الجامعة والحياء البيداغوجي
د. طيبي غماري/
تعرف جامعتنا ظواهر غريبة منذ فترة، ثمّ تفاقمت الأمور، في السنوات الأخيرة خاصة مع أزمة الكوفيد والأزمة المالية التي تعاني منها البلاد منذ انهيار أسعار النفط في 2014. حيث أنّ البرامج المقررة إضافة إلى عللها ومثالبها، تفرض حجماً ساعياً معيناً لكلّ مادة، وتفرض مواد منهحية واستكشافية قد لا تكون ذات صلة مباشرة بتخصص الطالب، ولكنها تبقى دائما مهمة ومفيدة، ولهذا يكون النّجاح فيها بشكل مباشر أو عن طريق التكامل شرطاً ضرورياً لإعلان نجاح الطالب.
ونظرا لنقص التأطير في بعض التخصصات، ونظراً لشعور الإدارات المسيرة بضرورة تغطية هذه المقاييس، فإنّ الكثير من الإدارات تلجأ لـ”لبريكولاج” الذي لا يمكن وصفه إلاّ بقلّة الحياء البيداغوجي الذي تتسم به الإدارة التي تلجأ لهذا “البريكولاج” والأستاذ الذي يقبل به.
من بين مظاهر قلّة الحياء البيداغوجي أن تكلّف الإدارة طالب دكتوراه من تخصص بعيد جداً بتدريس مادة مدخل إلى الفلسفة لطلبة السنة الأولى، ويكلف أستاذ غريب عن العلوم الاجتماعية، لا يعرف ولم يمارس البحث الميداني بمادة منهجية البحث العلمي في العلوم الاجتماعية، ومادة حقول علم الاجتماع، ويكلف أساتذة من تخصصات مختلفة بتدريس مدخل إلى علوم الإعلام والاتصال، واللغة الفرنسية يدرسها أشخاص لا يستطيعون كتابة فقرة واحدة من مائة كلمة، وهلم جرا…. وأعتقد أن كلّ واحد منكم يعرف أمثلة كثيرة عن إدارة لا تستحي من تكليف أستاذ غير متخصص بمادة من المفروض تكون متخصصة، وعن أساتذة لا يستحون ويقبلون مثل هذه الوضعيات، ويمارسون الكذب على طلبتهم لسنوات وسنوات.
في إحدى السنوات كنت أبحث عن أستاذ لتدريس الإحصاء المطبق في العلوم الاجتماعية، تقدم أحد الأساتذة من تخصص تقني، فوافقت على طلبه، وأعطيته استعمال الزمن والبرنامج، بعد أول حصة له مع الطلبة، دخلت إلى القاعة التي كان يدرس بها، فوجدت أن ما كتبه على السبورة عبارة عن رياضيات بالمعنى الصرف، سألت الطلبة ماذا درستم وماذا فهمتم، فأخبروني أنهم درسوا: “حاجة كيما الرياضيات” ولم يفهموا شيئاً لأنّ الرياضيات التي درسها لهم تختلف كلية عما ألفوه في الثانوية، وهذا أمر طبيعي لأنّ غالبيتهم من القسم الأدبي، استدعيت الأستاذ وطلبت منه توضيحات، فصدمني بأنه لا يعرف إلاّ هذا الحقل من الرياضيات، وأنّه لم يسمع بأي إحصاء مطبق على العلوم الاجتماعية طيلة مساره الدراسي، فاعتذرت منه، وألغيت عقده في الحين، الشاهد من هذه القصة هو أنّ الحياء البيداغوجي للإدارة والأستاذ يمنعك من هذه الممارسات غير الأخلاقية التي يريد الأستاذ والإدارة من ورائها تغطية المقياس والحجم الساعي كغاية في حد ذاته، دون أدنى اهتمام بالمُخْرَج وبمستواه، وهنا يصبح الهدف ليس تكوينا متخصصا للطلبة وإنّما أداء مهمة إدارية هدفها إعطاء الانطباع بأنّ المؤسسة تسير بشكل جيّد ولا توجد بها أية مشاكل، باختصار “قلّة حيا”.
وفي المساء يلتقي هذا المسؤول بهذا الأستاذ ويجلسون في المقهى لينتقدوا تدني مستوى الطلبة وعدم قدرتهم على فهم العلم الذي يتقاطر منهم.