أدبيّـــــــات

نختلف لنأتلف

د. عبد العزيز مرابط الزغويني/

قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ في شأن أسرى بدر: ما تَرَوْنَ في هَؤُلَاءِ الأُسَارَى؟ فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: يا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو العَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ منهمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً علَى الكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما تَرَى يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ فَقَال: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، ما أَرَى الذي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ .
فيشرِّق أبو بكر رضي الله عنه برأيه فيختار الرأفة واللّين، ويغرِّب عمر بن الخطاب ويختار الشّدّة والحزم، ويأخذ الأوّل عكس ما يأخذ الثاني، ويختلفان في الرّؤية ولا يتّفقان، ويتباعدان في الطّرح ولا يقتربان، وهما من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا مربط الفرس، إذ لم يجد أحدُهما حرجًا في أن يبدي عكس ما يراه صاحبه – على جلالة قدره وعظيم فضله – ولا في أن يعارضه في الحكم ولا يوافقه، كلّ ذلك دون أن يشعُر أحدُهما بمنقصة في شخصه أو عيب في رأيه، ومن غير أن يّسفّه أحدهما الآخر أو يتّهمه في قصده أو يلمزه في نيّته.
فيبقى أبو بكر الصّديق رضي الله عنه هو أبو بكر، مثال الرّأفة واللّين خدمة للإسلام، ويبقى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه هو عمر، مثال الشّدّة والحزم خدمة للإسلام أيضا، وكلاهما مأجور على اجتهاده ما دامت الغاية واحدة.
ومما سبق يمكنني القول: إنّه ليس من الضّروري أن تحجر على رأيك وتخجل بموقفك وتلزم نفسك لتكون نسخة طبق الأصل عن غيرك، فتعتنق آراءهم وتتبنّى أفكارهم، وتذوب شخصيّتك في شخصيّتهم، وتضمحلّ معالم وجودك الفكري وتتوارى في معالمهم، لأنّك أنت أنت ولست أحدًا غيرك، فاحذر أن تكون إمعة فتأتيك الخيبة ويدركك الخسران.
وليس من الضّروري أيضا أن تنتصر لنفسك في كلّ مرّة، فتنصب العداوة لكلّ من خالفك في الرّأي، وتُكِنّ الضّغينة لكلّ من عارضك في الفكرة، وتدخل الحروب بلا مُسوّغ، وتخوض المعارك بلا ذريعة، فتجني على نفسك قبل أن تجني على غيرك.
فالاختلاف أيّها الأحبّة لا يفسد للودّ قضيّة، والحقّ ليس حكرًا على أحد من النّاس، وكلّما تعدّدت الآراء وتناطحت الأفكار أثمرت العقول، وكلّما أثمرت العقول تبيّن الحقّ، والحقّ أحقّ أن يُتّبع، والسّلام عليكم

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com