على بصيرة

حدثونا عن ملتقى الفكر الإسلامي فإنا نسيناه!

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

كان تاجا فكريا، ظلت تعلقه الجزائر على جبينها الفكري لأكثر من عقدين من الزمن، فتتيه به، فخرا، وإعجابا.
وكان منبرا علميا، طالما فاخرت الجزائر به، الجامعات، والمراكز العلمية، بما كانت تستقطب به، من أساطين البحث العلمي، في مختلف ألوان الفكر الإنساني.
ذلك هو ملتقى الفكر الإسلامي العالمي الذي سارت بخبره الركبان، وازدانت بلآلئه وسائل الإعلام المختلفة في شتى البلدان.

فهو منبر الفكر الإسلامي الحر، الذي وضع أسسه الأولى المفكر مالك بن نبي، وتعاقب على حمل وإعلاء مشعله كل من مولود قاسم، وبوعلام باقي، وعبد الرحمن شيبان وغيرهم من الوزراء، وثلة من المريدين الأصلاء.
هكذا ظلت الجزائر لسنوات كثيرة، قبلة للفكر الحر، والمفكرين الأحرار، على تباين قناعاتهم، وتنوع مذاهبهم وتياراتهم، يشخصون بحكمة، وحنكة، قضايا الإنسان والإنسانية، ويحللون أمراض وعلل وأزمات، المعضلات الإسلامية.
فكيف خبا نجم هذا الملتقى الفكر الإسلامي الرائد؟ ولماذا كبا جواد الجزائر في هذا المجال السائد؟ لقد انطفأت أضواؤه، وخفت أصداؤه، وسحبت من الساحة منهجيته وآراؤه.
سطا على فكرة ملتقى الفكر الإسلامي، أعداء الفكر الحر المتنامي، فحولوه إلى سراب، وقال قائلهم، إنه مصدر كل إرهاب، فدفنوه وهالوا عليه التراب.
ليت شعري؟ ألم يعد في وطني بقايا من مُضَرٍ أو محارب؟ وهل غاب – في ثقافتنا، ولَدَى مسؤولينا، المسدد والمقارب؟
أين هم حماة الفكر الحر الأصيل؟ كيف انهزموا تحت وطأة الفكر الغازي الدخيل، واستسلموا لناعق المنادى بالوأد، والويل والعويل؟
كان يحدونا الأمل، في أن نواب الأمة الأصلاء الأحرار، في مختلف الدورات والأطوار، سوف يهبون لإزالة الصَّديد، ونفض الغبار، ويعملون لإحياء ما زرعه آباؤهم، وأجدادهم الثوار.
وكنا نأمل، أن تتبنى الأحزاب السياسية، والمنظمات الوطنية، والهيآت الثقافية، شعار التنمية الثقافية، إلى جانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأن تترين الحملات الانتخابية على جميع الاستحقاقات، بالدعوة إلى حرية الفكر والثقافة، إلى جانب حرية التعبير في الإعلام والصحافة.
ولكن خاب الرجاء، فسادت لغة الخبز والدجاج والبطاطا، ومختلف التوابل، على شعار الفكر والثقافة، وحرية العقل واخضرار السنابل.
ليس بالخبز، واللحم، والماديات وحدها تحيا الأوطان، فتلك أغذية الأبدان في الحيوان والإنسان، أما الحياة الحقيقية للإنسان لا تكون إلا بالحب والإيمان، والعقل واللسان، والشعور والوجدان.
لقد كان ملتقى الفكر الإنساني الذي رفعته الجزائر، عربونا لحريتها واستقلالها، هو عنوان وجودها، في العالم، كشفت به عن المواهب، وسمت به عن خزازات المذاهب، فجلبت بذلك أنبل المكاسب، وحققت أعلى المطالب.
إن الراصد للحياة الثقافية عندنا –في شتى تجلياتها اليوم –ليدرك مدى ضحالة الفكر السائد، وتقليد التافه من الفكر الوافد، ومعاداة كل ما هو أصيل وخالد.
فكيف نشقى، وكل معالم ومعاني السعادة كامنة فينا؟ وكيف نعاني الجوع والظمأ والماء بين أيدينا، وبين ظهرنينا؟
كالعيش في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمول
يحدث كل ذلك لضياع البوصلة، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
لهذه المعطيات كلها، نوجه نداء ملحا، إلى كل القائمين على الشأن الوطني عندنا، في أي موقع كان، ساسة، نوابا، أحزابا، كتابا وطلابا، أن ميزان القوى، في سلم التنمية، يجب أن يتغير، فمؤشر الفكر والثقافة يجب أن يُمكّن له كي يسود، فيتحصن المواطن بالعلم، والوعي، كي يحيا ويذود.
وحدثونا –إذن- عن ملتقيات الفكر الإسلامي، التي كانت عنوان وجودنا، ورمز إشعاعنا وصمودنا، ومعيار رقينا وصعودنا.
إن من المطالب العاجلة، التي يجب على كل من له أدنى مسؤولية في هذا الوطن من السياسيين، والحزبيين، والنقابيين، والجامعيين، والاقتصاديين على الجميع أن يتنادوا، لتصحيح المفاهيم، وإعادة وضع التعاليم، فإن أولوية الأولويات، اليوم، الإحياء الثقافي الذي إن حققناه، سيسود التآخي والتصافي، ونقضى بالفكر، على الأحقاد، والضغائن والتجافي، كما أن الاستثمار الصحيح، يبدأ في بناء العقل، وتحرير الحقل، والنهوض بالطفل.
إن ملتقى الفكر الإسلامي، أمانة في ذمة كل الجزائريين والجزائريات، حياتهم في إحيائه، ونهوضهم في إنمائه.
حدثوا الأجيال الصاعدة، عن دور ملتقى الفكر الإسلامي في تطهير المحيط، وتأصيل المخيط، وتطوير البسيط.
هل يعي نواب اليوم، ما غفل عنه نواب الأمس؟
وهل تصلح بلديات المستقبل ما أفسدته بلدية الماضي؟
نأمل أن يستيقظ الجميع من غفلة الذهال وأن يعيدوا قياس مسافات المآل، ومن أجل ذلك نصبح: حدثونا عن ملتقى الفكر الإسلامي حتى لا ننساه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com