مساهمات

«المدارس النموذجية» رهان التعليم العالي الجديد

أ. محمد مصطفى حابس جنيف/سويسرا/

افتتحت في الجزائر، كل من المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي والمدرسة العليا للرياضيات، على مستوى القطب التكنولوجي الجامعي لسيدي عبد الله بالجزائر العاصمة، أبوابها مستقبلة أول دفعة من الطلبة الجدد وذلك في النمط الحضوري للسنة الجامعية 2021/2022

وأعلن السيد غوالي الأمين العام لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حسب وكالة الأنباء الجزائرية، انطلاق السنة الجامعية على مستوى المدرستين بحضور الطلبة الجدد والمدراء والأساتذة إلى جانب ممثلي السلك الدبلوماسي والمؤسسات الاقتصادية على غرار سوناطراك وموبيليس وشركة «هواوي الجزائر».
وأكد السيد غوالي، أن السلطات العليا في البلاد «تعقد آمالا كبيرة على هاتين المدرستين كونهما تحظيان بالامتياز والخصوصية بما يجعلهما مختلفتين عن باقي المدارس الوطنية الأخرى».
وأضاف أن من خصوصيات الدراسة في مدرسة الذكاء الاصطناعي وكذا المدرسة العليا للرياضيات هو وجود برنامج دراسي وأسلوب تقييم مختلف إلى جانب تأطير أكاديمي يجعل منها نموذجا للتعليم العالي والبحث العلمي.
من جهته، أكد مدير المدرسة الوطنية للرياضيات، الدكتور مولاي محمد السعيد، أن افتتاح هاتين المدرستين هو «تأكيد على وجود عناية قصوى لهما وتوفير كل التجهيزات والمرافق للطلبة».
وأعتبر أن طلبة المدرسة «سيجدون أنفسهم أمام تحديات التنمية الشاملة وتدفق المعارف في شتى الميادين وأيضا أمام تحديات عصر الرقمنة والثورة الرقمية الرابعة التي أصبحت تزحف بسرعتها على المجتمعات ما يقتضي السير على نهج العلوم والرياضيات وكذا الذكاء الاصطناعي من جهة أخرى».
ورافع من جهته مدير المدرسة الوطنية للذكاء الاصطناعي، الدكتور أحمد قسوم، في كلمته أمام الدفعة الأولى من الطلبة الجدد، من أجل «مدرسة نموذجية» في مجال البحث العلمي والتطور التكنولوجي وإطلاق المؤسسات الناشئة التي سيكون لها صيت في المستقبل.
وحسب (و.أ.ج ) فقد أكد القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر، أن أمريكا «تفتخر بكونها شريكا في هذا المشروع الكبير وإن على الطلبة استغلال الإمكانات التي وضعت في متناولهم بما فيها أحسن الأساتذة والخبراء في المجال». وبدوره اعتبر المدير العام لـ «هواوي الجزائر»، أن مؤسسته بصفتها شركة مختصة في الحلول الرقمية والتكنولوجية ولأنها تخصص حوالي 15 بالمائة من ميزانيتها للبحث العلمي، قررت فتح مجال التعاون والتبادل مع المدرستين قناعة منها بأن التطور الرقمي أصبح ضرورة عالمية والتحويل الرقمي واقعا لا مفر منه اليوم. أما ممثل شركة سوناطراك، فقال إن الشركة ساهمت في تحضير البرامج الدراسية وسيتم تأطير الطلبة أيضا وتقديم دروس نظرية لهم وتوجيههم من أجل الانفتاح على كل القطاعات.
يذكر أن المدرستين المتواجدتين بالقطب التكنولوجي سيدي عبد الله (غرب الجزائر العاصمة)، أنشئتا بموجب مرسوم رئاسي. وتستقبل المدرستان بمناسبة الدخول الجامعي الحالي 200 طالب لكل واحدة منهما، باعتبارهم أول دفعة، ليرتفع مجموع الطلبة في الخمس سنوات التعليمية المقبلة، إلى ألف مقعد بيداغوجي.
تهنئة بمناسبة تعيين عالمين على رأس مؤسستين مهتمتين بالنهضة الحضارية للمجتمع:
وبمناسبة تعيين كل من البروفيسور محمد سعيد مولاي على رأس المدرسة الوطنية العليا للرياضيات والبروفيسور أحمد قسوم على رأس المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، لفت انتباهي الكلمة المعبرة التي كتبها المفكر الجزائري الدكتور الطيب برغوث من النرويج، تحت عنوان: «أعانكما الله أيها الفاضلان»، مهنئا ومحفزا الطلبة والأساتذة والمشرفين، بقوله:
«أشارك الكثير من الفضلاء الذين بادروا إلى تهنئة هذين الفاضلين الكريمين على تعيينهما على رأس مؤسستين مهمتين جدا بالنهضة الحضارية للمجتمع، وهما المدرسة الوطنية العليا للرياضيات والمدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، وأتمنى لهما التوفيق والنجاح في مهمتهما الكبيرة، بعيدا عن الضغوطات والتدخلات والصراعات الهامشية المقرفة، التي أجهضت الكثير من المبادرات والمشاريع الوطنية المهمة، وحرمت المجتمع من ثمراتها وبركاتها، وأعاقت نهضته الحضارية المنشودة، وتسببت في هجرة الكثير من الكفاءات والعبقريات الوطنية، أو انكفائها على نفسها في أرض الوطن، آكلة للوقت ومنتظرة للموت، كما يقال، مع الأسف الشديد».
وعن عظم المسئولية الملقاة على المربين خصوصا، كتب المفكر الجزائري:
«وأود هنا أن أبدي كامل تعاطفي مع الأخوين الفاضلين، وتمنياتي الخالصة لهما ولغيرهما من أمثالهما بالنجاح، لأنهم في وضعية يغبطون عليها من جهة، ولا يحسدون عليها من جهة أخرى، لأهميتها وخطورتها في الوقت نفسه! يتحملون المسئولية على زبدة عقل المجتمع وعصارة عبقريته، ممثلة في هذه النخبة المتميزة من الطالبات والطلبة المتفوقين الذين حصلوا على أعلى المعدلات الوطنية.
إنهم أمام أمانة عظيمة جدا، وهي أمانة العقل والعبقرية الوطنية، التي سيكون لها دور عظيم في مسيرة نهضة المجتمع، إذا ما تمت رعايتها جيدا، ووفِّرت لها التربية العلمية والرسالية المرجوة، التي تمكن هذه النخبة من التفوق والإبداع الحقيقي، ومن الروح الوطنية الرسالية الحقيقية كذلك.
وعن عظم المسئولية الملقاة على الطلبة، كتب الدكتور برغوث:
«وإذا كان المسئولون التربويون والإداريون يتحملون هذه المسئولية الخطيرة على هذه النخبة الوطنية، فإن هذه النخبة من الطلبة والطالبات تتحمل مسئولية خطيرة كذلك، في حالة تقصيرها أو تفريطها، أو عبثها بوقتها وطاقاتها الذهنية والعاطفية والجسدية، ولم تشعر بالمسئولية الكبيرة الملقاة على عاتقها، من قبل المجتمع الذي حرم نفسه من كثير من الأمور ووفرها لها لكي تتفرغ للدراسة والتحصيل وصقل ملكاتها وقدراتها الإبداعية العالية، وأمام الله تعالى قبل ذلك وبعده، الذي قال في مهمة ورسالة أمثالكم في المجتمع: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة : 122].
وعن أهمية تغيير وقت التهئنة، أردف بقول:
وبالمناسبة أود أن أفضي إلى إخواني القراء ببعض ما يجول في خاطري حول فكرة التهنئة على تولي المناصب والمسئوليات في الدول والمجتمعات، والتي أصبحت عرفا وتقليدا في المجتمع، لما في نفسي من حرج بل وخوف منه، بسبب ما يحف بذلك من اعتبارات تجعل النفس تميل إلى الاحتياط منه، تجنبا لتكريس الفساد والتميكن للمفسدين من مفاصل المؤسسات والدول والمجتمعات، وتسليطهم على رقاب العباد. ولا شك أن إعمال قاعدة سد الذرائع مهمة في مثل هذه الحالات.
فمن خلال تأملي في واقع الحياة، رأيت أن التهنئة بتولي المسؤوليات والمناصب، فيه شبهة، ينبغي أن يحتاط منها كل إنسان شريف، وهي شبهة اعتبار المنصب تشريفا وفرصة وغنيمة، وليس تكليفا ومسئولية ثقيلة، بل وابتلاء حقيقيا للإنسان!
فواقع الناس في مجتمعنا وفي عالمنا عامة، يؤكد هذه المشكلة، ويدفع نحو تكريسها وتبريرها بشكل مستمر، لسريان فكر ونفسية وثقافة «الغنيمة» أو «المشمشة» كالسرطان في حياة كثير من الناس، الذين يلهثون وراء هذه المسئوليات والمناصب، ويبذلون من أجلها الأموال والكرامة والشرف! مع أنها في الحقيقة خزي وندامة في الدنيا والآخرة، إذا أخذت بغير حقها، لأنها تتسبب في هلاك صاحبها وهلاك المجتمع، كما جاء في الحديث النبوي الشريف: (إنَّهَا أَمَانَةُ، وإنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلَّا مَن أَخَذَهَا بحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فِيهَا). وقال في حديث آخر: (إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ. قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ).
الابتلاء بتولي المناصب والمسئوليات:
فتهالك الناس على الاستحواذ على المناصب والمسئوليات بغير استحقاق، مهلكة للأفراد والمؤسسات والدول والمجتمعات، ولذلك يجد الإنسان حرجا في تهنئة حتى الصالحين والمصلحين مثل البروفيسورين الفاضلين وأمثالهما، عندما يبتلون بتولي المناصب والمسئوليات، رغم يقينه بأنهم أهل لذلك، وأنهم أجدر من غيرهم بتلك المناصب والمسئوليات، خوفا من المشاركة في تكريس ثقافة الغنيمة والمشمشة السائدة في مجتمع المناصب والمسئوليات، أو المجتمع المستفيد غير المفيد، الذي تحكمه وتنخره وتلوثه سوسة المحسوبية والجهوية والفئوية والغنيمة والتكاثرية والمظهرية الجهولة مع الأسف الشديد!
ولهذا ينبغي أن نحاصر الرداءة والفساد والعبثية، وأن نضيق الخناق عليها قدر ما نستطيع. وأرى أن يقتصد الناس في التهنئة على المناصب والمسئوليات السياسية والاجتماعية والإدارية بصفة خاصة، وأن يستعيضوا عنها بالدعاء للصالحين والمصلحين منهم بالعون والتسديد والتوفيق والحفظ والستر، وبالنصح المخلص لهم، عندما يبتلون بهذه المسئوليات الاجتماعية.
كما يدعون لغيرهم من المقتحمين لحمى المسئوليات بغير حق ولا استحقاق، وللوالغين في مستنقعات الفساد، بالهداية والاستيقاظ من سكرة الغفلة عن مخاطر ومهالك ذلك، والإشفاق على أنفسهم من تبعاته الدنيوية والأخروية.
التهنئة للأشخاص، تأتي بعد نهاية المسئولية وتحقيق الخدمة المطلوبة، وليس فور التعيين:
وأنهى المفكر الجزائري رسالته بقوله «التهنئة للأشخاص، ينبغي أن تأتي بعد نهاية المسئولية وتحقيق الخدمة المطلوبة للمجتمع منهم، وليس بعد التعيين لهم، داعيا الله تعالى لهاذين الفاضلين وأمثالهما بالتوفيق والسداد والحفظ والستر والعون لهم على أنفسهم وعلى التحديات التي تحيط بعملهم، مهنئا المجتمع على ذلك، وداعيا إلى تحمل المسئوليات تجاه الصالحين والمصلحين من أبنائه، بالمزيد من العون والدعم المعنوي والاجتماعي لهم، والمواجهة للرداءة والمظهرية والفساد والحد من عواقبه المهلكة.
والله ولي التوفيق.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com