أباء وأبناء يتيهون في دروب الميديا عندما بدلنا الأب بـ”راوتر”! ترى إلى أين تسير بيوتنا؟..
وأي حال أوشكت الأسر المسلمة أن تصل إليه في زمن الإنترنت والتواصل الاجتماعي؟..
قافلة البيت تسير بمفردها وقد ضُربت العزلة على أفرادها، وفي الطريق زرعت الألغام وتربصت الذئاب المفترسة تنفيذا لتخطيط إبليسي يسعى لمحو شيء اسمه الأسرة.
أصبحت تطل علينا بيوت قد خلت من دفء الأحاسيس والقرب، وتربع فيها المدعو جوجل وقد حصد وحده الاهتمام والحب!
بيوت كبيوت العنكبوت واهية، انعدمت فيها الحوارات والمناقشات والمواساة، يعيش الفرد فيها وكأنه دولة مستقلة، منعزل عمن بجانبه، ومتصل بشخص آخر خارج البيت لا يعرفه ولا يقربه، فإذا به أولى من ذوي القربى والأرحام.
صرنا نستجدي الحنان والعطف من الغريب بعد ما بخلنا به على القريب.
اختفت صورة الأب الذي كانت تلتف حوله العائلة، وتقضي أجمل الأمسيات، وأحلى الأوقات، وتنهل من حديثه، ويسعد الجميع، ويشعر الصغير قبل الكبير بالأمان، وحل محله (الراوتر) الذي تتعلق به الأبصار، ولكن كل فرد في واد والكل مشغول عن الكل.
وتبدلت الأم التي كانت تلملم البيت بنبع التفقد والتواصل بالرحمة والرعاية، وحل محلها شيء يدعى ب(الواتس أب) ليُختزل الحنان إلى رسائل سريعة مقتضبة جافة يُظن أنها من خزائن الرحمات!
ترى إلى أين المسير؟!
تحول الأبناء الذين هم عدة أجيال المستقبل من مسؤولين يسعون لطلب العلم ومجاراة التقدم التكنولوجي علهم أن يكونوا من المخترعين والمستكشفين الرائدين، ولكنهم عندما أساءوا استخدام تلك الشبكات تحولوا إلى متسولين يتسولون كلمة إعجاب من هنا، ومديح زائف من هناك، وتفاعل من ذاك وتلك.
وا أسفاه على زوج يلاطف هذه ويتعاطف مع تلك، ويسكب المشاعر بلا حساب، ويستعرض ما يدّعي من ملكات متشبعا بما سمع به من قدرات، ويرى في نفسه من خلال مجرد كلمات أنه فارس يسحر الألباب، ولربما تكون زوجته بجانبه لم تحط علما بتلك الغزوات، ولم تسمع منه عطفا أو ترى لفتة من لطفه في واقع الأيام.
ويا حسرتاه على زوجة ظنت الحياء بدعة من سالف الأزمان، فأخذت تعلق على كل منشورات الرجال الغرباء، وتعجب بصورهم الشخصية ومقالاتهم وحكاياتهم المطرزة بالمكر والخداع، ولربما الزوج ما زال يطمع ويترقب منها كلمة إعجاب.
وماذا تبقى لو كان الأب يهتم بكل مشاكل العالم يحلل ويُنظّر لكل الأحداث والأخبار، ولا يدري بما يدور في بيته، ولا يشغله تحليل الجفاف العاطفي والروحي في بيته، وقد يساعد ويخطط لنصيحة شابة تمر بأزمة نفسية أو مشكلة مادية، ولا يبالي ولا يهتم بابنته وقد أحاطت بها الأزمات.
وما حال تلك الأم التي تراقب كل العالم في مواقع التواصل، وتضع بصمتها على كل منشور، ولا تدري ما يوجد في بيتها، ولم تعد لها بصمة في سكينته وتربوياته، وسلمت قلبها لقصص وهمية ينسجها أصحابها من الخيال، ولف بها الحزن على تلك الفتاة التي كتبت (إني حزينة) وهي لا تدري أن ابنتها غارقة في الحزن والوحدة.
ويا للعجب حين يُعجب الابن بمشاهير فيس بوك وتويتر ويراهم قدوة يحترمها ويبادلها الشكر لما ينشروه، رغم أنهم بالنسبة له مجرد كلمات، لم يعرفهم عن قرب، ولم يختبر أفعالهم، ووالداه بلا كلمة مدح أو ثناء ودعاء.
عفوا..
لقد صار همنا البحث عن رسالاتنا خارج أسوار بيوتنا مع الغرباء والآخرين، ونسينا أن الرسالة الحقيقية تبدأ من بيوتنا، وفي بيوتنا، ومع أهلنا، ومع صلاح أسرنا تختفي تلك المشكلات ويصلح مجتمعنا ويحفظ الله لنا خيرية أمتنا المسلمة.
بقلم أم الفضل