أنكبتنا أم نكبة القدس؟/ قلاتي عبد القادر
أمَّا القدس فلها رب يحميها، وأمَّا أهلها فهم أقدر منَّا على المحافظة والدفاع عنها، فلسنا جديرين بها الامتياز، لأنَّ النَّكبة نكبتنا نحن، نحن من نحتاج الى المواساة والعون، لأننَّا أضعنا أنفسنا وفقدنا ضمائرنا، ولم نعد نملك من ذلك إلاَّ ما نغطي به وجوه العار بينا، حقاً لقد فقدنا البوصلة، ولم نعد ندرك أين موقعنا حقيقة في هذا العالم، الذي يتحالف ويتحد من أجل قضاياه، بينما نكرس واقعا مراً عنوانه الاكبر الاختلاف والخلاف والصراع والتناحر، ثم العداء والاقتتال وكأننا نريد الفناء، حقا لسنا –بهذا الواقع- نريد الحياة، فالأمة التي دينها يدعو الى الوحدة في العبادة والتصور والفعل والحركة، تسعى إلى التفرق والتشرذم، منطق عجيب -لعمري الحق- أي أمة نحن؟ ألسنا أمة الإسلام؟.
إنّ القرار الخطير الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة راعية وصانعة الإرهاب ليس نهاية العالم، قد يكون هذا القرار بداية حقيقة لاسترجاع الذات، واستحضار الضمائر الغائبة، ومن ثمّ إعادة الرشد إلى هذه الأمة التي فقدته منذ قرون طويلة، وإعادة موضعتها في السياق الحضاري العالمي، بعد أن تخلت نهائياً عن رسالتها الحضارية، واختارت وضع الهوان وحالة الانكسار والتبيعية المطلقة للمشروع الاستعماري الغربي، سياسياً وثقافياً واقتصادياً.
إنَّ هذا القرار الخطير، ليس طارئاً على سياسة قائمة على الاذلال والهوان لهذه الأمة، بل هو حلقة من حلقات هذا الاذلال والهوان، فالسياسة الغربية عموماً وحتى الكيان الصهيوني الغاصب، ليسوا السبب الرئيس فيما وصلنا إليه من الانكسار والخذلان، السبب ببساطة يكمن فينا، نحن من صنعنا وضعنا ونحن من منح القوة لهؤلاء، منذ سنوات قال الفيلسوف الكبير مالك بن نبي: “إنّ مشكلتنا ليست أمريكا ولا اسرائيل ولا حتى الشيطان، مشكلة المسلمين أنّهم لا يعقلون”، نعم مشكلتنا ليس هؤلاء جميعاً، إنَّها باختصار شديد حالة الانهار الحضاري التي نعيشها، وكما قال أيضا: “حينما يكون كلامنا أقلّ عن الاستعمار وأكثر عن القابلية للاستعمار نكون قد بدأنا السير في الطريق الصحيح”، لكن للأسف حديثنا اليومي، وتحليلاتنا المستمرة وقراءاتنا الدائمة، تصبّ دائماً في لعن الاستعمار، وقلَّما تحدثنا عن القابلية للاستعمار، كما كان يردد بن نبي دائما: “إنّ القابلية للاستعمار لم تُصنع في واشنطن وموسكو وباريس، بل هي موجودة في كيان العالم الإسلامي وتحت قباب جوامعه من بخارى وسمرقند، حتى دلهي وطهران.. إلى دمشق والقاهرة والقيروان”.
لن يكون هذا القرار هو الأخير في السياسة الغربية، بل سنشهد قرارات أخطر وأخطر، ما دامت قراراتنا لا تصدر عن قناعة وإدارة ذاتية، فالجهل بالذات نكران لها. والله المستعان.