الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com
الفتوى رقم:533
الســـــؤال
قالت السائلة: (م. م) من الجزائر. كثيرا ما سمعت هذا الحديث عن طريق الخطباء والوعاظ، ولكن لم أستوعب المدلول الكامل لنص الحديث. وسؤالي: ماهي السنة؟ وما هي علاقة سن الحسنات، بالصدقة التي كانت سبب ورود الحديث؟ على ما علمت من أن صحابيا تصدق بمال كثير فتبعه الصحابة فتصدقوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث.؟
الجـــــــــواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: نص الحديث الذي سألت عنه السائلة هو: عن المنذر بن جرير، عن أبيه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه قوم حفاة.. من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾(النساء:1) والآية التي في الحشر:﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾(الحشر: 18) «تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره – حتى قال – ولو بشق تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل، كأنه مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ](مسلم.1017].
ثانيا: ما معنى الحديث؟:
فقول الراوي: (فتمعر) أي تغير بسبب التأثر بالمنظر الذي رآه. ومعنى (كومين) هو بفتح الكاف وضمها، من الكوم العظيم من كل شيء، والكوم المكان المرتفع كالرابية. ومعنى (يتهلل) أي يستنير فرحا وسرورا (مُذْهَبَةٌ) في حسن الوجه وإشراقه، فشبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود وجمعها مذاهب وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود، وتجعل فيها خطوط مذهبة يرى بعضها إثر بعض.
[مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً]السنة لغة: الطريقةُ المستقيمة المحمودة. والسنة نقيض البدعة، والبِدْعةُ بدْعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلال، وسمّيت البدعة بِدْعَة لأن قائلها ابتدعها من غير مقال سابق. كما ورد في الحديث: [مَن عَمِل عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ]إذا كان مخالفا للسنة النبوية.
فكذلك السنة من غير النبي صلى الله عليه وسلم، سنة حسنة، وسنة سيئة. أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي الأصل الثاني من أصول الشريعة بعد القرآن الكريم، وهي طريق الهداية إلى الجنة.
إنما هنا النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن غيره، من سن سنة: من عمل عملا ليقتدى به فيه، إن كان حسنا فلصاحب العمل أجر عمله، وأجر كل من عمل بذلك العمل، دون أن ينقص من أجورهم شيء، والعكس من عمل عملا سيئا ليقتدى به فعليه وزر ذلك العمل، ويتحمل وزر كل من عمل بذلك العمل، دون أن ينقص من أوزارهم شيء.
ثالثا: ماهي السنة؟
السنة باختصار ما سنه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته. والسنة على الإطلاق طريقة التدين التي شرعها النبي عليه الصلاة والسلام، في كل مايقتضيه الدين.
رابعا: ما هي علاقة سن الحسنات، بالصدقة التي كانت سبب ورود الحديث؟وردت العبارة في الحديث على إطلاقها: [مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً] في كل عمل سنه صاحبه، في أي عمل كان هو السابق فيه، تطوعيا قاصدا الخير للناس، ثم لما رآه الناس وأقبلوا عليه، أي: اتبعوه فيه، سمي سن سنة حسنة. كمن يرى أهل قرية في حاجة إلى الماء، فيبادر ويحفر لهم بئرا، ثم يراه المحسنون ويحفرون آبارا أخرى. أو يعبد لهم الطريق، أو يبني لهم مستشفى، أو تكون قرية محرومة من الغاز أو مجاري الصرف الصحي، فيبادر محسن بإنجاز ذلك لهم، أو يبني مدرسة للتعليم العام. كل من يبدأ مشروعا فيه خير للناس فقد سن سنة حسنة. والله تعالى أعلم. ثم إن هذه المشاريع الخيرية تبقى صدقة جارية.
