متى يرشد المسلمون في العالم؟/ د. عمار طالبي

هل نلوم القرار الأمريكي؟ ونسخط ونغضب ونتظاهر ونخطب ونكتب البيانات وندين وحسبنا ذلك؟
إن هذه المظاهرات والإنكار لا تلبث أن تذهب أدراج الرياح، ولا تعدو أن تكون أصواتا ثم تسكت، وتهدأ، وينفّس الناس عن غضبهم بها، وتتكرر كل مرة تصاب فيها بكارثة وتتكرر المؤتمرات والنداءات والبيانات، والعدو يسير في طريقه ويهزأ بهذا كله، لأنه لا يرى لها نتيجة في الواقع، ولا أثرا يغير من الواقع شيئا.
إن الأمر في النهاية يرجع إلى ضعفنا وانقسامنا وتفريطنا وهواننا على الأمم، ومنذ أن وقع اتصالنا بالغرب وغزانا في ديارنا وحكمنا، وهو يقرر مصيرنا، وما يزال إلى اليوم، فلم نكن تلاميذ أذكياء لنتعلم، ونكتب التقنية، ونفكر تفكيرا جديا في تغيير أوضاعنا باستعمال الاستثمار الاجتماعي، والعلم الذي ينهض بنا، والبحوث التي تعالج شؤوننا، وتحقق مصيرنا إلى الحضارة، فقد كان غيرنا تلاميذ نجباء، تعلموا وأخذوا، ثم أصبحوا أساتذة وسادة لأنفسهم، بحثوا وأبدعوا وحققوا مجتمع المعرفة أو ما يسمى اقتصاد المعرفة اليوم، فارتقوا وتخلصوا من التخلف والفقر والجهل، وهم قد بدؤوا النهضة بعدنا، فوصلوا وبقينا نعاني من التخلف ومآسيه، وأصبحنا مسرحا لألعاب الآخرين الأقوياء الناهضين، وأوطاننا مفتوحة لكل مغير وغاز وطامع ومستعمر وساحة لمطامع الدول، وجيوشها تجرب فيها الأسلحة، وتضع قواعد عسكرية وتدمر حياة الناس ومدنهم وحضارتهم، وكادت تنشب حروب دينية بما يتآمر بنا الغلاة من الصهاينة، ويؤيدهم الغلاة من المسيحيين المتصهينين، الذين يحملون الأموال للصهاينة، ويجندون وسائل الإعلام لتقوية وجودهم في الأرض المقدسة، ودفع الرشوة إلى بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي ليقفوا معهم، ويدفعوا مقابل ذلك التأييد السياسي والإعلامي والمخابراتي بدون حساب، ويستندون في ذلك أيضا إلى التوراة، ووعودها التي يؤمنون بها باعتبارها تعد بعودة المسيح ليحكم العالم، ويدخل جميع الناس في دين المسيح، بما في ذلك بنو إسرائيل، ويعتقدون أن وجود الصهاينة اليوم هو تمهيد بعودة المهدي المنتظر، ومن حارب الصهاينة فقد حارب الله، وهذا معتقدهم، وفي مقدمة هذا الكنيسة “الانجليكانية” المتطرفة، تقيم مؤتمرات في فلسطين نفسها، وتدعم الصهاينة بكل وسيلة؛ وما هذا القرار الأمريكي إلا نتيجة لذلك كله منذ زمن طويل.
إننا لا نتخلص من هذا الضعف والهوان على الناس إلا بالبحث العلمي، الذي ينمي قوتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدفاعية.
ولا يمكن أن نبقى مجرد مستهلكين لما يقوله الآخرون، وسوقا لبضائعهم وإنتاجهم، لا نفكر في أي شيء من ذلك إلا في شرائه واستهلاكه، ولا نلتفت إلى الأفكار التي صنعت ذلك أو أبدعته، فأصبح عالم الأفكار بعيدا عنا ولا نتعلق إلا بعالم الأشياء وهو شأن المرحلة الطفولية للإنسان، فإن الإقلاع الحضاري لا يتحرك إلا بالأفكار التي تدعمها قيم أخلاقية، ومنها قيمة العمل الفعال، الذي تسنده فكرة ورؤية واضحة.
فإن قيمة الفعالية تأتي في أول سلم القيم الحضارية وصدارتها، وقد علمتنا التجربة الحضارية الإسلامية في مجال التربية الجمع بين النظر والعمل، فقد كان يقول الإمام مالك رضي الله عنه: “لا أحب إلا ما تحته عمل”.
وفي القرآن الكريم: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}[سورة مريم:12]، وفيه {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ}[سورة البقرة:63]، ومن صفات الله جل جلاله: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}[سورة البروج: 16]، وأمرنا أن نتخلق بصفات الله تعالى، وأن تكون معيارا لسلوكنا وأعمالنا في حياتنا.
فلنطلق طاقتنا الاجتماعية والفردية في مجال الفكر والعمل والبحث العلمي الذي هو قاطرة التقدم ومحركه في الجامعات ومراكز البحوث.
ولحد الآن لم نسمع عن أكاديمية العلوم التي افتتحها معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فهل تبقى مجرد شعار، أو زينة لا أثر لها ولا فاعلية؟
خلاصنا في العلم والتقييم والقيم التي تدعم ذلك كله، فهل من سبيل لتغيير شؤوننا العقلية ومناهجنا العلمية؟