حينما يغيب الذوق
مداني حديبي/
المشهد الأول:حدثتني أستاذة ذوق فقالت لي: تم عرض مسرحية عن المجانين في مصحة كان العرض في قاعة الحفلات في الإقامة الجامعية. المسرحية فظيعة لا يمكن تخيل حجم الألم الذي فيها والرسالة التي أرادها المؤلف قوية، لكن القاعة التي كانت مزدحمة بالمشاهدين كانت تضج بالقهقهات على ما يقدمه الممثلون المبدعون المنغمسون في تمثيلهم البديع الذي يكاد يكون واقعا شاخصا، أقسم أنني بكيت بكاء شديدا تلك الليلة على موضوع المسرحية الجاد الهادف وعلى القلوب التي كان عليها الران والأقفال. المشهد الثاني: فرقة أناشيد كانت تؤدي أداء جميلا عذبا مدهشا لكن أحدهم ذائب في هاتفه الذكي يرد على رسائل المسنجر والآخر يحاور زميله والثالث مع مكالمة هاتفية والرابع يضحك بصوت عال مع جليسه.. المشهد الثالث: منشور في الفيسبوك قد عصر أحدهم روحه ليكتبه واستنزف جهده ليصوغ حروفه..أما بعض التعليقات عليه جافة وحادة وخارج سياق النص ومدلوله ..المنشور جاد باك والتعليق ساخر ضاحك.. كل هذه المشاهد والوقفات تدل على فساد الذوق أو انعدامه وهذا يؤثر تأثيرا سلبيا عميقا على كاتب المسرحية والممثلين وفرقة الأناشيد والمؤلف والناشر والمحاضر..ولولا قوة تماسكهم وامتصاصهم للضربات لتوقفوا عن العرض والابداع والكتابة من زمان .. لكن نفسهم طويل وقصدهم رسالي وهمتهم عالية. ولأنهم يجدون.. في غير هؤلاء الذين فقدوا الذوق.. الكثير من فرسان الذوق والفهم والأدب والتلذذ بالابداع..فليس في الكون ظلمة وأكدار فحسب بل شموس وأقمار وآمال.