اتجاهات

جمعيـــــة العلمــــاء أعطينــــاك عهــــدا

عبد العزيز كحيل/

وما زلنا على العهد، ونبقى عليه حتى ينتصر مشروع باديس على مشروع باريس…الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا، نعيش للإسلام والجزائر، نردد: شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب.
وما لنا لا نبقى على العهد وجمعية العلماء تكاد تكون اليوم في مواجهة نفس التحديات التي عاشتها في فترتها الأولى مع اختلاف في الأشكال؟ إنها ما زالت حاملة لواء الجهاد الثقافي الذي يحرر الشخصية ويحصنها ويمدها بعوامل البقاء، تعلّم، تربي، تنشئ المدارس، تنشر الجرائد، تقيم اللقاءات لاستقطاب الشباب وغيرهم والإجابة عن تساؤلات الواقع والعمل على خدمة الدين والبلاد….وما لها لا تفعل والخطوب كثيرة وجليلة والساحة في حاجة إلى مربّ ومعلم وداعية وواعظ ومصلح كما كان ابن باديس وصحبه؟ وهذه عينة من تحديات واقعنا:
• حال أبناء المسلمين: تمنيت أن أكتب عن إيجابيات أبنائنا وإنجازاتهم لكن شدني الواقع الماثل أمامي:
أغلبهم يهتمّ بشعره ويهمل شعائره…يتعلق قلبه بمباراة كرة القدم ولا يبالي بصلاة الجمعة ولا الجماعة…الهاتف أحب إليه من الكتاب…نجوم المجتمع الذين يقتدي بهم ويتمنى أن يكون مثلهم هم اللاعبون والفنانون أما العلماء فلا يعرفهم ولا يلتفت إليهم…الدنيا هي شغله الشاغل، إما منغمس فيها أو ينتظر الفرصة للانغماس فيها، ولا يعير كبير اهتمام للآخرة…وماذا يفعل الأولياء؟ يتهربون من المسؤولية ويلقونها على المسجد والمدرسة بينما هم سبب الداء لأنهم ينجبون ولا يربّون…وعندما تخلت البيوت عن دورها وجدت العلمانية الفرصة فسخرت الإعلام ومختلف الوسائل لإضلال الشباب ونجحت، فقد انتشر بينهم الإلحاد والانحراف وأنواع المفاسد.
• إسلامٌ بربريست ؟!! لم تعد المسألة حالات فردية بل أصبحت ظاهرة حقيقية: أئمة مساجد من المنطقة يتبنون أطروحات البربريست ويصطفون معهم بوضوح، أصبحوا يخطبون الجمعة بالقبائلية (مع العلم أن الجميع هناك يفهمون العربية لأنهم تعلموا بها في المدارس منذ 60 سنة من الاستقلال)، ومعلوم أن الخطبتين لا تجوزان شرعا إلا بالعربية كما أجمع العلماء إلا قولا عند الأحناف، مع جواز ترجمة المعاني إلى لغة يفهمها الحاضرون…والحاضرون هنا يفهمون العربية يقينا. هذا وقد رأيت على يوتيوب ملتحين شبابا يدرّسون الدين بالقبائلية، وهناك مثقفون إسلاميون ناقشتهم ألف مرة فوجدتهم لا يتزحزحون عن تقديم الانتماء العِرقي على الانتماء العقدي،الدشرة عندهم قبل الإسلام… أجل، يحبون القرآن والسنة لكنهم يحبون «تامازيغت» أكثر منهما، ناقشت أحدهم على فيسبوك فقال لي ما نصه: تامازيغت هي ديني فقلت له: إن الدين عند الله الإسلام، فرد عليّ: لكم دينكم ولي دين… مات المطرب إيدير في فرنسا (وهو يعلن – نعم، يعلن أنه ليس مسلما) فصلى على جثمانه إمام وبكاه بكاء مرا ورثاه رثاء عظيما (بالقبائلية طبعا) وهو يعلم أنه كان يكره الإسلام والمسلمين.
هؤلاء الإسلاميون البربريست يستحيل أن تسمعهم ينددون بالعنصريين والانفصاليين والتنصير واللائكية والماك، وإنما تجدهم يحبون الإسلام – هكذا يقولون – لكنهم يكرهون العرب ويؤخرون العربية ويجدون الأعذار لأطروحات البربريست المتطرفين بل يتبنونها كما يتبنون راية الفرشيطة.
• تحدي اللغة العربية: لئن كانت أولوياتنا الآن هي مشكلة ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، القدرة الشرائية، تلاشي قيمة الدينار…إلا أن التمكين للغة العربية أولوية أيضا لا يكتمل الاستقلال إلا بها، إعادة الاعتبار للعربية يصيب الطابور الفرنسي في العمق من جهة ويخدم أجيالنا من جهة أخرى…إنه لا يجوز أبدا السكوت عن استهزاء المستهزئين بلغة القرآن الكريم … لا يجدون فيها كلمات تدل على joint de culasse أو mille-feuilles؟ فلْيدعوها تعمل وسيجدون فيها من الألفاظ ما لا يوجد في الفرنسية…حاصَروها 60 سنة ثم يلومونها على عدم الانتاج…وهل تركوها تنتج وهي مقصاة مضيّق عليها؟
والتمكين للعربية يبدأ بخطوات سهلة لا تحتاج إلى ميزانية أو إنفاق أو جهد كبير:
– إلزامية استخدامها هي فقط في جميع الإدارات (المراسلات، المحاضر…).

– تعريب المحيط.
– منع المسؤولين من مخاطبة الشعب أو أداء تصريحات بغير العربية.
– تعزيز مكانتها في التعليم.
• القابضون على الجمر: أبناء جمعية العلماء هم – إن شاء الله – القابضون على الجمر بتمسكهم بدينهم وثوابتهم وأخلاقهم وعطائهم رغم الأدواء والعراقيل والمثبطات، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «يأتي على الناس زمان المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر» (رواه الترمذي)..إنه زماننا الذي قلّ فيه الخير وكثر الشر، وتوالت الفتن، وتنوع الفساد، وتراجع الإيمان وانتشر الضلال…مع ذلك لا يخلو من المتمسكين بدينهم، فهل أنت منهم أيها المسلم؟ ممن يحرصون على الحلال رغم موجة الحرام؟ من المحافظين على عباداتهم بكل إخلاص؟ من المعتزين بدينهم رغم طغيان العلمانية اللادينية؟ من النساء الملتزمات بالحجاب رغم ظاهرة التبرج والعري العارمة؟ من أصحاب اللسان الذاكر والقلب الخاشع والأيادي الطاهرة؟ من أصحاب المبادئ لا المصالح؟ في هذه الحالة ستجد نفسك غريبا بين قومك غربة صالح في ثمود، لكن لا تبالِ، هذا هو القبض على الجمر…قال صلى الله عليه وسلم: «للعامل فيها أجر خمسين منكم»…تمسك بدينك ولك أجر 50 صحابيا…بهؤلاء القابضين على الجمر سيصلح حالنا إن شاء الله.
إنه زمن الالتفاف حول جمعية العلماء وإمدادها بالدعم البشري والمادي والإصطفاف معها في مواجهة مشاريع المسخ الحضاري والتمكين للمشروع الأصيل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com