حــــــــــلول المشكلات بما أنــــزل الله تعالى من الآيات البينات

أ. محمد مكركب/
لقد أنزل الله تعالى إلينا كتابا فيه ذكرنا، أي: فيه شرفنا ومجدنا وعزتنا وكرامتنا، وفيه ديننا ذلك النظام الحياتي الشامل الكامل، وفيه التبيان لحل كل مشكلاتنا وأزماتنا، والخروج به من كل الظلمات الحسية والمعنوية إلى قصور وبساتين ورياض الحياة الإيمانية. وعليه يقال للزوجين، ولكل المسلمين، أن حلول المشكلات يكون بما أنزل الله تعالى من الآيات البينات.
لذلك قلنا: وكل مشكلة لها حل، وأن المطلوب من الزوجين، أن لا يلجآ إلى العنف، وهذا ما يقال لكل جار وشريك ومواطن، وحاكم ومحكوم، فإن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، فلا ينبغي للزوج أن يتسرع في كلمة، أو إصدار قرار، كتلفظه بكلمة طلاق، ثم يندم على ذلك.
قال الله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾(النساء:128 ـ 130).
هذه وصفة علاجية إلهية بَيَّنَ الله تعالى فيها بأن الزوجة إذا شعرت بشيء من الظلم، أنها ليس من العقل أن تفتح باب العتاب والخصام، أو تبدأ بالإرجاف والاتهام، وتخبر القريب والبعيد، إنما عليها، كما هو الحال على زوجها، وكما هو الحال على كل مسلم في كل الأحوال، ولكننا هنا بشأن الحياة الزوجية، أن يعود إلى الوصفة الأولى التي ربما أساؤوا تطبيقها، فلم ينتفعوا بدوائها، وهي ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾(النساء:35).
ولا يحل للزوج أن يقول لزوجته: {أنت علي حرام} فإن قال ذلك ناويا الفراق، أي الطلاق، كان حكم ذلك طلقة بائنة بينونة صغرى. لماذا؟ لأنه لو قال: {أنت علي حرام كظهر أمي} لوجب عليه كفارة الظهار. فلما أطلق القول،كان الحكم الفراق المطلق فقط، فإذا أراد الرجعة، وجب عليه عقد جديد، إذا لم تكن هذه الثالثة. والله تعالى أعلم.
قال القرطبي: {فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي وَلَمْ يَذْكُرِ الظَّهْرَ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي، فَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ فَلَهُ نِيَّتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الطلاق كان مطلقا البتة عند مالك، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي طَلَاقٍ وَلَا ظِهَارٍ كَانَ مُظَاهِرًا. وَلَا يَنْصَرِفُ صَرِيحُ الظِّهَارِ بِالنِّيَّةِ إِلَى الطَّلَاقِ، كَمَا لَا يَنْصَرِفُ صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتُهُ الْمَعْرُوفَةُ لَهُ إِلَى الظِّهَارِ، وَكَنَايَةُ الظِّهَارِ خَاصَّةً تَنْصَرِفُ بِالنِّيَّةِ إِلَى الطَّلَاقِ الْبَتِّ}(17/274).
واعلم أن الأسرة السعيدة التي عملت بما بيناه سابقا من كنوز الإيمان لاتصل إلى الطلاق ولا إلى الظهار، وغير ذلك من المشكلات، ولكن بما أن الله تعالى أخبر عن هذه المسائل (مسائل الطلاق) في سورة البقرة، وفي سورة الطلاق، فلابد من تعلمها والتفقه فيها، ففي ذلك خير خبير.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً﴾.
لا يحل الهجران بين الأحباب فهو ليس من كنوز الإيمان، يا عباد الرحمن:
هناك سلوك خارج عن آداب المعاملات، ويزيد المشكلات تعقيدا، ويزيد النزاع عداوة، وهو: {طرد الزوجة من البيت، إلى بيت أهلها} أو هي نفسها {تهجر بيت الزوجية بقرارها أو بقرار أهلها} ويقولون عنها: (هي غضبانة) قد تبقى غضبانة أسبوعا، أو شهرا، أو أكثر، وهذا لا يليق بالأسر المحافظة، التي تحافظ على قيم السعادة، وتتبع أسباب الاستقرار والمودة والرحمة، كما ذكرنا. بل لا يجوز للزوجة أن تهجر فراش زوجها ولو ليلة واحدة، ففي الحديث. [إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ، هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ](مسلم:1436).
قال الله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ حتى وإن طلقها فليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة، كما لا يجوز لها هي الخروج أيضا إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت بغير ضرورة أثمت ولا تنقطع العدة..
الذرية ومشيئة الله في الخلق:
الأسرة السعيد المحافظة العاملة بكنوز الإيمان تؤمن بالقضاء والقدر، ولا يختصم الزوجان من أجل إنجاب الأولاد، إذا شاء الله أن لا يرزقهما الذرية، فمن أعطاهم الله ذرية حمدوا وشكروا، وأحسنوا التربية والإعداد، وإذا جعل من شاء عقيما، فعليه أن يرضى بما كتب الله له، فليحمد الله تعالى، فإنه يعطيه في الجنة، ما تشتهيه نفسه.
قال الله تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾(الشورى: 49/50). وأذكر بهذه الآيات القرآنية لأن بعض الأزواج يُعَكِّرن صفو الأسرة، عندما تريد الزوجة الإنجاب، وزوجها لا ينجب، أو العكس، فتجد الطرف الراغب في الذرية يُلِحُّ، ويلح، على الثاني، ويصل إلى النزاع، ثم إلى طلب الطلاق، وربما العداء، كل ذلك بسبب قَدَرٍ قَدَّرَهُ الله على من جعله عقيما، فكثير من الرجال لم يرزقهم الله ذرية وصبروا، وكثير من النساء، حتى من نساء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كذلك وصبرن، ولكن المؤمنين والمؤمنات لم يختصموا فيما هو خارج عن إرادتهم. إنه الله سبحانه هو الخالق، رضوا بما أعطاهم فرضي عنهم، إنه الله سبحانه الخالق ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ ومن الأنبياء، على سبيل المثال: يحي وعيسى عليهم السلام، لم يولد لهما ولد. إنه سبحانه عليم بمصالح العباد قدير على تكوين ما يصلحهم. قال الله تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾(سورة البقرة: 216).
إنها مشيئة الله سبحانه وتعالى نافذة في جميع خلقه، وفي كُلِّ أمرهم، وهذا وغيره من الخلق، لا مدخل لإرادة الناس فيه، فإنَّ الذي يخلق ما يشاء هو الله تبارك وتعالى، فإذا أراد الإنسان أن يعترض على مشيئة الله سبحانه أتعب نفسه، وأتعب من حوله.
وعلى الفتيان والفتيات من أبناء المسلمين الطيبين والطيبات أن يحسنوا الاختيار عند الخطبة للزواج بميزان الدين والخلق، لا بميزان الصورة والمال. واعتبروا بهذا الحديث. مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا](البخاري:5091).