البرلمان واللغة العربية في بلادنا
أ د. عمار طالبي/
استمعنا إلى رئيس البرلمان الجزائري وإلى اهتمامه بهذه اللغة التي لا نرى اهتماما بها في أوساط النخبة السياسية، ونحن مقبلون على الانتخابات، ولاشك أن البرلمان يمثل كل شرائح المجتمع والأوساط المعنية بالشأن السياسي العام، وثقافة الأمة التي تتعرض هويتها للشكوك، والضبابية، فهل يعود البرلمان لما وافق عليه من قانون استعمال اللغة العربية، وقرره ولكن جمّد بعد ذلك، بسعي غير مساعد على تنفيذه، ولا ندري ما وراء ذلك من أغراض إضعاف هذا اللسان في ميادين كثيرة، ويا ليت يسن البرلمان قانونا يمنع المسؤولين من التحدث بلغة أجنبية في وسائل الإعلام، وهم يخاطبون الشعب الجزائري، ولا يبالون بمسألة مقدسة وهي مبدأ السيادة وحرمة الدولة والشعب، وإني أعجب بخطاب معالي وزيرة البيئة وفصاحتها، وهي تخاطب مجتمعا دوليا يتداول مسألة عالمية.
وهي مشكلة الاحتباس الحراري الذي يهدد الكرة الأرضية بفيضان البحار على اليابسة، وذوبان الجبال الثلجية في شمال القارة، مما يؤدي إلى فساد بيئة الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، بهذه السموم التي تنبعث من مختلف الدول الصناعية التي لا يهمها إلا الإنتاج، ولو أدّى إلى نشر هذه السموم على العالم وفساده، كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم/41] فإذا انخرق الغلاف المحيط بالكرة الأرضية الذي يحميها مما فوقها فذلك نذير هلاك، وتدمير لهذا العالم برا وبحرا وجوا.
نسمع خطب ممثلي الدول المجتمعة في جلا سكو وما فيها من بيان الأخطار، والأهوال، ولكن أن تصدر قرارات حاسمة ملتزمة بها، يبدو أن هذا لم يصلوا إليه بعد، وتركوا الحرية لكل دولة وما يساعدها ولا يضر بإنتاجها واقتصادها، ومعنى ذلك أننا نبقى في تسيّب، وفوضى لا نهاية لها، كما يبقى قانون استعمال اللغة العربية لا راعي له، ولا متابع، ولا تنفيذ، ولو رجع إلينا الأستاذ الغيور الوطني العظيم مولود قاسم لهاجمنا، ولسالت دموعه غزيرة على ضياع ما حققه، وسعى له حتى أصبح قانونا أقره البرلمان، وعطله الشيطان وذرتيه من الجن والإنس، بما وسوسوا به، وخنسوا وبثوا في صدور الناس فاستجابوا لذلك كله، واجابوا نداء هؤلاء الأبالسة، وما إليهم من النفاثات في العقد وحبال التعطيل والتبطيل، والتضليل إنها لإحدى الكبر التي تضر أي ضرر بهوية الأمة وثقافتها في الصميم، ولكن أكثر هؤلاء لا يعلمون أو يعلمون ثم يمكرون، إنهم يكيدون كيدا، ولا رادّ لكيدهم.
سمعنا في مؤتمر السيد وزير الطاقة والمناجم، مع الوفد التركي، الذي تكلم بالعربية، كما استمعنا إلى وفد صيني يتكلم بالعربية في عدة مؤتمرات في الجزائر، في حين تجد بعض إخواننا المسؤولين يرطنون باللغة الأجنبية، ولا يترددون، ويبدو أنهم لا يشعرون بما ينطقون كأن ذلك عادة مستحكمة في أدمغتهم، نسأل الله السلامة في أدمغتنا من ان تصاب بما أصيبوا به، من بلاء أو وباء، يتكلم الناس عن الوباء الذي يصيب الأجسام ويفتك بخلاياها، ولكنهم لا يدرون أن هنالك نوعا آخر من الوباء والطاعون يصيب النفوس والعقول، ويستعصى على الشفاء منه، وهو أخطر لخفائه وإن ظهرت أعراضه بوضوح.
نتوجه إلى إخواننا وأبنائنا ممثلي الأمة في البرلمان وفيهم ثلة من شبابنا الحي أن يلتفوا إلى هذا الوباء، ويصنعوا له جرعات فعالة، تشفي الغليل، وتداوي العليل فهذا مجمع اللغة العربية الجزائري معطل مكبّل وهو الأكاديمية التي من شأنها الحفاظ على اللغة وتطويرها ووضع سبل تعليمها بمنهج علمى معاصر ينفع الأمة فأين إحياؤه وتفعيله؟ وقد نبهنا إلى ذلك عدة مرات وكتبنا إلى الرئاسة ولكن لا مجيب، نسأل الله العافية.