عين البصائر

كلمـــــة الشيخ بن يونس آيت سالم في الأسبوع المحمّدي بتلمسان

إنّ سيرته صلّى الله عليه وسلّم لهي أعظم سيرة، بشهادة القريب والبعيد، فواجب علينا أن نعطيها حقّها. فلا ينبغي أن تقف دراستنا للسيرة النبوية عند حدود العواطف، ولكن لا بدّ أن يكون من وراء ذلك العقل؛ لأنّها سيرة غنيّة معطاء. يقول الإمام العلامة محمّد البشير الإبراهيمي: «ينبغي أن نقرأ سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعقولنا».
معاشر الإخوة الكرام، إنّ هذا الشّهر الذي نعيش أواخر أيّامه، شهر ربيع الأوّل، ربيع الأنوار، شهر اصطفاه الله تبارك وتعالى ليكون شهر ميلاد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، سيّد العرب والعجم، وخير من مشى على قدم.
إنّ الأيّام شبّهها بعض الحكماء بعلب المجوهرات، هي علب تتشابه، ولكنّ العلبة إنّما تكتسب قيمتها ممّا يوضع فيها، فهذا الشهر، شهر ربيع الأنوار اكتسب قيمته من كونه شهر ميلاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فعندما نحيي ذكراه عليه الصلاة والسلام ينبغي أن نتساءل لماذا نحييها؟، ونحيل الإجابة إلى الإمام العلامة ابن باديس رحمة الله عليه، يقول: «فعودوا بالذكرى إلى حياة هذا النبيّ الكريم، فاستمدّوا منها نور إيمانكم، وجدّدوا بها صرح توحيدكم».
معاشر الأحباب، ما أظنّني بحاجة إلى أن أذكّركم بما قاله العلماء والشعراء والأدباء والمؤرّخون، من أبناء أمّتنا الإسلاميّة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأنتم تعرفون الكثير من ذلك، وأكتفي بالتذكير ببعض ممّا قاله شاعر رسول الله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حسّان رضي الله عنه في مدحه عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ به الإعجاب به مبلغا لا مزيد عليه، قال:
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني  وَأَجمَـلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِســـاءُ
خُلِقتَ مُبَرَّأ مِن كُـــلِّ عَيــبٍ كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ
طوبى لنا معشر الأحباب إذ كنّا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
معاشر الإخوة الكرام، لا بأس أن أنبّه شبابنا وناشئتنا ليعلموا أنّ المنصفين من غير المسلمين، قالوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الشيء الكثير من المدح والثّناء والاعتراف له بالعظمة، وأضرب لذلك مثلا: نابليون الذي كان يظنّ أنّه لا يُغلب، فبعد أن درس سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم كان من ضمن ما قال : «أحمد الله أنّه لم يخلقني في زمن محمّد (صلّى الله عليه وسلّم)، إذ لو خلقني في ذلك الزمان لغلبني محمّد؛ إن لم يغلبني بسيفه غلبني بأخلاقه».
وإليكم شهادة أخرى من الشّاعر الفرنسي الكبير والسيّاسي لامارتين، وقد عاش في القرن التاسع عشر، يصف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، معجبا به، بأنّه الفيلسوف والخطيب والمشرّع، وإنّه ألهم العقل، وجاء بعقائد لا تتنافى معه، وإنّه جاء بدين لا مرية فيه.
أيّها المسلم، إنّ الخلق الكريم يبوّئك أعلى المنازل، ويجعلك من أحباب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ففي الحديث الشّريف: «إنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا …».
معاشر الإخوة المؤمنين: لا شكّ أنّ كلّ مسلم يحبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّ الله تعالى ابتلانا في هذا الحبّ بقوله جلّ وعلا:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[سورة آل عمران 31].
معاشر الأحباب، لا ينبغي أن تضلّ هذه المحبّة شعورًا في القلب وكلمات على اللّسان، بل يجب أن تترجم إلى أعمال، إلى أخلاق، إلى مواقف، وصدق من قال: «ما أرخص الحبّ إذا كان كلامًا، وما أغلاه إذا كان صدق نيّة وسلامة طويّة ويقظة ضمير وسموّ خلق واستقامة عمل».
معاشر الإخوة الكرام، في النّفس كلام كثير، ولكن لا أحبّ أن أثقل على القائمين على التنظيم، فإنّهم مقيّدون بالبرنامج، لكن هناك سؤال يطرح: كيف نستثمر مثل هذه الذكريات؟، أحيل الجواب إلى الإمام ابن باديس، العالم الرباني، رائد النهضة الجزائريّة، قال، رحمه الله، موجّها ومرشدا: «إنّ محبّتنا فيه (رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) تجعلنا نحب كلّ خلق من أخلاقه، وكلّ عمل من أعماله، ففي ذكريات مولده نذكر من أخلاقه ومن أعماله ما يزيدنا فيه محبة ويحملنا على الاقتداء به، فنستثمر تلك المحبة بالهداية في أنفسنا ونشرها في غيرنا، تلك الهداية التي لا يجد العالم سعادة حقّة إلا إذا تمسك بها».
وأقف هنا، مردّدا مع الشاعر قوله:
الله علمـــه وحياً بلا قلـم سبحان من علم الإنسان بالقلم
إذا أردتم سلام الأرض فاتّبعوا محمّدا وأريحوا هيئة الأمــم
معاشر الإخوة الكرام، نعود إلى التذكير بأنّ كوننا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم إنما هو اصطفاء من الله تبارك وتعالى لنا، فلنكن في مستوى هذا الاصطفاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com