على بصيرة

أنا جزائري أمازيغي، فأنا مسلم عربي/ د. عبد الرزاق قسوم

 

ما بال بعض الساسة عندنا، ممن ضعفت وطنيتهم، وفسدت طويتهم، وساءت نيتهم، ما بالهم يتسترون خلف البراءة من فلذات أكبادنا، فيقحمونهم في الغثاء السياسي من هويتنا وثقافتنا؟

ما لهؤلاء السياسيين، وقد انقض الجميع من حولهم، رفضاً لما يدعون، وكفراً بما يزعمون، ما لهم يشوشون على الغاشية، ويرفعون كلمة حق أريد بها باطل، وهي الأمازيغية ويا للداهية؟!

ويسألونك عن الأمازيغية، فقل هي تمازج عناصر وطنية، وانصهار مقومات ثقافية، لتصنع رافداً، من روافد الهوية الوطنية. فالأمازيغية، هي هذه اللهجات الثقافية الشعبية التي نتداولها في أقصى الجنوب، تحت عنوان “التارقية” أو القبائلية، وهي اللهجة البربرية التي يتخاطب بها بعض إخواننا الميزابيين في بيوتهم، أو بعض إخواننا كبار الشاوية في حقولهم، و”مشاتيهم”. وهي القبائلية التي يغنّى بها بعض مواطنينا في منطقة القبائل، إن هذه اللهجات مجتمعة، هي التي تسمى بالأمازيغية، هذا الرافد التراثي العظيم، الذي يصب في نهرنا الثقافي الجزائري الخالد.

غير أن بعض الساسة، الذين أفلسوا في المجال السياسي التنافسي الصحيح، لقحط في شخصياتهم، أو لضعف في مكونات ثقافتهم، أو لإعاقة في أدوات إقناعهم، إن هؤلاء الساسة، هم الذين سطوا على النهر الوطني العظيم، في مسعى لتحويل مجراه، وما هم ببالغيه.

لذلك وجدناهم، يلجؤون إلى المقوم الهام وهو مقوم الأمازيغية، فيعملون على استخدامه باستخدام أدوات شيطانية رهيبة مثل:

  • اختزال الأمازيغية في مجرد اللهجة القبائلية بالنفخ فيها، واستغلال مشاعر الناس في المطالبة بترقيتها.
  • ربط هذه القبائلية، بالأكاديمية البربرية في باريس، وإسناد مهمة “ترقيتها إلى المتخصصين في الأنتوغرافيا”، بتطهيرها من كل ما هو عربي أو إسلامي، لفصل أهلها عن الانتماء الأصيل بهم، وهو الجزائرية، والعروبة، والإسلام.
  • صبغ اللهجة الجهوية بالصبغة السياسية بإعطائها علماً مميزاً، وتحديد فضاء جغرافي لها، والمطالبة، بالانفصال لها، عن الوطن الأم.
  • تعبئة البراءة الأطهار من شبابنا الجامعي وشحنه، بكل أنواع التعصب، إلى حد إنزال العلم الوطني من عليائه، وإحلال العلم المصطنع كبديل له.

ويحدث كل هذا في صمت من العلماء والمجاهدين، والمواطنين الشرفاء،  الذي أبلوا، وجاهدوا واستشهدوا في سبيل تحرير الوطن من براثن الاستعمار، والمحافظة على وحدته في ظل الأمازيغية، والعروبة، والإسلام التي تصنع الثلاثية المقدسة للجزائر العزيزة.

فيا أبناءنا، في جامعات تيزي وزو، وبجاية، والبويرة…! إنكم مصابيح هذا الوطن، وأمل البناء فيه، إنكم القدوة الحسنة لباقي الشباب، فحذار أن يفتنكم الاستعمار وعملاؤه، وإن الاستعمار شيطان، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[سورة فاطر، الآية: 6].

إنكم يا أبناءنا، أحفاد علماء ومجاهدين وشهداء، فإياكم أن تنخدعوا بالشعارات الخداعة، الهدامة، فإن في ذلك دوسا على تاريخكم، وأصولكم، وانتمائكم الحضاري العريق.

فلا أحد ينكر أمازيغيته، ولا أحد يمكن أن يصدنا عن عمقنا الأمازيغي الأصيل، ولكننا جزائريون أمازيغ، عرّبنا الإسلام، وليس على حساب أمازيغيتنا الموحدة لا المشتتة.

إن الأمازيغية، في مفهوم الجزائريين الشرفاء هي هذه الثقافة الشعبية المتنوعة الأعراق والأقاليم، التي تصب كلها في نهرنا الخالد الخصيب، نهر الجزائر الأمازيغية العربية المسلمة، وهو فخر للجزائر وللأمازيغية معا.

لقد كان أجدادنا في منطقة “زواوة” أو القبائل اليوم، يكتبون القبائلية بالحروف العربية، فكانت مراسلاتهم الشاهدة لهم اليوم كلها تكتب بحروف عربية.

وفي منطقة “زواوة” بالذات برز علماء عظام، في النحو، وفي الفقه، وفي التصوف، وفي الإصلاح، من أمثال العالِم النحوي الكبير ابن معطي الزواوي، والعالِم الفقيه الكبير المشدالي، والعالِم المتصوف المحدث الكبير الشيخ عبد الرحمان الثعالبي، والعالِم الإصلاحي الكبير الشيخ أبو يعلى الزواوي، وغيرهم، على سبيل المثال لا الحصر.

إنكم يا شباب وطننا، ويا أبناء جامعاتنا طلاب العلم، ورواد الثقافة، ورموز الوطنية، فالتمسوا هذه القيم النبيلة في الآفاق الواسعة، ولا تلتمسونها في الآفاق الضيقة، التي يصنعها  التعصب الأعمى والإقصاء الأنكى، والإنزواء الأدهى.

تعالوا جميعاً إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، وهي المطالبة بترقية العربية والأمازيغية معاً، فهما شقيقتان متكاملتان، وفي قوة كل منهما قوة للأخرى، في ظل وحدة الثقافة، ووحدة الوطن، ضمن الخيمة الكبرى التي هي الإسلام الضامن لوحدتنا، والحامي لسيادتنا ولحمتنا.

إن الأمازيغية، ليست هي القبائلية وحدها، وإنما هي معظم اللهجات الإقليمية، وإذا أردنا العناية بها، وترقيتها، فلنسند مهمتها إلى الباحثين الأكاديميين، الذين يعنون بإحياء التراث الصالح منها، وترك الفاسد من تراثنا، ولن يكون ذلك إلا بكتابتها بأحرف عربية كي تصبح ملكاً للوطن جميعاً. وإن تنزع من أيدي الساسة، الذين يريدون أن يستخدموها قميصاً كقميص عثمان، يحققون بها شعبيتهم، ويضربون بها العربية، تحقيقاً لفرنسيتهم، وما لهذا جعلت الأمازيغية، ولا لهذا عمل العلماء، عند الحديث أو الكتابة بها، فهؤلاء المطالبون بترقية الأمازيغية هم أكثر الناس جهلاً بها، وما وجدنا منهم من يتقنها، والتحدث بها، وإنما هي شعار سياسي، يتخذ لإلهاب مشاعر الجماهير.

إن الأمازيغية مقوم مشترك أساسي من مقومات هويتنا، وشخصيتنا، فلنعمل جميعاً على أن يكون عامل وحدة لوطننا، ورافد قوة من روافد ثقافتنا.

ألا، فليتق الله، من جعلوا من الأمازيغية “أمازيقية” من تمزيق ضد الأمّة، وتشتيت كلمة الوطن، فالوطن أمانة الشهداء في أعناقنا، ووديعة العلماء في ذمتنا، ووصية المجاهدين لنا؛ فلنصن الأمانة، ولنحم الوديعة، ولنحفظ الوصية، وإن البقاء للأصلح.

﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾[سورة الرعد، الآية: 17].

واذكروا دوماً شعار: “أنا جزائري أمازيغي، فأنا إذن عربي مسلم”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com