ماذا يحدث في ليبيا والسودان؟

أ د. عمار طالبي/
نسمع ونرى عجبا أعجب؟ وغرابة أغرب أن يترشح ذلك القاتل الذي شن حربا على سكان طرابلس وجنوبها، ودفن مواطنيه في مقابر عديدة، شاهدناها في وسائل الإعلام، ويترشح أيضا من ارتكب جرائم، وتطالب به المحكمة الجنائية الدولية، ولم يأخذ درسا من سلوك والده، وترشح هذا الذي كان يتعاون مع حفتر، ومن كان يهدد ليبيا، ويتعاون مع بعض العرب، ويثير مصاعب ومشاكل في كل الشؤون الليبية باسم النواب الذين انتهت مدتهم.
ما هي دلالة ذلك كله؟
ليس لهذا دلالة سوى شهوة الحكم، وشهوة الاستبدادية، وهذا ما نراه في هذا العسكري الفاشل، وفيما يحدث في السودان، وفيما يحدث في تونس من الاتجاه الفردي الاستبدادي ولو أدى ذلك إلى تدمير مؤسسات الدولة، وهلاك الناس جوعا وفقرا. والتاريخ يشهد أن ما أصاب الأمة الإسلامية من تخلف وكوارث إلا طبائع الاستبداد، فكل من شعر بانتفاخ في شهوته الاستبدادية، يعلن إمارة، ويسعى بكل وسيلة ممكنة للوصول إليها، وإذا كان عسكريا يملك البندقية فإنه يصبح سيد الموقف، ويستعمل البندقية، وقتل الناس لتحقيق مآربه، لأن الذي يتحكم فيه إنما هو شهوة التسلط والفرعنة، والتفرد بالحكم، وهذا الذي نراه في إفريقيا وآسيا قائما لحد اليوم.
لم يفهم هؤلاء سواء كانوا عسكريين أو أحزابا متخلفة أن عهد الانقلابات قد ولى، وأن الشعوب اليوم لها وعي ولا تخفى عليها نوازع الظلم والاستبداد، ومن سيطرت عليه شهوة الحكم، مع الجهل وفقدان أية رؤية واضحة لتنمية الشعب وخلاصه من التخلف بكل معانيه التي ما تزال تهيمن على هذه النفوس المريضة بداء التخلف.
إن ما نراه من عزم الشعب السوداني وإصراره على الحرية، والإنكار الصارم الشديد لأي نوع من الانقلاب الذي عانى منه طويلا وذاق مرارته وعواقبه، إذا ذهب منقلب خلفه آخر، وليس له من هم إلا الحكم، ولو أضاع بلده، وانقسم شعبه، وخرج عنه جنوبه كله، وأصبح دولة أخرى منفصلة.
إن إرادة الشعوب اليوم أخذت تدرك أنه إذا أخذ مصائرها هؤلاء الانقلابيون هلكت وازدادت تخلفا، وهوانا، وضعفا، وقد جربت هذه الشعوب وذاقت مرارة الاستبداد، وكتم أنفاس الأحرار، فكل من أنكر المظالم يصبح ضد الثورة، وضد السلطة، فلا صوت إلا صوت السلطة، ولا رأي إلا رأيها، ولو أدى إلى الهاوية والتبعية، وهذا شأن فرعون كل زمان «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى».
إن هؤلاء الذين لا تحركهم إلا شهوة الاستبداد لا يتورعون عن سفك دماء المواطنين وهذا ما نراه يحدث في السودان، وفي العراق، وسوريا، وما يحدث في أفغانستان من قتل الناس وهم يصلون في المساجد، فأي عقل وأية حكمة يقدم أصحابها على سفك دماء الأبرياء باسم الإسلام، فهل الإسلام إلا دين يحرم قتل النفس، ويقدس وجودها مكرمة محترمة، لا تمس في جسدها ولا في عرضها، أي إسلام هذا؟ وأية عقول هذه؟ وأية قلوب هذه القلوب؟ إنها أقسى من الحجارة، فقدت كل إحساس، وكل ضمير إنساني فضلا عن قلب المؤمن.
على الشعوب أن تصرّ على افتكاك الحرية، وأن تقف سدا منيعا ضد كل استبداد، وأن لا تسمح لأي من هؤلاء أن يكون له ما يريد.
لم يبق لهذه الشعوب إلا إرادتها الصارمة، التي تدفع الظلم، وتفرد أي حاكم بالسلطة، والتحكم في رقاب الناس تعسفا، وعدوانا، إرادة الشعوب لا تغلب ولا تقهر أبدا.