الحمــــد لله: بين اللفـــــظ والجـــــوهـــــر
أ. / أمال السائحي/
وأنا أفكر في موضوع أكتب فيه، إذا بي أقرأ على الشريط الإعلامي (رفع الحجر الصحي والحالة في تحسن من وباء كورونا) والحمد لله، وجدتني أردد في نفسي: الحمد لله رب العالمين على نعمه الظاهرة والباطنة… واندفعت أغوص كغوص السمك في البحار وأنا أقرأ ما جاء في كلمة «الحمد لله» من جمال وإجلال ومن معاني الكمال..
يقول العلماء: «الحمد في لغة العرب ضد الذم، وقد تعددت أقوال العلماء في تحديد معنى الحمد، وإن كانوا متفقين في الجملة على أنه ثناء ومدح، ومن أفضل من تكلم على تعريف الحمد الإمام ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد) حيث قال: فالحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه، فالحمد لله إذن هي كلمةُ مباركة، وهي ثناء في دعاء، ودعاء في ثناء، تجري على الألسنة بسهولة ويسر، وهذا من فضل الله ومنته على عباده، الكلمة التي اختارها الله فاتحةً لكتابه العزيز «الحمد لله رب العالمين»، بكل ما تحمله من معان وأسرار لفظية وجوهرية، كنوزها لا تنفد. يقول سيّد قطب رحمه الله: (والحمد لله، هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله، فإن وجوده ابتداء ليس إلا فيضاً من فيوضات النعمة الإلهية، التي تستجيش الحمد والثناء، وفي كلّ لمحة، وفي كل لحظة، وفي كل خطوةٍ تتوالى آلاء الله وتتواكب وتتجمع، وتغمر خلائقه كلّها، وبخاصة هذا الإنسان، ومن ثم كان الحمد لله ابتداء، وكان الحمد لله ختاماً قاعدة من قواعد التصور الإسلامي).
روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلـى الله عليه وسلم قال رجلٌ: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، فقال النبي: «مَن القائل كذا وكذا؟» فقال رجل من القوم: أنا قلتُها يا رسول الله. قال: «عجبتُ لها فُتحت لها أبواب السماء»، قال ابن عمر: فما تركتها منذ سمعت رسول الله يقولهنَّ. [صحيح مسلم (رقم:601)].
وقد وقفت على هذا الشرح الجميل لكلمة «الحمد لله» يقول الشيخ علي الطنطاوي: «هي ليست كلمة تقال باللسان ولو ردّدها اللسان ألف مرة، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها، حمد الغني أن يعطي الفقراء، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء، وحمد الصحيح أن يعاون المرضى، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين، فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد؟ وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه؟ ولكن لا يكفي العباد إلاّ من خلقهم، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم… وأضاف قائلا: «ولو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم، فكيف وأنا رجل مستور، يرزقني الله رزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً؟ فالإنسان قد سخره الله لأخيه وهكذا، حين يتصدق على فقير، أو يعود مريضا، أو يكفل أرملة أو يتيما، أو يساعد ضعيفا، فهو خدم نفسه من حيث لا يدري، وسبحان الله في ملكه قد قدر الأرزاق كما رزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا..
فهل يا ترى حققنا معنى الحمد في اللفظ والجوهر؟ هل حققناه مع الله عز وجل؟ الحمد على النعم التي لا تحصى ولا تُعد، وعلى مواطن كثيرة في حياتنا منها الابتلاءات والأمراض التي ترفعنا درجات، لأنها في حقيقتها ليست بنقمة ولكن نعمة تزيد في ميزان حسناتنا إذا حمدنا الله وشكرنا، وتجعلنا نستشعر قيمة الصحة والعافية، وهل حققنا الحمد في التكافل بيننا من زيارة مريض؟ والسؤال على صلة الرحم؟ إلى غير ذلك من صور البر والإحسان…اللهم إنا نسألك أن تجعل قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا تلهج بحمدك ما أحييتنا.