بين الأمس واليوم..!/كمال أبوسنة
في القديم حين كانت تعاليم الإسلام مرجعية المسؤولين في البلاد العربية والإسلامية كان يُضرب بهم المثل في العدل ورحمة رعيتهم، وشدة بأسهم على أعداء الأمة…ولكن خلف من بعدهم خلوف من المسؤولين في أمتنا أُشربوا قلة احترامهم لشعوبهم، وغفلتهم عن حقوقهم وعن حق الله في أرضه، واطمأنت نفوسهم بالحياة الدنيا والموت يطلبهم في كل وقت، والقيامة موعدهم للحساب أمام ربٍّ – قد يكون- عليهم غضبان، وأمة من الناس تُقدر بالملايين تقف بجانبهم وهم مقيدون بالأغلال لتقتص منهم، فإما أن يفكهم عدلهم، وإما أن يزيد في شد وثاقهم ظلمهم..!
لعمر الحق كيف يقبل من يملك عقلا سليما، وقلبا حليما، ورأيا سديدا، وبصرا حديدا، أن يَليَ قوما وهم له كارهون، وكيف يتشوق إلى الكرسي ويعشقه إلى حد الجنون من يعرف ثقل تحمل أمانة حكم الناس.؟! و يدرك أن المسؤولية مهما يقل شأنها أمانة وخزي وندامة يوم القيامة.؟!
وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم – يدعو بهذا الدعاء فيقول: ” اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به” أخرجه مسلم.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: ” ما من عبد يسترعيه الله يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ” أخرجه مسلم.
وعن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لأبي ذر -رضي الله عنه-: ” يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم ” أخرجه مسلم.
وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: ” قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال: فضرب على منكبي ثم قال: ” يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الأمانة عليه فيها ” أخرجه مسلم.
لقد كان السلف الصالح في أمتنا يفرون من المسؤولية فرارهم من الأسد، وكان الواحد منهم يُرغم على تحملها وهو لها كاره، ويكلف بها دون أن يطلبها فيعينه الله عليها حتى إذا انتهت مدة ولايته على الناس سجد لله شكرا على تخلصه منها راجيا منه حسن العاقبة يوم الورود عليه وهو الذي خرج منها كما دخل منها، لم يزد من ماله شيء، ولم يستفد من منصبه الدور والأراضي والمصانع والقصور كما هو حال بعض المسؤولين في زماننا الذين يجلسون على كراسي الحكم خفافا نحالا، فيتحولون في مدة قصيرة بطانا ثقالا..!
فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- أنا ورجلان من بني عمي فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل. وقال الآخر مثل ذلك، فقال: “إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه”. أخرجه مسلم.
فرق كبير والله -وإنه لقسم لو تعلمون عظيم- بين رجل يستلذ الجلوس على الكرسي وبين رجل إذا أُجلس على الكرسي أحس وكأنه يجلس على قطعة من جمر، فبمثل الأول تفسد البلاد ويفسد العباد، وبمثل الثاني تصلح البلاد ويصلح العباد.