إنّ الحـــرب.. أولهــــا كــــلام
أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
لِمن تقرع طبول الحرب، هذه الأيام، في ربوعنا، فتبث خطاب الكراهية بين الأشقاء، وتروج للعدوانية، باسم الصهاينة والأعداء؟
ولِمن تحشذ أسلحة الضرب، فتقتل الأبرياء، وتشهّر بالشرفاء، وتغتصب الأبرياء السجناء، ولا ذنب لهم إلا أنهم وطنيون ووطنيات نبلاء؟
لمصلحة من، يُمكَّن للدخلاء الغرباء التعساء، فينصّبوا أنفسهم خبراء، ويصدروا أحكاما جائرة في حق أبناء شعبنا الصلحاء، فيتطاولون –بغير زاد- على الأقوياء، ويكيلون لهم شتى التهم بكل غباء؟
ذلك هو ما يتصدر المشهد السياسي، والإعلامي، والاجتماعي، في واقعنا، فالنافخون في أبواق التواصل الاجتماعي، من الرعاع، وسقط المتاع، لا يرقبون في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة، وأولئك هم المعتدون.
يحدث هذا، عندما تخلى أهل الحل والعقد من العلماء والمثقفين، عن موقفهم الريادي، وانزوائهم جبنا وخوفا، في المدن والبوادي، فساد هذا الهرج والمرج في البلاد وبين العباد.
فعندما ننزل كل فصول هذا المشهد على واقع البلاد العربية، بين أبناء سوريا المتقاتلين، وأبناء العراق المتشاكسين، وبين الخليج واليمن المتبارزين، وفي هذه الأيام بين الجزائر والمغرب، الأشقاء المتنابزين، نجد أن المشهد قد تصدّره، إما بعض المتعطشين إلى الاستبداد، أو بعض من ليس لديهم قائد أو هاد، أو بعض من أقحموا في الحكم بغير زاد، ولا عتاد، ولا سند من العباد.
وتعالوا بنا، إلى ما يحدث بين الجزائر والمغرب، هل كان محكوما علينا، أن نتردى في هذه الهوة من السقوط، كالإستقواء بالأعداء، والزج بالمنطقة في الهباء، والتدخل في أخص خصوصيات الأشقاء؟
فلو رزق الله بعض المسؤولين الحكمة وفصل الخطاب لجنّبوا وطنهم، وأوطان أشقائهم كل أنواع هذا العذاب، فاحتكموا إلى الحنكة والصواب، وأسلسوا الأمور إلى قانون العقل لا إلى قانون الغاب.
فقضية «الصحراء الغربية» مثلا قضية محسومة، ما دامت القوانين الدولية قد فصلت فيها، من محكمة لاهاي إلى الأمم المتحدة، مرورا بالاتحاد الإفريقي.
وماذا يضير أشقاءنا في المغرب أن يلتزموا بمبدإ الاستفتاء، إن كانوا، مقتنعين بمغربية شعب الصحراء؟ ثم لماذا قبلوا بمبدإ تقسيم هذه الصحراء بينهم وبين موريتانيا، مادامت هي الصحراء الغربية؟ وأخيرا، وليس آخرا، لماذا يلوحون بحق الاستقلال الذاتي لهذا الإقليم، دون غيره من الأقاليم المغربية؟ وما دخل التطبيع مع العدو الصهيوني، في هذه القضية والتي كانت تعرف في عهد الاستعمار الإسباني بالساقية الحمراء، ووادي الذهب؟
إن هذه العوامل لتؤكد كلها هشاشة الصراع، وعدم منطقية النزاع حول الصحراء الغربية، والتي لو استندت إلى الحس الوطني الصحيح، والوعي الإسلامي الصريح، لما آلت إلى ما آلت الله اليوم من تأجيج للمشاعر، والمبالغة في التشنج إلى حد التهديد بتقسيم الجزائر.
فإذا أضفنا إلى كل هذا، مسألة تأليب بعض المناطق الجزائرية من الخونة والعملاء، على وطنهم الأم، تبين لنا أن القضية تتجاوز المحور الإقليمي البحت، إلى دائرة التآمر الدولي، وهو ما كنا ننزه عنه بعض أقطارنا العربية.
فما جدوى –إذن- هذا التقاتل «العبثي» الذي يحدث بين المغرب والصحراء الغربية في منطقة الكركرات؟
ومن المستفيد من قتل العزل الأبرياء الذين قتلوا، وهم يسوقون الشاحنات؟ وما هو المكسب الذي يستفاد من قطع العلاقات، وتجميد الغاز، والطاقات والتنابز بالألقاب، والشعارات في المحافل الدولية وأمام مختلف المنظمات؟
بقول هذا كله، لنخلص إلى نتيجة، وهي أن مسؤولية العلماء، والحكماء، والمثقفين والأدباء، قد أصبحت ضرورية في هذا الظرف بالذات، للصدع بالمعروف والنهي عن المنكر، ولتقديم النصح إلى القائمين على الشأن العام، من أن أمانة الحكم، هي تجنيب الرعية مغبة التقاتل، وتوعيتها لإشاعة المحبة والتكتل، وتحصين المواطن، ضد كل أنواع الفرقة، والشتات والتخاذل.
ففي الوقت الذي تتبارى فيه الدول الواعية بوطنيتها ومصير شعبها، في تعليم أبنائها، والعمل على ترقية بحث علمهم للحصول على أعلى مستويات التكنولوجية للتقدم والازدهار، يعمل القائمون على الشأن العام عندنا، في إنفاق الميزانيات على التسلح، بدل التنمية، وعلى تجنيد العملاء بدل تعميق الروابط الأخوية.
هذه –يا إخوتي- نفثات قلب مقروح أثخنته سهام الأشقاء والأعداء، فزادت من جراحاته وآهاته إلى حد البلاء.
ومن هذه الآهات، نصعد زفرات، نتوجه بها إلى من له سلطة، سياسية أو علمية، أو ثقافية أو اجتماعية، ليستخدم نفوذه من أجل رأب الصدع، وإبعاد الأمة عن كل أنواع الكرب والفزع.
حذار فإن طبول الحرب المنذرة، لا تخدم أي شريف، ولا تسر أي عفيف، بل أنها ستؤدي إلى مآل سخيف.
فقد جعلنا الله أمة واحدة، فكيف نتحول إلى شعوب وقبائل، بضرب بعضنا رقاب بعض؟
وقد وحدت المصلحة العامة مصيرنا، لنعمل على بناء وطن عربي موحد، أفضل من المجموعة الأوروبية، ومغرب عربي موحد أنبل من حلف الأطلس، فلماذا نتشردم، ونتأقلم، حذار إذن:
فإن النار بالعودين تذكى
وإن الحرب أولها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام