المرأة و الأسرة

حس الـمواطنـــة في الـمجتمع وثقافــة التخلــص من النفايات

أ. / أمال السائحي/

بيئتنا، محيطنا، من منا لا يريد أن يعيش في بيئة نظيفة، إذا تأملتها من نافذتك أسرتك بذلك المنظر الخلاب، ببحر هادئ جميل، أو بحديقة عمومية غناء، أو بنسيم عليل مع بداية النهار.
لكن جزائرنا التي كنا نعرفها بالبيضاء إشارة منا إلى ما كانت تعرف به من النظافة والنقاء، أصبحت اليوم بكل أسف غارقة في الأوساخ، والكل يُحمَل المسؤولية للآخر، عامل النظافة للمواطن، والمواطن لعامل النظافة، ويأبى أي أحد منهم أن يقر تماما أنه قد يكون هو نفسه من ضمن الذين جعلوا جزائرنا على هذه الشاكلة من الاتساخ والقذارة، فأنت منذ خروجك من مسكنك وإلى غاية وصولك إلى مقر عملك، وأنت تخوض في أكوام القمامة، وإنه لمما يحز في النفس أن باتت النظافة عندنا معدومة، نعم معدومة تماما، ولا يحق لنا أن نتهم عمال النظافة وحدهم، أو المواطن وحده، ولا نتهم البيوت وما تفرزه من نفايات، أو نعلق ذلك على تقصير البلديات، فالكل مشترك في هذه الظاهرة الغريبة، التي باتت تنغص علينا حياتنا يوميا، وكما يقول المثل الشعبي ((يد واحدة لا تصفق)).
وبعد هذا كله نجدهم يشتكون من البلديات وعمالها، وأنهم لم يقوموا بدورهم المنوط بهم، ولا يرون أنفسهم مقصرين من هذه الناحية، ولم يقوموا بواجبهم تجاه نظافة بيئتنا، ألا يرون أن عمال البلدية عندما يقومون بتنظيف أماكن النفايات في الحي، هناك من يبعث بأكياس نفايات متأخرة، فتبقى تلك الأكياس تتعفن إلى غاية عودة عمال البلدية من جديد، ألا نرى بأننا لا نقدم أي خدمة أو مساعدة لا على مستوى البلدية أو مستوى الحي؟ أو مستوى العمارة.
يقول الدكتور راغب السرجاني في كلمته عن إماطة الأذى عن الطريق…: «وقد صرَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إماطة الأذى صدقة، فقال -كما روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه-: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».
فذَكَرَ إماطة الأذى عن الطريق – وهو عمل مجتمعي عامٌّ، قد لا نعرف على وجه التحديد مَنْ هو المستفيد منه من البشر- ذَكَرَ ذلك إلى جوار أعمال الإعانة لأشخاص بعينهم؛ مثل: العدل بين اثنين، والمساعدة في حمل المتاع، كما ذَكَرَه إلى جوار أعمال تعبُّدية بحتة؛ مثل الخطوات إلى المساجد، وهذا ليُرَسِّخ في أذهاننا أن إماطة الأذى عن الطريق قُربة حقيقية إلى الله، كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر، مثالاً يُقَرِّب الصورة لنا؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ».
فمجرَّد رفع الشوك من الطريق كان سببًا في مغفرة الله للعبد، والتطبيق العملي لهذه السُّنَّة سهلٌ للغاية؛ حيث يكفي أن ترفع حجرًا من طريق الناس، أو أن تشترك أنت وأهل الحي أو الشارع في تنظيف المكان، أو أن تقوم بردم حفرة تُصيب الناس والسيارات بالعنت والضرر، أو مجرَّد أن ترفع ورقة أو مكروهًا من طريق الناس لتضعه في سلَّة المهملات، وغنيٌّ عن البيان أننا إن لم نستطع أن نفعل أيًّا من ذلك، فعلى الأقل ينبغي أن نمتنع من إلقاء الأذى في الطريق، وأن نُعَلِّم أولادنا هذا الأدب، فإذن ما هو السبيل الذي يمكننا من حل هذه المعضلة؟
قد تبدو هذه المعضلة مستعصية على الحل، لكنها في الحقيقة ليست كذلك فحلها ممكن ولا يتطلب منا إلا حسن استلهام السنة النبوية، وتنمية حس المواطنة في المجتمع، وتشجيع العمل الجمعوي الذي يعنى بحماية البيئة، وتكفل الدولة بإنشاء شرطة بلدية تسهر على حمل المواطنين على احترام نظافة المكان والمحيط، وسن قوانين ردعية تسلط عقوبات صارمة لكل مخالف لذلك، والعمل على تحفيز الاستثمار في مشاريع الصناعات الاسترجاعية، التي لن تساعد فقط على التخفيف من حدة البطالة التي يعاني منها الكثير من الشباب، أو التقليص من حجم النفايات التي أصبح التخلص منها يطرح مشكلا حيويا للبلديات، بل ستساعد كذلك على حل مشكل المفرغات العمومية الذي بات يثير الصراعات بين المواطنين والبلديات، حيث بات الكثير منهم يرفضون وجود هذه المفرغات في محيطهم السكني أو بالقرب منه لما لها من آثار سلبية على صحتهم وأمنهم ..
في بعض الدول وصلت الأمور إلى وضع غرامات مالية عالية لكل من تسول له نفسه بتلويث محيطه، بداية من ظاهرة التدخين، ومعاقبة من يرمي القمامة في الشوارع أو الأماكن العامة، وقطع الأشجار والنباتات، بشكل عام تريد هذه الدول إقامة مشاريع حضارية لتأهيل وتشجيع المساحات الخضراء، والعناية بسلامة المواطن صحيا ونفسيا وتربويا، وبكل ما هو جميل في بيئتنا، وذلك كله بتوفير مناصب جديدة للشباب تحت شعار: «الشرطة البيئية»، التي يكون لها الدور الفعال مع المواطن لاحترام محيطه وبيئته..
أمنيتي فعلا أن تنطلق بعض مشاريع «للشرطة البيئية» ولم لا، والصناعة الاسترجاعية التي تخدم هذه القضية الحساسة في المستقبل القريب، فهي ستأخذ على عاتقها إعادة تدوير النفايات، وإنها بالتأكيد ستوفر مناصب شغل جديدة وعديدة، وتخدم كذلك صاحب المشروع… وذلك بجلب القمامة إلى مفرغ «ما»، ومحاولة فرز النفايات، من الزجاج، والبلاستيك، والحديد، ليعاد استعماله بطريقة أو بأخرى، كما تفعل أكبر دولة صناعية وهي الصين، ودول كثيرة أخرى، وبذلك نصطاد أربعة عصافير بحجر واحد، نقلص من البطالة، وندعم الصناعة، ونحمي البيئة، ونسترجع لبلادنا اسمها الذي عرفت به في العالمين، فنحن نريدها دائما بيضاء نقية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com