حوار مع الدكتــــــورة فضيلــــة قريــــــــــــن: المستشار السامي لدى منتدى التعاون الإسلامي للشباب

حاورتها: أمال السائحي/
إن المرأة المسلمة اليوم في المجتمعات الإسلامية أو الغربية، باتت تدرك تماما بأنها هي النواة لمجتمع بأكمله، وعليها يتوقف هذا المجتمع بأخلاقه وقيمه الإنسانية والحضارية، فرسالة المرأة في هذا الميدان كبيرة ومترامية عبر مجتمعها، الذي ينتظر منها أن تقدم الكثير من الإيجابيات وبذلك تكون قد قدمت لمجتمعها رسالة نبل وعلم وأخلاق في الميدان.
ولقد اغتنت الساحة الفكرية والعلمية بالكثيرات من أخواتنا الفضليات، اللواتي قدمن الغالي والنفيس في سبيل أن تصل فكرتهن المضيئة إلى الأسرة عامة والشباب خاصة..
وهذا الأسبوع استضافت لكم أسبوعية البصائر، الدكتورة الفاضلة: فضيلة قرين الجزائرية الأصيلة، التي تولت عدة مناصب هامة في بلدان عدة، إلى أن وصل بها المطاف إلى اسطنبول كمستشار سام لدى منتدى التعاون الإسلامي للشباب.. وقد حاورتها لكم الأستاذة: أمال السائحي، وإليكم قراءنا الكرام هذا الحوار الممتع والمفيد.
البصائر: بداية هلاّ عرفتنا بالدكتورة فضيلة قرين؟
-ولدت ونشأت في مدينة العلمة، ولاية سطيف، عشت طفولة ماتعة في كنف أسرة محبة وحنونة، وباعتباري البنت الكبرى، فقد كانت معاملتي مميزة، فقد كلفت بمسؤوليات كثيرة منذ طفولتي، وتلقيت كل التشجيع والدعم من الوالدين الكريمين، تخرجت من ثانوية الشهاب في مدينة العلمة حيث كنت أقرأ بشره، وبدأت هناك أقرأ عيون البصائر، ثم التحقت بجامعة الأمير عبد القادر حيث كانت انطلاقتي في الفكر الإسلامي والحضاري، وهناك رسمت معالم شخصيتي، حصلت على ماجستير في قسم معارف الوحي والعلوم الإنسانية من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، أحيث رأيت العالم من زاوية كونية، وتحصلت على الدكتوراه من جامعة ملايا أين تعلمت فن البحث العلمي. ولجت عالم النشر في المجلات العالمية المحكمة بشغف، أصبحت أيضا مدربة ومستشارة أسرية ومدربة في مجالات عدة، وأجد أن مسيرتي الحياتية والعلمية تشبه إلى حد ما رحلة ابن بطوطة، من العلمة مدينة أحلامي إلى مدينة العلم والعلماء قسنطينة إلى كوالالمبور التي قضيت فيها قرابة التسع سنوات، إلى عدة مدن كندية، أين قضيت معظم فترة الشباب، وعملت في مجال التعليم، ثم شغلت في سن مبكر جدا منصب مستشار ثقافي لدى وزارة التربية والتعليم في مقاطعة ألبرتا، حاضرت بجامعة ملايا ونشرت مقالات علمية في مجلات عالمية، وشغلت منصب مدير البحث العلمي والمدير التنفيذي للمركز الدولي للتدريب والاستشارة بجامعة ملايا ، ومن ثم انتقلت إلى المملكة العربية السعودية ودخلت عالم المنظمات الدولية، لأتولى منصب مديرة الشؤون الأسرية والاجتماعية في منظمة التعاون الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، وقد كنت أول امرأة تشغل منصب مديرة في المنظمة، كما كنت عضوا في المجلس الاستشاري للمرأة بمنظمة التعاون الإسلامي والذي ساهمت في تأسيسه، وأيضا عضوا في مجلس الخبراء التابع للجنة المرأة التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، أقيم حاليا في أسطنبول، وأعمل كمستشار سام لدى منتدى التعاون الإسلامي للشباب، وأساهم في منظمات دولية مختلفة مثل الاتحاد العام للعلماء المسلمين، ومجلس إدارة المجلس الاستشاري لمنتدى المرأة الأوروبية، ومجلس إدارة «لأنك إنسان» للرفاه والصحة النفسية، واتحاد المنظمات الأهلية في العالم الإسلامي، وكرسي السيرة النبوية بالمملكة العربية السعودية، وغيرها من المؤسسات التي أسعى من خلالها لخدمة المجتمع، وخاصة المرأة والشباب والأسرة.
– كيف كانت بداياتك كمستشار سام لدى منتدى التعاون الإسلامي للشباب؟
-كما أسلفت بدأت الاستشارة في سن مبكر في كندا، لكن مستشار سام لدى المنتدى جاء كنتيجة لوظيفتي السابقة، حيث كان ملف الشباب واحدا من مجالات مسؤولياتي في منظمة التعاون الإسلامي، فقد كنت مسؤولة عن ملف المرأة والشباب والأسرة والطفولة وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وساهمت في وضع استراتيجية منظمة التعاون الإسلامي للشباب التي استوت على مكتبي على مدى ثلاث سنوات من اجتماعات خبراء من الدول الأعضاء ومركز الأبحاث الاجتماعية والإحصائية لمنظمة التعاون الإسلامي. وقد تم اعتماد الإستراتيجية مع آليات التنفيذ في مجلس وزراء الشباب لمنظمة التعاون في باكو عام 2018. ونظرا لخبرتي في هذا المجال استدعيت لأداء هذا الدور في المنتدى، والذي يتمثل في التخطيط والتوجيه وتدريب الكفاءات الشابة والإشراف على محتوى البرامج وتصميمها إلى غير ذلك من المسؤوليات المختلفة.
– عرفناك على شبكات التواصل ومن خلال نشاطاتك المتميزة في الملتقى الدولي الثاني حول: «دور الكفاءات الوطنية في تحقيق الإقلاع الاقتصادي» هلاّ أعطيتنا نبذة عمّا يرمي إليه؟
mm في الحقيقة أنا سعدت جدا بالمشاركة في هذا الملتقى المتميز الذي جاء استجابة لحاجة ماسة للم شمل خبراء الجزائر في كل مكان في العالم من أجل أن تنصب جهودهم جميعا في عملية التنمية الوطنية الشاملة، وحين دعيت إلى الملتقى للحديث كنت أدرك مسبقا أني سأكون مرتبطة بقمة اقتصادية وثقافية في باكو أذربيجان كنا قد عملنا عليها شهورا طويلة، لكن لم أستطع أن أعتذر للمنظمين من جامعة البشير الإبراهيمي ببرج بوعريريج وعلى رأسهم الدكتور عاشور مقلاتي، وكان قد عمل معي من قبل في جامعة ملايا، وأعرف أنه يسعى لجمع الخبراء لخدمة الإقلاع الاقتصادي الوطني، وأيضا الأخت الدكتورة المبدعة آمال شوتري وغيرهم من الكوادر التي تسعى لرفعة هذا الوطن، والحقيقة أنني اعتبرت مشاركتي واجبا وكانت مشاركة متواضعة جدا أمام عدد كبير من الخبراء الذين سعدت جدا بعروضهم القيمة والتي تتفق مبدئيا وضمنيا على خارطة طريق واضحة للجميع وأرجو أن تتبلور قريبا، كما شعرت أن الجزائر بخير طالما أننا جميعا على صفحة واحدة عندما يتعلق الأمر بخدمة الوطن، وقررت أن أتحدث عن دور الشباب في إقلاع التنمية الوطنية.
– هل لك أن تعرّفي القارئ بالفكرة والأهداف التي تضمنتها كلمتك حول «تمكين الشباب ودوره في إقلاع التنمية الوطنية: تحديات وآفاق»؟
-تمحورت مداخلتي حول أهمية الشباب كقوة ديمغرافية فاعلة للنهوض بالتنمية المستدامة، وتحقيق مستويات عالية من الرفاه، لأنهم يشكلون في نفس الوقت تحديات كبيرة إذا لم يستغلوا كطاقة تنموية فاعلة، خاصة في ظل الصراعات والأزمات العالمية والاقتصادية، فقد اتضح من تجارب الدول التي نجحت في الإقلاع والتنمية أنه لا يمكن مواجهة أي من القضايا أو التحديات من دون إدماج الشباب في صناعة القرار ومن دون تضامنهم الكامل، ذلك أنهم يتحركون ويندمجون بناء على الحافز الذاتي، واستراتيجيا وعمليا يكون انضمامهم جريئا وفاعلا في عملية التنمية حسب مستويات تعليمهم ووعيهم واندماجهم ومشاركتهم في معالجة التحديات الكامنة في مختلف المجالات.
كما تحدثت أيضا عن أهمية تلبية احتياجات الشباب والحاجة إلى دراسة الظروف والملابسات التي يعيشونها ويواجهونها، فهي ليست حاجات آنية بل ضرورات وأولويات استراتيجية مستقبلية لها علاقة مباشرة بعملية التنمية، فهناك حاجة ملحة لفهم علمي شامل وعميق، وتفكير عملي حول حجم الإمكانات التي يمثلها الشباب في سياق التصدي للتحديات الراهنة التي يواجهونها،.وبالتالي فإن تمكين الشباب على المستوى الوطني والعالمي سيسهم في استثمار إمكاناتهم الكامنة أو الخاملة، والأمر ينطبق بشكل خاص على الدول النامية التي تحتوي على تركيز عال من الشباب مقارنة ببقية العالم، والجزائر مكونة من ثروة بشرية معظمها من فئة الشباب، وهذا يعني أنه يحسن استغلال تلك الامكانات الدمغرافية إتاحة فرص استراتيجية كبرى للبحث، والريادة، والإنتاج، والصناعة والابتكار والنمو، ولتحقيق هذه الأهداف لابد أولا من تقييم دقيق لوضع فئة الشباب والتحديات التي يواجهونها وطنيا، والحاجة إلى تزويدهم بالأدوات المعرفية (التعليم الجيد) والمهارات اللازمة وتعزيز فهمهم للقضايا (الوعي)، وبالتالي إدماجهم في عملية التنمية الشاملة.
وأكدت أيضا على أن توفير الفرص للشباب لا يتعلق فقط بالتعامل مع الصعوبات والعراقيل القائمة في الوقت الحاضر، وإنما العناية العلمية والتربوية بالتدخل المبكر من خلال وضع خطط واستراتيجيات منهجية وقائية استباقية لاحتواء الشباب وتهيئتهم النفسية والعلمية والثقافية والاجتماعية لأداء الأدوار المنوطة بهم في عملية التنمية الشاملة، طبعا هذه الرؤية مهمة جدا ولا يمكن النجاح دون أن يكون هناك عمق استراتيجي عند صناع القرار، فهناك فرق بين خطط جميلة وأخرى استراتيجية نابعة من واقع الوطن، يتوقف ذلك في نظري على تنمية ثقافة العمل والتضحية والابتكار والانخراط المدني، وتوسيع الآفاق حول التنمية، والتغيير والتحديات وثقافة الحلول. نحن نتحدث عن حلول وفتح الأبواب، ونعني أن يلعب الجميع الأدوار المنوطة بهم من أجل أن نرى نتائج في العشرين سنة القادمة، لذلك دعوت أن يجتمع على الطاولة الباحثون والخبراء من الداخل والخارج، وأيضا صناع القرار من أجل صورة كاملة قبل الاقلاع لتفادي السقوط، فالوقت ليس في صالحنا كأمة في المحك تواجه تحديات حقيقية.
– هل كل من يريد الانضمام إلى هذا المؤتمر يرحب به؟ أم أن هناك أسسا وقواعد واشتراطات محددّة؟
لست منظمة للمؤتمر وبالتالي لا أعرف المعايير، أعتذر لعدم الإجابة على هذا السؤال.
– هلّا حدثتنا عن باكو، عاصمة أذربيجان؟ عن قمّة أذربيجان الاستثمارية والثقافية؟
mm مشاركتي في قمة أذربيجان الاقتصادية والثقافية جاء في إطار تعاون المنتدى مع الدول الأعضاء لمنظمة التعاون الإسلامي لتوفير فرص إقلاع مشاريع الشباب التي أثبتت أنها جديرة بالدعم عن طريق توفير بيئة داعمة تتكون من عشرات المستثمرين في قطاعات حيوية تنموية، حيث أعلنا بالتعاون مع أّذربيجان عن فرص الالتحاق وقد تقدم أكثر من 400 رائد ورائدة أعمال تتوفر فيهم الشروط اللازمة، وقد تم انتقاء حوالي 50 أو أكثر، وتم تهيئة عدد كبير من الشركات الاستثمارية المهتمة بمجالات عمل هؤلاء الشباب وعدد جيد من المستثمرين والبنوك الاستثمارية، وأعطيت الفرصة لرواد الأعمال الشباب لعرض مشاريعهم. وقد حققت القمة نجاحا كبيرا إذ نجحت في تشبيك رواد الأعمال من المبدعين الشباب مع العديد من المستثمرين.
وقد تم على هامش القمة الاقتصادية تنظيم مجموعة جيدة من الفعاليات الأكاديمية والثقافية لاستقطاب المستثمرين لأذربيجان أخذا في الاعتبار الفرص والتسهيلات، وأيضا الثراء الثقافي وجمال الطبيعة الساحرة، وثقافة أذربيجان المتنوعة، وسنحت لنا الفرصة لزيارة المناطق المحررة من الاحتلال الأرميني، وحضرنا أول صلاة جمعة في مسجد شوشة الذي كان قبل شهور حظيرة للخنازير تحت القوات الأرمينية. فقد كانت رحلة ربطتني بماضي الكفاح وثورة نوفمبر وجبال الأوراس، واكتشفت من خلال رحلاتي في دول العالم الإسلامي روح ثقافية مشتركة وبعض الأغاني التقليدية والألبسية تتشابه إلى حد كبير مع تراثنا الجزائري، وكأنني كنت أسمع أهازيج الشاوية أثناء الثورة في جبال الجزائر ومداشرها.
– بعد رحلة طويلة مع البحث والمشاركة في الفعاليات، والمؤتمرات الدولية، ما الذي تطمحين إليه في الفترة المقبلة؟
-رحلتي المستمرة كانت للتعليم وبناء الخبرات، عندي شغف كبير بالتعلم المستمر، ولا يبدو أنني اكتفيت، بل أصبحت عندي قناعة أنه على الإنسان أن يواصل رحلة التعلم إلى آخر رمق، خاصة أن ثورة العلم والتكنلوجيا قد فتحت علينا أبوابا واسعة وآفاقا متجددة لا تغلق، ففي حين كان المطلوب من الخبراء في الماضي أن يكونوا متمكنين في مجال واحد، تغير ذلك تماما، فلا يمكن أن يكون أحدنا خبيرا في الفكر، وليس له علاقة بالتكنلوجيا والتربية والتنمية والعلوم والإعلام وغيرها من المجالات المتشابكة التي لا يستغني عنها الإنسان، بالإضافة إلى أن الخبرة النظرية قاصرة جدا ولا تكفي للتفكير الاستراتيجي والمستديم، فالتجارب الجيدة والممارسات الناجحة المتوفرة عالميا تختزل مراحل كبيرة جدا من التقهقر والتعثر، والتعاون العلمي والعالمي في كل المجالات يفتح الآفاق ويساعد في مجابهة التحديات، لأن التعاون أرضية وفلسفة التنمية من وجهة نظر إسلامية، ونحتاج إلى تطوير نظم التعاون وآلياته حتى نخدم التنمية والتطور بشكل عملي، ومازلت أحاول أن أمسك بزمام الخبرة التي تؤهلني لأن أكتب للشباب والمرأة والأسرة في سبيل تنمية شاملة. لا أجد الوقت لكي أسجل ما يمر بي من تجارب، وهذا ما يؤرقني كثيرا، لكن عسى الله تعالى أن يبارك لنا في الصحة والعمر ونقوم بالواجب.
– برأيك إلام يرجع العنف الأسري، والاجتماعي، الذي أصبح حديث الإعلام المرئي والمقروء والمسموع؟ وما هي أسبابه؟ في الجزائر خاصة والوطن العربي عامة؟
– يعاني المجتمع الجزائري حسب تتبعي عن قرب من خلال البحث العلمي والتغطية الإعلامية لمشكلات الأسرة من ظاهرتين، سوء المعاملة داخل الأسرة والعنف الأسري، وأقول هذا حتى نفرق بين الإساءة البسيطة والكبيرة والتعرض للخطر، مثل الإصابة الجسدية، والامتهان النفسي، أو الانتهاك الجنسي. وقد مرت على المجتمع الجزائري ظروف قاسية في حقب مختلفة خلفت موروثا ثقافيا ثقيلا فيما يتعلق بمعاملة المرأة والأطفال والتعامل العنيف بين أفراد الأسرة الواحدة، وساهمت فيه ظروف الحياة المجهدة، والجهل المركب، وقصور التعليم، مما جعل عواقب الإساءة والعنف تكاد تكون منتشرة وعامة، ولكن يمكن العثور على مزيد من الأسباب من خلال فحص التأثيرات الأكثر دقة وتعقيدًا.
ومن جهة أخرى أتابع محاولات احتواء العنف الأسري والعنف ضد المرأة على المستوى الرسمي والديني، وهناك محاولات لمنع ومعالجة العنف الأسري وعواقبه، والعديد منها يبشر بالخير فهناك تشريعات قوية في الجزائر في هذا المضمار، لكن ينقصها آليات التنفيذ والمتابعة، وأعتقد أن دور العلماء والأئمة يمكن أن يلعب دورا فاعلا في استئصال العنف من العقول، إذا تبنت المنابر المسموعة والمكتوبة هذه الخطة الوقائية، وإلى ذلك الحين تظل الحاجة ماسة وملحة إلى مزيد من البحث المنتظم لإيجاد الأسباب وتعقبها بحلول منظمة ومستديمة، مثل التشريعات التي تحمي المرأة والطفل، وأيضا الحلول الاستباقية التي تعتمد على حملات الوعي الشاملة خاصة في دور العبادة والمدارس والمؤسسات، بالإضافة إلى أن التربية والتعليم والأدبيات والقصص والإعلام المرئي والمسموع، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تكون في خدمة المقاربة التنموية الشاملة، ومع ذلك لن يتوقف العنف إلا إذا زالت أسبابه، فهناك على سبيل المثال إهمال للصحة النفسية مع أن البحث العلمي أثبت أن العنف الأسري مستتر تحت أمراض نفسية غير مبلغ عنها تصل حد القتل والتمثيل، وهناك ظاهرة جهل بعواقب الاضطرابات النفسية وهذا يعرض الأسرة لخطر كبير جدا.
– هل البرامج التي تقدم عبر فضائيات عالمنا العربي لها علاقة بجعل شبابنا يجنح إلى العنف في الوسط الأسري والاجتماعي؟
-هناك إشكالية حقيقية تتعلق بدور الإعلام وإذا غابت الرؤية يصبح الإعلام وسيلة لنشر الجرائم الفاجعة والصادمة، في حين المطلوب من المؤسسة الإعلامية أن تتصدر دور نشر الوعي بأهمية الحماية من العنف على جميع المستويات بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات الرسمية، وأيضا يقع على المؤسسة الإعلامية التحسيس بخطورة الاضطرابات العقلية والنفسية المبكرة بالتنسيق مع أخصائيي الصحة النفسية في المدرسة والمصحات والمستشفيات، حتى يعي المجتمع الأخطار التي تؤدي إلى العنف ويقوم بدوره في احتواء العنف والإبلاغ عن سوء المعاملة حتى نصل إلى ثقافة اللاعنف، كما أننا في حاجة إلى نظام الخدمة الاجتماعية ودعم الأسر التي تعاني من الفقر و الإجهاد بما في ذلك في حالات سوء المعاملة والعنف المتوسط فلا ننتظر حدوث الجريمة للتدخل بل العبرة بالتدخل الحاسم والسريع مبكرا لمنع حدوث العنف، فالكثير من حالات العنف الأسري وراءها أب معدم، أو حالة فقر مدقع وحرمان، ولو نتدارك تلك الحالات فسنمنع تدهور حال الأسرة وتفشي العنف، ونحن نفتقر للمؤسسات الاجتماعية التي تعمل متكاملة لأداء هذا الدور، وأنا قلقة جدا بشأن تفشي العنف من التعاطي والتدخين وممارسة المعنَفين أنفسهم للعنف، ولكي نحقق الأمان الأسري، لابد من التخطيط لحلول استباقية مدروسة بالتنسيق بين المؤسسات البحثية وصناع القرار ووسائل الإعلام وهناك تجارب جيدة وناجحة في الوطن العربي وفي العالم بأكمله يمكن الإفادة منها، كما على المجتمع المدني أن يلعب دوره كاملا في نشر الوعي للحد من الاتجار الإعلامي بالعنف الأسري وهو ما تمارسه للأسف قنوات إعلامية ترتزق من عدد المشاهدات على حساب الصحة النفسية للمواطن والطفل، وأدعو من هذا المنبر الأصيل صناع القرار إلى تشريعات رادعة للعنف والصورة العنيفة والقصة العنيفة لتعزيز الأمن النفسي وزرع ثقافة الرحمة والهدوء والتضامن والتآزر بين أبناء المجتمع الواحد ووضع كل المعايير الوقائية لحماية الأسرة.
– برأيك ما هو المطلوب من المرأة القيام به اليوم، لتمنع العنف من التسلل إلى أسرتها؟
-المرأة حلقة واحدة في مجموعة من الأطراف الذين يجب أن يكون لهم دور في الحد من العنف الأسري، فالمؤسسات الرسمية والاجتماعية والمؤسسة الدينية والمؤسسة التعليمية ووسائل الإعلام وغيرها، كلها طرف في عملية الحماية والوقاية من العنف الأسري، ولابد من حلول مؤسسية شاملة، فالترقيع لا يرقى إلى درجة الحل. والحاجة ماسة إلى سلسلة ملتقيات وطنية تجمع الباحثين والمؤسسة الصحية والنفسية وصناع القرار ومؤسسة التعليم والتربية ووزارة الشؤون الدينية والمؤسسة الإعلامية والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، وكل الأطراف من أجل طرح شمولي استباقي لاحتواء مشكلة العنف من كل الزوايا، وهذه هي استراتيجية الحلول الناجعة لأنها تدمج الجميع وتوحد الجهود، أما المرأة فيمكن أن تتقدم عن الجميع بدرجة من الوعي لاحتواء أبنائها وحمايتهم بأداء دورها الكبير كأم أو معلمة أو موجهة للتقليل من فداحة العنف الأسري أو على الأقل حتى لا تكون جسرا للعنف بأن تقبل العنف على نفسها أو تمارسه على من حولها، لكن مع الأسف الكثير من النساء هن ضحايا العنف ومع ذلك تمارسه بعضهمن على أبنائها أو طلابها. .
– هلأّ حدثتنا عن مشاريعك المستقبلية، – ماذا أضافت شبكات التواصل لشبابنا وماذا أخذت منه؟
mm وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن تفاقم مشاكل الصحة العقلية عند الشباب في نظري وهذا أكبر خطر محدق وقد نُشرت مقالات علمية كثيرة عن القلق والاكتئاب كأثر جانبي لنشاط وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا أردنا أن نتحدث عن إيجابيات وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي على فئة الشباب، فالموضوع كبير وشائك، لكن بصفة عامة عندما يكون هناك تقدم تقني كبير يغير بشكل جذري الطريقة التي يعيش بها الناس، ويولد نقاشًا حول طبيعة هذا التغيير وما إذا كان «جيدًا» أو «سيئًا». وأدوات الوسائط الاجتماعية المستندة إلى الإنترنت مثل Facebook و YouTube أحدثت ثورة في الطريقة التي يحصل بها البشر على المعلومات ويتواصلون ويتفاعلون بينهم، وفي فترة زمنية قصيرة نسبيا كان لوسائل التواصل الاجتماعي بعض التأثيرات الإيجابية للغاية من حيث تمكين الناس وربطهم، لكن في الوقت نفسه نتجت عنها منصات جديدة لبعض السلوكيات غير الصحية وحتى المدمرة. أنا كتبت عن هذا الموضوع في بعض مقالات الرأي، وأرى أن معرفة كيفية الاستعمال، واستغلال هذه الوسائل لبلوغ أهداف واضحة يعصم الشباب من مطبات ومصائب كثيرة جدا، ومع ذلك فالخطر محدق على الهوية، والدين، والتفكير، والسلوك ونمط الحياة، بل وهناك تحور حاصل عالميا في القيم، ودون احتواء هذا التطور وتوجيهه ستكون عواقبه وخيمة خاصة في المجتمعات التي لا تعلم استعمال هذه الوسائل في البيت والمدرسة تحت رعاية المربين، بل الاستعمال فيها إلى حد كبير عشوائيا جدا في فئة الأطفال والمراهقين ونسبة كبيرة من الشباب الذي يتعرض لهزة عنيفة وموجات طاغية من المعلومات والصور والأنماط التي لا يحسن حتى التعامل معها.
– هل أنت قارئة لأسبوعية البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟ وما رأيك فيها؟
-قراءتي للمجلة بدأت في مرحلة الثانوي وذكرياتي عنها أنها كانت ماتعة وشيقة وأصيلة، أقللت منها في غربتي الطويلة لكن كنت أعود إليها من حين لآخر لأرتشف منها كمنبع فكري أصيل وملتقى لعقول جزائرية رائدة، وعند الحديث عن البصائر الأسبوعية فهي تتربع في الساحة الإعلامية كعمود حر وأصيل للفكر الإسلامي والثقافة الجزائرية العربية الأصيلة، وتساهم في تطوير ونمو الوعي الحضاري في الجزائر، فهي ذاكرة الإصلاح والتغيير وتمتد جذورها إلى هوية الأمة الجزائرية بمكوناتها الحيوية من دين ولغة وموروث ثقافي ثري وليد عهود وحضارات متتالية، ولكي تواكب أسبوعية البصائر عجلة التغيير السريعة جدا، لابد بأن تكون في متناول الشباب وتوجه جهودها للشباب ليكتب ويقرأ ويطرح قضاياه المعاصرة، وتظل ملتقى العلماء والمثقفين على مر الزمان لأن هذه الجريدة أمانة أجيال ترفع من جيل إلى جيل وإن تغيرت الوسائل فالرسالة ثابتة.
– هل لديك ما تقترحينه علينا لنجعل صفحة الأسرة الأسبوعية ترتقي وتزداد ألقا؟
-أنا متأكدة أن للبصائر الأسبوعية خطة إعلامية محكمة لكن من خلال تأملاتي المتواضعة في مجال النشر وما استجد في الساحة ولا أريد أن أوصي بما هو معروف، أرى أن المرحلة القادمة فرضت تحديات من نوع جديد، وستتحكم في النشر والطباعة بشكل مباشر، من المؤكد أنه ستظل الطباعة لبعض الوقت. ومع ذلك، فإن الخطى الرقمية أسرع وأكثر تطلبًا وأتصور أن النجاح سيتوقف على المحتوى الرقمي ويقتضي العمل على منصات متعددة.
فلابد من المقارنة والتقييم المستمر وفقا للتجارب الجيدة والناجحة، والنظر إلى موقعنا من العالم في كل ما نفعل، فلو نأخذ مثال Forbes وTechnologyReview، وهي مجلات ناجحة جدا ومعروفة وتشارك العالم قصص نجاحها وإخفاقها، حققتا نجاحًا كبيرًا مع النهج الرقمي شديد التركيز، وذلك يعود إلى اعتماد سياسات معينة، مثل جعل الكتاب يركزون على معايير مدروسة وحث الكتاب على التفاعل مع القراء بالدرجة الأولى وخاصة فئة الشباب وهو أمر بالغ الأهمية للنجاح في النشر الرقمي، بالإضافة إلى قرارات المحررين بشأن المحتوى والميزات التفاعلية، وهذا يتعلق برؤية المجلة وأهدافها القريبة والبعيدة وآليات التنفيذ وبلوغ نسب عالية من القراء والمتفاعلين وأؤكد بشدة على التقييم المستمر فهو مفتاح النجاح.
ثم إن الكثير من ناشري المجلات أصبحوا يعتمدون على الفيديو مع احتدام سباق المحتوى، فالفيديو لم يعد ملكا للقنوات التلفزيونية بعد ثورة اليويتوب، ولذلك الكثير من محتوى المجلة يمكن أن يتحول إلى محتوى رقمي، على قناة المجلة وهو تغيير جذري سيرفع أداء المجلة إلى مصاف المجلات ذات المحتوى الفاعل. وهو معمول به بشكل واسع اليوم ومع ذلك، فإن مجرد إنشاء قناة يوتوب ليس كافيًا. بل يتعين نيل الإعجاب وتحقيق القبول لأن الفيديو وسيلة مختلفة تمامًا وطريقة جديدة تمامًا لرواية الحدث أو القصة أو إيصال الفكرة وهذا يحتاج إلى منحنى تعليمي حاد للمحررين.
ومن المفارقات أنه على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي كان من المفترض أن تقتل النشر المحترف، لكن بدلا من ذلك أصبحت مصدرًا رئيسيًا لزيارة مواقع الجرائد والمجلات؟ ونظرًا لوجود ما هو أكثر من الكتابة في الكتابة، فالذين يكتبون المحتوى يقومون بعمل أفضل بكثير من الهواة الذين ينشرونه بحثا عن الإعجاب، والهواة لا يستغنون عن المحتوى الجيد، وهنا تأتي أهمية وسائل التواصل الاجتماعي الإضافية التي تعتمد في نجاحها بشكل كبير على العناوين والمحتوى القوي والجديد الذي يرغب الناس في مشاركته وهذا يعني مشاركة الكتابة الجيدة، فلا غنى للنشر الرقمي عن محتوى فكري ثقافي ديني اجتماعي جيد يعالج قضايا المجتمع ويطرح ما يهم القارئ، ويبني علاقة رقمية بين المحرر والقارئ، فلطالما كان النشر الممتاز يدور حول أكثر من مجرد محتوى ويتعلق أكثر ببناء تلك الرابطة ذات الخصوصية.
كما أرى أنه ولسوء الحظ ستندثر الكثير من المنشورات التقليدية لأن العديد من الناشرين اتخذ إحدى الطريقتين التاليتين: إما أنهم يحاولون تجاهل النشر الرقمي واستعمال التكنلوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت واقعا، أو يختارون طرق التكنولوجيا الثقيلة ويجربون كل وسيلة للتحايل على محركات البحث والبيانات الوصفية في المقالات والمنشورات وكلاهما يتجاهل أهم عنصر وهو كسب القارئ، والقاعدة أن النشر مرتبط بالقراء. وهذا في نظري ما يجعل الفرصة الرقمية هائلة من أجل أداء أفضل.
وأشكركم على هذه الاستضافة، وأتمنى لأسبوعية البصائر التوفيق والإبداع.
بارك الله في جهودكم.