ضوابــــــط وعواصــــــــــم

أ.د: عبد الحليم قابة/
الرؤى ووجهات النظر يوافقنا عليها موافقون ويخالفنا فيها آخرون، ولا ضير في ذلك، ولا ينبغي أن نضيق ذرعا بذلك، ولكن اسمحو لي أن أنصح أبنائي وطلابي وأبناء جيلي وأذكّر إخواني من أترابي أو ممن هم أكبر مني سنا أو علما أو قدرا ببعض الحقائق التي لا تحتمل الخلاف ولا ينكرها عاقل لعلها تسهم في رأب الصدع وإصلاح ما يمكن إصلاحه، واجتماع كلمتنا على كلمة سواء.
أولا: الآراء والتحليلات والاقتراحات التي تنشر (خارج دائرة القطعيات الشرعية والعقلية) كلها تصيب وتخطئ، وتقبل وترد، من أي شخص صدرت، وافقت أهواءنا أو لم توافق، لأنها ليست تنزيلا من حكيم خبير، ولا مما ثبت عن البشير النذير.
ثانيا: أن القبول والرفض للآراء البشرية ينبغي أن يكون مبنيا على علم ودراية ، لا على جهل وتعصب، ولا على هوى واستكبار. «ولا تقف ما ليس لك به علم …»
ثالثا: أن ميادين المعرفة تخصصات، لها أهلها العارفون بها والمتعمقون في تفاصيلها، القادرون على التنظير فيها، وليست كَلَأً مباحا لكل دعيّ ومتطفل عليها، ولا يقبل العقلاء قول الدخيل في أي ميدان، ومنها ميدان الأحكام الشرعية والمحاكمات العقلية. «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، فينبغي التمييز بين الأصيل والدخيل، واستشارة الخبراء، لا الأدعياء.
رابعا: لا ننكر أن كل ميدان ابتلي بمن ليس من أهله ، يتطاول على ما لا يحسن ويهرف بما لا يعرف، لكن ميدان العلوم الإسلامية أشدها بلاء بهؤلا ء.
وهؤلاء تمييزهم عن غيرهم لا يعسر على اللبيب، ولا يغيب عن القارئ الأريب. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: (إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالما، اتخذ النّاس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).
خامسا: أن الانحراف عن الجادة وارد في حق كل الناس، وقد علمنا القرآن أن نقول: «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا…» وورد أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم – كان يدعو بقوله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فقد كان يخاف على نفسه التقلب، فكيف بنا نحن؟!
فلا مناص من كثرة الالتجاء إلى الله أن يعصمنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، مع الأخذ بأسباب المعرفة والهداية، وعدم الاغترار بما عندنا من اطلاع قد يكون قاصرا.
سادسا: أرجو أن يحافظ المتحاورن في ميدان الفكر والتجديد على جسر وداد بينهم فـ «إنما المؤمنون إخوة».
ونحن جميعاً ينبغي أن نتعاون على الإصلاح، لا أن نزيد الطين بلة بكثرة الشقاق والعداوات، كما نرى ونسمع دائما، ونحن مأساتنا واحدة، وجناية أخطائنا تعُمّنا جميعا، وحسبنا ما حلّ بنا، «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيم». وفقنا الله جميعا لما يسعدنا في الدارين. أمين.