسكن أو للمعونة، فيصبح هو رأس هذه المؤسسة الحكومية، يحضى بالتقدير والاحترام، والخشية أيضا كحال أيّ مسؤول عندنا، فماذا تتنظر من هذا المسؤول الجديد، الذي لا تعنيه السياسية ولا اقتصاد الدولة، لكن الذي يعنيه هو وضعه كمسؤول جاء ليأخذ نصيبه من الريع الذي يوفره المجال السياسي للدول الريعية كحال بلادنا، حيث رجل السياسية خادم مطيع للسلطة الحاكمة، لذا توفر له –السلطة – مواطن الاستفادة من هذا الريع، وقد تستفيد منه مستقبلا كاحتياط من احتياطاتها في نوعية المسؤول الذي توفره الدولة في أي تغيير تراه مناسباً، وكأن هذه الانتخابات مختبر للدولة في صناعة رجالاتها.
لا يمكن نقرأ انتخابات (11/27)، كحالة استثنائية في مسار الدولة، أو مظهر جديد من مظاهر الجزائر الجديدة، التي سوّقت لها السلطة كثيراً، ونحن مع هذا الخيار، خيار القطيعة مع نموذج الحكم الذي أفرزه واقع دولة الاستقلال، بسلبياته وايجابياته، لكن ما نلحظه لا يخرج كثيراً عن سياق جزائر الماضي، بل يكاد ينطبق عليه تماماً، فإذا كنا -حقيقة – نريد التحوّل الجاد، ونريد جزائر جديدة، فإن الأمر يجب أن يرتبط بمشروع وطني يشترك فيه الجميع، ويأخذ بكلّ ما يميّز الجزائر من خصوصيات حضارية وجغرافية، مع الاعتماد في ذلك على أبناء الجزائر عامة، أحزاباً وجمعيات وشخصيات فكرية تزخر بها بلانا، لنجعل من الجزائر نموذج يحتذى اقليمياً ودولياً، أما أن نبقي على مسار الدولة القديم، وتكرار النماذج الفاشلة، واتباع سياسات خاطئة، فلا ننتظر أي تحوّل حقيقي، ولو بقينا الدّهر كلّه نردّد الشعارات، ونهتف صباح مساء، بالجديد الذي لم نره بعد، فاللهم أعن من يريد بالجزائر خيراً، واخز اللهم من أراد بها سوءاً… أمين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com