الإمــــــــام مبــتــلــى
الشيخ مولاي قرشي
لا يسعني في هذا المقام إلا التعريف أو التذكير بكلمة (الإمام). فإني أتعرض لآيتين كريمتين الأولى من سورة البقرة، والثانية من سورة الفرقان، والثالثة بعد ذكر صفات الرحمن.
يقول رب العزة {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}[البقرة:124]، قال تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}[النجم:37]، وقال تعالى {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}[الفرقان:74].
إن كلمة إمام عبارة عن تاج من طراز خاص لا يعطيه الرب عز وجل إلا لمن هو أولى به من العارفين المتمتعين بفضائله، وأحكامه من أوامر، ونواه، قال تعالى {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} [الفجر:27/28]، يقول المفسرون هي من (طراز خاص).
لو كنا نعلم ما بعد إعطائنا هذا الاسم من مسؤولية أمام الله، فكل ما يحدث في البلاد من شقاق، وخلافات، وعصيان، وظلال، ونفاق: الإمام مسؤول عنه بالدرجة الأولى وهذا هو ابتلاء إبراهيم عليه السلام بالإمامة.
إن الكلمات التي اختبر الله بها نبيه عليه السلام كثيرة ومتعددة لما جاء به رواة الحديث وكلها تصب في ملتقى واحد وهو ابتلاء إبراهيم عليه السلام واقتصر على ما جاء في الآية قوله تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} يقول بعض العلماء: وفى بماله للضيفان وببدنه للنيران وبقلبه للرحمن، قال تعالى { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً }[الأنعام:115]: إما خبر صادق، وإما طلب عادل جعله الله للناس قدوة يقتدي به.
روي عن ابن حاتم، أخبرنا الحسين بن الصباح عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى، { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر ما هو؟ قال ابراهيم تجعلني للناس إماما، قال الله تعالى (إني جاعلك للناس إمام) قال إبراهيم ومن ذريتي، قال الله تعالى لا ينال عهدي الظالمين، قال إبراهيم أن تجعل البيت مثابة للناس، قال الهه نعم، قال إبراهيم وأمنا، قال الله نعم قال إبراهيم وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا، قال الله نعم، قال إبراهيم وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم، قال الله نعم.
ثم جاءت الآيات مجيبة ومسترسلة وموضحة ليطمئن إبراهيم وذريته إلى يوم الدين.
قال الله تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ * وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة:127/126].
فالله تبارك وتعالى لم يجعل إبراهيم (إماما) إلا بعد أن امتحنه، على مدى صبره وعلى طاعته والشوق إليه فكان بحق أولى بكلمة (إماما) لأنها أعلى منزلة عند الله.
لو كنا ندرك أو نعلم ما جزاء الإمام عند الله من أجر وثواب، وفضل على الناس، لا نامت لنا أعين ولا هدأ لنا بال، ولا سكن في قلوبنا جان، ولا تقرب منا شيطان، ولا ظهر فينا عصيان، ولا استطاع أحد أن يثني عزمنا إلى الرحمن، ولا استقر في أرضنا بهتان، ولا حدث ما حدث بيننا من شقاق، وتنافر، وتطاحن وظلال.
مثل الإمام كمثل الطبيب الماهر، إذا وُضع المريض بين يديه: يشخص الداء ويعجل بالدواء ولو بابتدال عضو من أعضائه، فمن خصائص الإمام التنبه والتحري وهنا يظهر (الابتلاء) فإن كان الإمام من العارفين الذين لهم إيمان بالله وصدق باللسان عندما تظهر آفة ما في مجتمعه، من اعوجاج أو من انحلال خلقي، يتصدى له في حينه، قبل أن ينتشر ويصبح المجتمع يعاني من ويلات، وحسرات، ونكبات فالإمام مسؤول بمقتضى وصفه بكلمة إمام، وهو يحمل راية تبليغ رسالة الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم.
إن المجتمع يعلق آمالا كبيرة في الأئمة، لإعادة الأخوة والمحبة الصادقة فالإمام اللبيب يسلط الضوء على أكبر آفة تداهم المجتمع وقد تؤدي لا سمح الله للخراب والدمار.
فلتكن دروسكم ترتكز أساسا في دعوتكم آمرين وناهين برشاقة ألسنتكم، وعذوبة كلامكم ضاربين الأمثلة من كتاب الله وسنة رسول الله متعمقين لأسرارهما، وبذلك تكونوا قد أديتم واجبكم نحو البلاد ورب العباد ويصدق فيكم قوله تعالى:(وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا)، ونأمل أن لا تكونوا من الذين قال الله فيهم (لا ينال عهدي الظالمين).
يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (فذكر إنما أنت مذكر) الغاشية.
أدعو إلى الله لا أدعو إلى أحد
وفي رضا الله ما نرجو من الرغب
حرر من طرف العبد الضعيف تلميذ معهد عبد الحميد بن باديس (قسنطينة) السيد المجاهد والإمام والمعلم ومربي لجيل ثورة نوفمبر 1954 المجيدة وجيل الاستقلال، وبعد التقاعد جدد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لشعبة ولاية البويرة بحضور شيخي ومعلمي الشيخ عبد الرحمن شيبان قدس الله روحه وأسكنه فسيح جناته من سنة 2001 إلى سنة 2012 الشيخ مولاي قرشي المولود بالهاشمية سنة 1925 المقيم بعين بسام ولاية البويرة خريج معهد عبد الحميد بن باديس سنة 1953 عمره 96 سنة مدة عمله 55 سنة.